«الحوار المجتمعي»!
لا شك أن في فعاليات المشهد الداخلي، منذ اندلاع ثورة يناير 2011، ما يشير إلي حاجة مُلحة تحاصرنا، بموجبها نزيد الجهد لتعتدل جملة من المفاهيم إلي موقعها الصحيح في العملية الديمقراطية، الأمر الذي يؤكد صحة ودقة التوجهات الرامية إلي بلوغ أهداف الثورة.
ويأتي «الحوار المجتمعي» في صدارة المفاهيم الواجب تعديل إدراكنا لها، بما يتسق وجوهرها الصحيح المعمول به في المجتمعات الديمقراطية، حيث لا مجال لاحتجاز السياسات العامة بعيداً عن قواعدها الشعبية وفق ممرات دستورية.
وفي ظل ظروف استثنائية، تغيب فيها المؤسسة التشريعية، تتصاعد الحاجة إلي «حوار مجتمعي» حقيقي، إذ ينهض بإحداث توازن لا بديل عنه، بغرض مشاركة مجتمعية فعالة في إدارة شئون الدولة، علي نحو يحقق المغزى الحقيقي للعملية الديمقراطية.
من هنا، لا يتسع مفهوم «الحوار المجتمعي» لندرج داخله كل «لقاء» يجمع المسئول التنفيذي ببعض المسئولين في مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك لا تنهض تصريحات رسمية تدعو «للحوار المجتمعي»، دليلاً كافياً علي وجود قناعات رسمية حقيقية بحتمية إطلاق سراح «الحوار المجتمعي» من أسره الضيق القاصر عن بلوغ غاياته.
من جهة أخرى، لا تعد الحكومة، كجهاز تنفيذي مسئول عن إدارة شئون الدولة، طرفاً رئيساً في كل «حوار مجتمعي»؛ وبالتالي تقصر رؤية ووعي الدولة بمضمون مفهوم «الحوار المجتمعي» إذا ما أشاحت الحكومة بوجهها عن مخرجات فعاليات مجتمعية لم تكن ممثلة فيها.
وكون الحوار ينتسب إلي المجتمع، لا يفيد غياب أجندة عمل واضحة، وأولويات محددة تستند إلي حزمة من القواعد والإجراءات المنظمة الضامنة لنجاح «الحوار المجتمعي» في الكشف عن حقيقة المشتركات بين القوى المجتمعية؛ ومن ثم العمل علي تجسيدها والتأكيد علي أولويتها في العمل الوطني.
وفي هذا السياق تأتي أهمية مراعاة الأوزان النسبية المجتمعية للقوى السياسية، وهو أمر لا يمكن احتسابه وفق معايير
وعلي خلفية كل «حوار مجتمعي» شهدته الساحة الداخلية، ونموذجه الأخير المتعلق بقوانين الانتخابات البرلمانية، يمكن رصد مدى تدني وضعية مفهوم «الحوار المجتمعي»، قيمة ديمقراطية رفيعة، لم تدرك التجربة المصرية إليها سبيلاً يبتعد عن الآلة الدعائية.
«رأي الوفد»