عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحلة مع مستشاري الرئيس إلي الوادي الجديد

«مساحتها نصف مساحة مصر.. وعدد سكانها 234 ألف نسمة «!!»»

هذه هي المرة الأولي التي أسافر فيها إلي محافظة الوادي الجديد.. هذه هي المرة الأولي التي أكتشف فيها جريمة ضد الوطن مكتملة الأركان.. جريمة متهم فيها ثلاثة أنظمة سابقة.. هي نظام «عبدالناصر» و»السادات» و»مبارك».. لن أتحدث عن «مرسي» لأنه خرج بإرادته من حسابات التاريخ قبل أن يدخله.. هذه هي المرة الأولي التي أكتشف فيها أن كل خطط التنمية التي تحدثت عنها الحكومات  السابقة وصدعوا بها رؤوسنا هي هراء وكذب في كذب.. هذه هي المرة الأولي التي أكتشف فيها خيبة الإعلام المصري وسذاجته وتفاهته.. إعلام تفرغ لتصفية الحسابات.. إعلاميون احترفوا الإثارة، ووضع السكاكين علي رقاب من يخالفهم الرأي.. بينما هم أنفسهم غضوا البصر  عن ملفات الفساد.. وتركوا قضايا الوطن الحقيقية دون أن يتطرقوا إليها.
وهذه ـ أيضاً ـ هي المرة الأولي التي أستطيع القول فيها، إننا الآن في مصر، أصبح لدينا دولة وحكومة.. دولة قوية لديها  إصرار وعزيمة علي المضي إلي الأمام.. وحكومة بدأت تتحرك.. بدأت تبادر.. تقتحم.. تذهب إلي الناس في  القري والنجوع.. تستمع اليهم.. تستجيب لمطالبهم.. تخطط للمستقبل.
يوم الخميس الماضي دعاني اللواء عادل لبيب وزير التنمية الحلية للسفر معه إلي محافظة الوادي الجديد، لوضع حجر الأساس لبناء قري الظهير الصحراوي،  وتفقد مشاكل المواطنين في القري الأكثر احتياجاً والأكثر فقراً، وهي قري مترامية الأطراف، الوصول اليها في محافظة بهذا الحجم أمر شاق ومرهق إلي أقصي درجة.. وأبلغني الوزير أن المجلس الاستشاري لرئيس الجمهورية سيرافقنا في هذه الرحلة.. المجلس الاستشاري أو التخصصي للرئيس يضم عشرة من خيرة شباب مصر من الجنسين.. هم متخصصون في مجال التنمية المحلية.. لديهم خبرات وتجارب عملية ومشاركات سابقة في العمل الجماهيري بمحافظات مصر.. أقاموا العديد من المشروعات الخدمية والتنموية التي تخدم الفقراء والمحتاجين في القري والنجوع.. وهم مكلفون من الرئيس السيسي ببحث مشاكل وقضايا ومطالب سكان الوادي الجديد علي أرض الواقع، وأيضاً كيفية وضع تصور شامل لتنمية المحافظة.. تنمية زراعية.. وصناعية.. وسياحية.. وتعليمية.. وطبية.. المجلس سوف يقدم في نهاية الرحلة تقريراً عن المهمة إلي الرئيس دون تجميل أو تهويل.. سيضعون الحقائق كما رأوها أمام الرئيس.. وسيضعون حلولاً جريئة وسريعة  وعلمية وغير تقليدية لاتخاذ القرار.. المسئولية كبيرة.. وأعتقد أن هؤلاء الشباب قادرون عليها.
في جلسة مصارحة.. وبكل شفافية تحدث اللواء محمود عشماوي محافظ  الوادي الجديد عن مشاكل ومعاناة واحتياجات سكان المحافظة.. لأول مرة أجد محافظاً يتحدث بلسان الناس.. باختصار هي محافظة تفتقر إلي كل الخدمات، وتحتاج كل الخدمات.. محافظة نسيتها الدولة، بل تجاهلتها عشرات السنين.. وباختصار أيضاً هي محافظة واعدة.. كنز مصر المفقود.. أرضها زاخرة بالموارد التعدينية.. تضم 3٫5 مليون فدان صالحة للزراعة.. ومخزون مياه جوفية ضخماً يكفي مئات السنين.. ولديها موارد سياحية لا مثيل لها علي أرض مصر.. لذلك أرسل الرئيس السيسي رجاله إلي هناك.. ولذلك أيضاً سافر المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء إلي الوادي الجديد مرتين في 6 أشهر.. وسافر الوزير عادل لبيب ثلاث مرات.. والأهم هنا أن الناس بدأت تعرف أن هناك دولة  وهناك حكومة تسأل عنهم.
وقد تكون المشاكل التي طرحها محافظ الوادي الجديد ليست جديدة.. فغالبية  محافظات مصر تعاني من نفس  المشاكل، خاصة إذا عرفنا ـ كما قال لي الوزير عادل لبيب ـ إن عدد القري في مصر 33 ألف قرية، 88٪ منها محرومة من الصرف الصحي، و50٪ منها محرومة من مياه الشرب النقية.. لكن الجريمة التي ارتكبت في حق محافظة الوادي ولم يتحدث عنها المحافظ هي جريمة سياسية، تستحق أن نتهم فيها ثلاثة أنظمة سابقة بالفشل، والتقاعس، والإهمال،  وخيبة الأمل.
تصوروا أن محافظة الوادي الجديد تمثل 44٪ من خريطة  مصر.. أي أن مساحتها نصف مساحة مصر تقريباً «!!».. وتصوروا أن عدد  سكانها 234 ألف نسمة فقط»!!».. أي أن عدد سكان هذه المحافظة أقل من عدد سكان شارع شبرا بالقاهرة..  أو عدد سكان شارع فيصل بالجيزة.. وتصوروا أن مناطق شاسعة من هذه المحافظة غير مأهولة علي الإطلاق، ولم تدسها أقدام بشر، ولم يتم اكتشافها بعد.. وتصوروا أن المسافات هنا بين القري بعضها

البعض، وبينها وبين المدن تحسب بعشرات بل بمئات الكيلو مترات!!
الأخطر هنا، أن الأنظمة الثلاثة السابقة متهمة بإهدار 24 مليار جنيه، دفنت في صحراء الوادي الجديد.. تمثلت في مشروعين فاشلين.. الأول: فوسفات أبو طرطور.. والثاني: توشكي.
في الستينات من القرن الماضي، انشغل الرئيس جمال عبدالناصر بإنشاء السد العالي في أسوان، فتوقفت التنمية تماماً في الوادي الجديد.. لكن الخبراء قدموا للرئيس دراسات غير دقيقة لاستخراج الفوسفات من هضبة أبو طرطور، وهي هضبة تقع بين مدينتي الخارجة والداخلة، وتبلغ مساحتها حوالي 70 كيلو متراً.. ثم جاء الرئيس أنور السادات  وُعرض عليه  المشروع مرة أخري عام 1971.. وقتها أكدت الدراسات ـ غير الدقيقة أيضاً ـ أن المشروع سيكون واحداً من أعظم المشروعات التعدينية في مصر والعالم.. لكن مع بدء العمل في المشروع توالت المفاجآت.. تكلفة انتاج طن الفوسفات ارتفعت إلي 500 جنيه.. بينما تبيعه الدولة بمائة جنيه فقط..أي زيادة في الانتاج يتبعها خسائر فادحة.. لم يتوقف المشروع في عهد السادات.. ثم جاء الرئيس  حسني مبارك، واستمر المشروع في استنزاف الأموال وزيادة الخسائر حتي منتصف التسعينيات.. توقف المشروع محققاً خسائر فادحة قدرها 14 مليار جنيه.. وتركت أصول المشروع وقوداً للشمس.. مبان خاوية متروكة في العراء.. معدات يعلوها الصدأ.. مخازن بها معدات وقطع غيار لم تستخدم!!
لم يتعلم «مبارك» الدرس، مما حدث في مشروع أو طرطور، فأراد أن يقيم مشروعاً قومياً عملاقاً في الوادي الجديد هو  مشروع توشكي.. قدمت إلي الرئيس دراسات غير دقيقة عن المشروع.. وبعد سنوات  اكتشف «مبارك» عدم جدوي المشروع..  وقتها قال في تصريحات صحفية، إنه خدع، وقدمت له أرقام وبيانات ومعلومات خاطئة عن المشروع، ملمحاً إلي أن هذه البيانات والمعلومات والأرقام قدمها له الدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء وقتها.. لذلك تمت إقالته، ولم يفتح الجنزوري فمه معلقاً بكلمة واحدة.
صحيح.. التخطيط لهذا المشروع كان ساذجاً، فهو لم يحقق أي عائد فقط، لكنه لم يحقق أي بعد استراتيجي، أو تنموي، أو أي هدف قومي.. انفق عليه 10 مليارات جنيه والنتيجة لا شيء حتي الآن.. وأقول هنا، لو أنفق نصف هذا المبلغ، أي 5 مليارت  جنيه لحفر مئات الآبار الجوفية، وانشاء مئات القري،  لأمكننا تحقيق هدفين رئيسيين.. زراعة أكثر من 3 ملايين فدان هي قابلة للزراعة في الوادي الجديد  ولا تحتاج إلا لحفر آبار جوفية.. والثاني إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة لتفريغ التكدس السكاني في وادي النيل.. نعطي الأرض الزراعية لمن لا يملك الأرض من المزارعين والفلاحين.. نحسن من أوضاع الفقراء في القري والنجوع.. نحقق الاكتفاء الذاتي..
وهنا أقول للدكتور كمال الجنزوري، الذي يقود تحالفاً لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة أملاً في أن يكون رئيساً للبرلمان القادم.. أقول له كفي  أرجوك.. وأترك شباب مصر يصنع مستقبله بنفسه.