رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إلغاء دعوة السيسى .. ليه ؟

"التواصل الإنسانى" ..هو العنوان الذى إختارتة القوات المسلحة  المصرية ,  للمبادرة  الملغاة ظهر اليوم الأربعاء ( 12 ديسمبر) , والتى كان الفريق عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع , قد أطلقها  مساء أمس الثلاثاء ( 11ديسمبر )  ولم تصمد سوى 16 ساعة ,  داعياً "شركاء الوطن"  من  سياسيين وإعلاميين والأزهر والكنيسة , على طعام الغذاء فى الرابعة والنصف مساء اليوم  بتوقيت القاهرة بإحدى المنشآت العسكرية وهى القرية الأوليمبية لقوات الدفاع الجوى ب"التجمع الخامس".

  المبادرة جاءت فى نهاية يوم أمس الذى شهد  الكثير من التظاهرات والمسيرات الحاشدة  بالعاصمة المصرية وأمام قصر الإتحادية الرئاسى ,وكافة محافظات مصر تقريباً , إعتراضاً على الرئيس الدكتور محمد مرسى , والمطالبة برحيله ووقف إجراء الإستفتاء على مشروع الدستور المقرر له يوم السبت المقبل , وهو دستور يراه المعارضين تفصيلاً لصالح الجماعة وحلفائها السلفيين , ومقابل ذلك , فقد  تَجَمع   عشرات الآلاف من مؤيدى مرسى ومسودة الدستور أمام مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر القريبة من مصر الجديدة التى يقع بها قصر الإتحادية الرئاسى.
حالة الإرتباك  المسيطرة عى المشهد السياسى المصرى ألقت بظلالها على دعوة   السيسى أو مبادرته , إذ إعتبرتها رئاسة الجمهورية ،  تدخلا من الجيش فى السياسة , وإن لم تقل ذلك صراحة , وهو مادفع السيسى إلى أن يدلى بتصرح فى ساعة متأخرة من الليل قائلاً بأننا: " لن نتكلم فى السياسة" , ولاحقاً أعلنت الرئاسة عن حضور مرسى بعد هذه التصريحات , وأنه سيترأس للقاء , ومع توالى ترحيب   السياسيين المناوئين للإخوان بالمبادرة , وموافقة عمرو موسى والدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى ,رموز  جبهة الإنقاذ  على الحضور, فإذا بالسيسى  يتراجع ويقررإلغاء اللقاء أو تأجيله  تحت الضغوط الرئاسية والإخوانية التى أرتابت فى أمر الدعوة لهذا اللقاء. 
على كل حال, ربما  كانت  الدعوة أو المبادرة المؤجلة  هى طوق للنجاة أرادت القوات المسلحة أن تلقيه للرئيس مرسى  لإنقاذ البلاد من الإنقسامات والمصير المتردى الذى تنحدر إليه بسرعة , إذ تقف مصر على أعتاب حرب اهلية توشك أن تندلع وتحرق الأخضر واليابس .. بفعل قرارات الرئيس وإعلاناته الدستورية التى أثارت الفتنة , مع  الإصرار  على تمرير الدستور رغم غياب التوافق عليه ,وهذا كله  تزامناً  مع   حصار الجماعة الإخوانية للمحكمة الدستورية العليا منذ  مساء الأول من ديسمبر الجارى , وتطويق أنصار السلفى  حازم أبو إسماعيل المرشح الرئاسى السابق لمدينة الإنتاج الإعلامى  , و تداول قائمة مستهدفة بالإغتيال ل70 شخصية إعلامية وسياسية , لمعارضتهم لمرسى والإخوان.
هذه الأجواء كلها لاشك أنها كانت الدافع إلى هذه الدعوة المرتبكة أو ربما المتسرعة من السيسى  إلى "الحوار الوطنى" والتى لم تصمد و تحولت  إلى مجرد لقاء التواصل الإنسانى , ثم ما لبثت أن تلاشت وتبخرت وألغيت , إمتثالاً للضغوط الإخوانية أو الرئاسية , بما يُفقِد القوات المسلحة مصداقيتها وقدراً كبيراً من هيبتها ومكانتها .
  واقع الحال أن  السياسة بأحداثها الجارية فى الأيام القليلة الماضية , حاضرة وبقوة وهى الدافع أساساً إلى هذه المبادرة  المتلاشية .. إذ  لايمكن فصلها عن البيان الصادر من القوات المسلحة  يوم السبت   الماضى (  8 ديسمبر) , بعد ساعات من جمعة " الكارت الأحمر" المطالبة بإلغاء الإعلان الدستورى وتأجيل الإستفتاء , ونحو 48 ساعة من موقعة الإتحادية .. و كليهما معاً ( الدعوة المؤجلة  والبيان السابق للجيش ), إنما يعنيان عدة أمور كامنة بين السطور , يمكن رصد ملامحها  فيما يلى :
أولا : أن هذه الدعوة من السيسى  تعكس قلقاً مشروعاَ داخل الجيش , مما يجرى وما يمكن أن تنزلق إليه البلاد من حرب أهلية , تضرب ولاشك وحدة الوطن ,وتربك الجيش , إذ لايمكن له أن يؤدى مهامه فى حماية الأمن القومى  فى ظل مثل هذه البيئة المشتعلة , تمزيقاً للوطن على هذا النحو ,الذى يجرى , فلابد لأى جيش من جبهة داخلية داعمة .
ثانياً : أن تركيبة الجيش المصرى بطبيعتها ومنذ عصر محمد على , تعتمد على فكرة التجنيد الإجبارى للشباب فى سن معينة , وفقاً لإحتياجات الجيش وظروف البلاد من حرب أو سلم , فهو لا يعتمد فقط على المتطوعين والمتفرغين مهنياً , لأن هذا النوع  يمثل عبئا مالياً ضخما, لاتتحمله ظروف مصر, بمعنى أن الجيش من الداخل يضم نفس مكونات الشعب المصرى, مع ملاحظة أنه  كان يتم  إستبعاد المنتمين للجماعات الدينية على شاكلة الإخوان المسلمين , والمتشددين دينيا ,بما مفاده  أن الجيش يتأثر بما يدور بالبلاد من صراعات سياسية , وهو مايجعلهً مرتبطً بالشعب دائما , ولا يستطيع الإنفصال عنه ,ومن ثمَّ فهو لايملك ترف الوقوف متفرجاً على ما يجرى ,  وإلا إنتقلت الإنقسامات والصراعات إليه بالداخل , ولعل هذا هو الدافع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتخلى عن الرئيس السابق حسنى مبارك , والإنحياز إلى الشعب إبان ثورة 25 يناير خشية سريان الثورة إلى داخل الجيش بما يهدد تماسكة كمؤسسة قوية وعريقة.
ثالثا : أن البيان السابق للجيش ( 8 ديسمبر) , هو بمثابة تحذير ربما للإخوان المسلمين والموالين لهم من "الحسابات الخاطئة", بأن ممارساتهم العنفية تجر البلاد إلى حرب أهلية , وهو أمر لن يسمح به الجيش , ولن يقف إزاءه مكتوف الأيدى ,وهذا المعنى الأخير يُفهم من مجرد  إصدار البيان , كما هو الحال مع الدعوة الحالية .
رابعاً : أن بيان 8 ديسمبر لم يشر قط إلى شرعية السلطة الحاكمة أو الرئيس و وإنما تحدث وبحسب نصه عن :  " الشرعية القانونية، والقواعد الديمقراطية التى توافقنا عليها، وقبلنا التحرك إلى المستقبل على أساسها», أى أنه بصريح العبارات ودون لبس أو غموض يتحدث عن( الشرعية الدستورية ), التى توافق عليها الشعب فى إستفتاء 19 مارس 2011, والتى صدربناء عليه الدستور المؤقت (الإعلان الدستورى فى 30 مارس 2011) , ثم الإعلان المكمل الذى ألغاه مرسى فى أغسطس الماضى , رغم أنه أقسم اليمين الدستورية على أساسه .
والخلاصة أن هذه المبادرة أو الدعوة  للحوار الوطنى أو التواصل الإنسانى , حتى ولو تم إلغائها أو تأجيلها ,   تؤكد بأن الجيش ليس بعيدا عن السياسة ,و لايمكن له ذلك عمليا , طالما أن البلاد تؤدى ذاهبة بسوء الإدارة إلى هذه  المخاطر , وهى رسالة طمأنه للشعب بأن "الجيش"  حاضر ومتابع ومستعد للتدخل عند اللزوم , والأهم أن هذه الدعوة الموؤدة , كانت  تمنح الرئيس مرسى وجماعتة الفرصة الأخيرة للنجاة من المأزق الذى صنعوه بأياديهم , ولاحول ولاقوة إلا بالله ولندعو جميعا لمصر أن يتولاها الله بعنايتة ورحمتة . 
( كاتب وصحفى)
[email protected]