رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناس دول .. حكايات عن مصر التى لا نعرفها

من حكاية الى حكاية ، ومن رحلة الى أخرى تبرز مصر الجميلة بكل متناقضاتها وغرائبها وشخوصها وملائكتها وشياطينها حدوتة جديرة أن تروى ، وفيلما يستحق المشاهدة ، وكتابا لا يمكن وضعه على "الرف " دون قراءة .

هذا ما يريد أن يقوله المبدع الشاب احمد عطا الله فى قصصه الواقعية التى ينقلها لنا من قلب مصر فى كتاب شيق صدر مؤخرا عن دار " العين " بعنوان " الناس دوّل " . وهؤلاء الناس هم مصريون محسنون وسيئون ، حكاياتهم قد تشعرك بالفخر أو الخجل ، وأحوالهم قد تفرح وقد تفزع لكن فى النهاية لا يمكن ألا نقبلهم بيننا .

الشهداء بيننا بطهرهم ونقائهم ورقتهم وفخر ابنائهم وذويهم خالدون ، مثل احمد يوسف عوض الذى يحقق المؤلف حكايته كاملة وينقلها لنا فى سلاسة وعذوبة . كان احمد يعمل فى سفينة مصرية تدعى "مون لايت ".

وفى يوليو عام 2006 أصابها صاروخ اسرائيلى وأصيب المواطن الدمياطى احمد ومات متأثرا بجراحه فى مستشفى طرطوس بسوريا . يرسم الكاتب لنا صورة الحزن المحيط بالشهيد من خلال لقائه بزوجته وأسرته وجيرانه الذين يرونه طيبا ، شهما ، بارا بأهله ، لذا فقد شيعته قريته بدمياط بكامل ساكنيها بدموع مرة ترفع قبضة الغضب فى وجه دولة لا تحمى ابناءها وليس لهم قيمة لديها !!

ابراهيم الرفاعى شهيد آخر قد نكون قد نسيناه فى زمن الخضوع والاستسلام . يذكرنا احمد عطا الله ببطولاته فى سيناء من خلال حوار نادر مع ابنته ليلى وابنه سامح . كان الرفاعى أحد أبطال الصاعقة المصرية ، وقد عبر قناة السويس قبل أكتوبر 1973 اكثر من 70 مرة . وبعد ثغرة الدفرسوار نجح الرفاعى ورجاله فى صد قوات شارون ومنعها من دخول السويس، حتى استشهد الرجل تحت قيفة اسرائيلية . وبعد سنوات طويلة من دفنه يحكى ابنه سامح للمؤلف ان جثمانه لا زال كما هو عندما دفنوا أحد اقربائهم فى نفس المقبرة .

ومن الأبطال المجهولين أيضا الجندى ابراهيم ابراهيم احمد أحد عجائب الزمان . فالرجل أصيب برصاصة فى قلبه عام 1967 فى سيناء وتم أسره وعلاجه فى اسرائيل ، الا أن الرصاصة ظلت حبيسة بين شريانين داخل القلب العاشق لتراب مصر . وعندما عاد لوطنه قال الاطباء انه لن يعيش اكثر من عام ، ومع ذلك تزوج ثم انجب ثلاث فتيات ولا زال حيا حتى الآن .

ومن الحكايات الاخرى العجيبة قصة ايمن عمر مسعد وهو الذى يسميه الكاتب مدمن شهادات ، وقد حصل على بكالوريوس تجارة عام 1986 ثم بكالوريوس

علوم برمجة كمبيوتر عام 1994 ثم ليسانس حقوق عام 1998 ثم بكالوريوس علوم صيدلة عام 2003 .

ويأخذنا الكتاب فى حوار ممتع مع خط الصعيد نوفل سعد ربيع لنقرأ لاول مرة الوجه الآخر للقتلة . ان المؤلف يصوره لنا بريئا ، مغلوبا على أمره ، مدفوعا للاجرام والقسوة . وهو فى وقت ما بطل قومى يساعد الدولة فى القبض على الارهابيين ، وهو ما يدفع القارىء ان يبكى عندما يقرأ فى نهايته قتله برصاص الحكومة .

كما يتضمن كتاب " الناس دول " حوارات اللحظات الاخيرة مع شخصيات عامة منها الكاتب الراحل محمود عوض ، والمطرب الشهير محمد رشدى ، ورجل المخابرات الشهير ابراهيم بغدادى . وفى رأيى فإن أهم حوار على الاطلاق فى تلك الحوارات هو حوار محمود عوض ، المثقف السهل الممتنع والذى يحتاج محاوره لتحضير طويل . فالرجل رحمه الله كان قارئا موسوعيا يطلع على معظم – إن لم يكن كل – الصحف العربية والعالمية بانتظام ، وهو أيضا محلل عميق الرؤى يستطيع استنباط افكار وتوجهات عامة يندر ابداعها من كتاب اليوم . ومن الحوار نعرف ان الراحل الجميل كان يحب السفر والاصدقاء ويكره التدخين ولا يستطيع التخلص منه ، وهو كتوم فيما يخص الحب والغرام ، وأقرب اصدقائه كانوا عبد الوهاب ، وبليغ حمدى ، وعادل امام .

كما يقص الكتاب غرائب عن الاماكن والنواحى والجهات من أبرزها قصة مسجد حنا ، وهو جامع حقيقى بناه مسيحى مصرى عام 1905 فى إحدى قرى القليوبية ليصلى فيه المسلمون ، وهو شاهد اصيل على تسامح المصريين وتكاتفهم ووحدتهم ، وهو المثال الذى يضىء لنا العتمة الآنية المعروفة كذبا بالفتنة الطائفية .