عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جامع أحمد بن طولون.. ثالث مساجد القاهرة

بوابة الوفد الإلكترونية

يعد جامع أحمد بن طولون نموذجًا فريدًا فى تاريخ العمارة الإسلامية، ودرة فى تاريخ المساجد الأثرية، ودليلًا قويًا على ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية فى العصر الطولونى.

وهو ثالث الجوامع بمصر الإسلامية بعد جامع عمرو بن العاص، وجامع العسكر، والذى زال مع زوال مدينة العسكر التى كانت تشغل حى زين العابدين "المدبح حاليًّا".
ويعد جامع أحمد بن طولون هو المسجد الوحيد الباقى فى مصر، الذى لم تتغير معالِمُه، وقد تغيرت معظم معالم مسجد عمرو بن العاص، وكذلك جامع الأزهر الشريف بمرور العصور، ويتميز هذا الجامع بزخارفه الإسلامية البديعة التى تجعله أحد النماذج النادرة للفن الإسلامى والعمارة الإسلامية.
وفى عهد الأيوبيين أصبح جامع ابن طولون جامعة تدرس فيه المذاهب الفقهية الأربعة، وكذلك الحديث والطب إلى جانب تعليم الأيتام.
وقد شيّد أحمد بن طولون مسجده على مساحة كبيرة تبلغ ستة أفدنة ونصف فوق جبل يشكر، بوسط مدينته الجديدة القطائع، وقد عرف بهذا الاسم نسبةً إلى قبيلة يشكر بن جزيل من عرب الشام.
وقد بنى أحمد بن طولون مسجده بعد أن شكا الناسُ من ضيق جامع العسكر، فبدأ البناء عام 263هـ - 876م، واكتمل بناؤه عام 265هـ - 879م وفقًا لما جاء باللوحة المثبتة على إحدى دعامات إيوان القبلة بالمسجد.

وصف الجامع
طول جامع أحمد بن طولون 138 مترًا، وعرضه 118 مترًا تقريبًا، يحيط به من ثلاثة جهات ـ الشمالية والغربية والجنوبية ـ ثلاث زيادات عرض كل منها 19 مترًا على وجه التقريب، مكوّنين مع الجامع مربعًا طول ضلعه 162 مترًا، ويتوسط الزيادة الغربية الفريدة فى نوعها مئذنة الجامع، والتى لا يوجد مثيلها فى مآذن القاهرة، وهى ملوية على طراز ملوية جامع سامراء بالعراق، ويبلغ ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض (40.44م)، فيما يربط المئذنة بحائط المسجد الشمالى الغربى قنطرة على عقدين من نوع "حدوة" الفرس، وأغلب الظن أنها بُنيت على أساسات المئذنة الأصلية للجامع، ذلك لأن هذه المئذنة بنيت فى العهد المملوكى، ولعلها قد بنيت على طراز مئذنة جامع سامراء، وهى مربعة من الأسفل، ثم أسطوانية وتنتهى مثمنة تعلوها قبة، ويبلغ ارتفاعها 40 مترًا.
وجهات الجامع الأربع تمتاز بالبساطة، وليس بها من أنواع الزخرف سوى صف من الشبابيك المفرغة المتنوعة الأشكال والمختلفة العهود، وأمام كل باب من أبواب الجامع، يوجد باب فى السور الزيادة ـ الخارجى ـ بالإضافة إلى باب صغير فتح فى جدار القبلة، وكان يؤدى إلى دار الإمارة التى أنشأها أحمد بن طولون فى شرق الجامع.
ويتوسط جدار القبلة المحراب الكبير الذى لم يبقَ من معالمه الأصلية سوى تجويفه والأعمدة الرخامية التى تكتنفه، كما توجد بأعلى الجزء الواقع أمام المحراب قبة صغيرة من الخشب، تحيطها شبابيك جصية مفرغة مشغولة بالزجاج الملون، وإلى جانب المحراب يوجد منبر مصنوع من الخشب على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محلاة بزخارف بارزة، ويعتبر هذا المنبر من أقدم منابر مساجد القاهرة، بعد منبر المسجد الموجود بدير القديسة كاترين بسيناء، والذى أقامه "الأفضل شاهنشاه" فى أيام الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله سنة 500 هـ، ومنبر المسجد العتيق بقوص الذى أمر بعمله الصالح طلائع سنة 550 هـ. أما الزخارف الجصية المتعددة، والزخارف التى استخدمت فى الأبواب، فيلاحظ تأثرها الكبير بجامع "سامراء"، حيث بدأت الأسرة الطولونية هناك قبل أن تنشئ دولتها فى مصر.
كما يوجد منبر أمر بعمله السلطان لاجين أيضًا، وحل محل المنبر الأصلى، وهو مصنوع من الخشب، وهذا المنبر يعد من أقدم منابر مساجد القاهرة، إذ يعد من حيث القدم ثالث المنابر القائمة.
ويتميز جامع أحمد بن طولون أن بناءه مقاوم للنيران ولمياه الفيضان، وكان هذا طلب ابن طولون من المهندس الذى أنشأه، وعلى الرغم من أنّ تخطيط الجامع يتبع النظام التقليدى للمساجد "الجامعة"؛ حيث يتكون من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها ظلة القبلة، إلا أنّه ينفرد بمئذنة فريدة تعد من العناصر المعمارية المهمة والأساسية للمساجد وتكاد تكون الوحيدة فى العالم الآن على هذا الشكل بعد أن تداعت توأمتها فى سامراء ببغداد مؤخرًا أثناء القصف الأمريكى للمدينة، ويقول المقريزى إن

ابن طولون بنى منارة هذا الجامع على صفة جامع منارة سامراء .
ويبلغ عدد مداخل جامع بن طولون 19 مدخلاً، إلا أن المدخل الرئيسى حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون، حيث يوجد أعلاه لوحة تجديد ترجع إلى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله.
ولمسجد أحمد بن طولون أهمية بالغة ترجع إلى أنه المسجد الوحيد فى مصر، بل والعالم، الذى لم يتم إليه إضافات أو توسعات له منذ إنشائه، وحتى الآن ما زال محتفظًا بعناصره الزخرفية والمعمارية رغم مساحته الكبيرة.
ترميم الجامع
امتدت يد الترميم والإصلاح إلى جامع ابن طولون فى العديد من الفترات، إلا أن أهمها، كان ذلك الذى قام به السلطان حسام الدين "لاجين" المملوكى، فقد أنشأ القبة المقامة وسط الصحن عوضًا عن القبة التى شيدها الخليفة الفاطمى العزيز بالله والتى كان قد أقامها بدلاً من القبة الأصلية التى احترقت سنة 376هـ.
وللسلطان المملوكى "لاجين" قصة مع المسجد رواها السيوطى فى كتابه التاريخى «حسن المحاضرة فى أخبار مصر القاهرة»، مفادها أنّ لاجين كان أحد المماليك الذين قاموا بقتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون، ومن ثم أخذ مماليك وحلفاء الأشرف فى البحث عن لاجين ليثأروا منه، فما كان من "لاجين" إلا أن احتمى فى منارة هذا الجامع الذى كان قد هجره الناس وتحول إلى مربط للخيل ومكانًا للمسافرين، ونذر بتجديد وأعمار المسجد مرة أخرى إن مرت هذه المحنة بسلام، وتدور الأيام ويتولى لاجين عرش مصر، ولقب بـ"المنصور"، وكان أول ما قام به هو الوفاء بنذره، فأعاد إعمار الجامع بعد خرابه بأكثر من 400 عام، وجعل فيه كتاب لتعليم الأطفال وزرع حوله البساتين، وأزال الخراب من حوله متكلفًا مالاً جمًّا.
كما عين السلطان لاجين مجموعة من الصناع، وأمر بصناعة ساعة فيه، فجعلت قبة فيها طيقان صغيرة على عدد ساعات الليل والنهار وفتحة، فإذا مرت ساعة انغلقت الطاقة التى هى لتلك الساعة وهكذا، ثم تعود كل مرة ثانية.
وفى القرن الثانى عشر الهجرى كان هذا الجامع يستعمل كمصنع للأحزمة الصوفية، كما استعمل فى منتصف القرن الثامن عشر ملجأ للعجزة، ثم أتت لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1882م، وأخذت فى إصلاحه وترميمه، إلى أن كانت سنة 1918م، حين أمر الملك فؤاد الأول بإعداد مشروع لإصلاحه إصلاحًا شاملاً، وتخلية ما حوله من الأبنية، راصدًا لذلك 40 ألف جنيه، أنفقت فى تقويم ما تداعى من بنائه، وتجديد السقف.
أما آخر محاولة تم فيها ترميم المسجد فكانت فى نهاية التسعينيات، حيث قامت وزارة الثقافة المصرية بترميم زخارفه وافتتاحه فى عام 2005م كواحد من بين 38 مسجدًا تم ترميمها ضمن مشروع القاهرة التاريخى، وقد أعلنت وزارة الثقافة أن إعادة ترميم الجامع تجاوزت تكلفتها 12 مليون جنيه.