رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النقطة الفاصلة

تؤكد الأدبيات السياسية أن نجاح الخطوات الأولي من عمليات التحول الديمقراطي، لا تشير بالضرورة إلي رسوخ الديمقراطية؛ إذ يظل الأمر رهناً بتراكمات عدة من شأنها إرساء قيم الديمقراطية ثقافة مجتمعية حاكمة، لا يمكن تجاوزها في مختلف العمليات والتفاعلات السياسية التي تشهدها الحياة السياسية، علي اتساع ما يضمه المجتمع من بني وهياكل سياسية واجتماعية.

كذلك تشهد عمليات التحول الديمقراطي، محاولات متكررة يسعي من خلالها النظام القديم إلي استعادة دوره ومكانته، مستغلاً حالة عدم اليقين التي تتسم بها مراحل عملية التحول الديمقراطي، إلي جانب ما تنتجه من رموز سياسية جديدة، تفتقر في أحيان كثيرة إلي الخبرة السياسية، ولا تملك منهجاً واضحاً تلتف حوله الملايين الثائرة، متطلعة إلي طموحاتها المشروعة التي شكلت منطلقات الثورة، والرغبة في التحول الديمقراطي.
وفي مثل هذه الظروف، تتصاعد المسئوليات الملقاة علي عاتق الكيانات السياسية صاحبة الخبرة السياسية الطويلة، وهو ما يرتكز إليه الوفد في انطلاقه نحو التأكيد علي مبادئه وثوابته، التي شكلت منه ضميراً وطنياً يقظاً حراً، فكان التحذير عالياً من قانون انتخابات مجلس النواب، وما أحاط به من بيئة غير مواتية، يُخشي من تداعياتها السلبية المنتظرة، بما تهيئه من فرص أمام أعداء الثورة، من أبناء مبارك، وأتباع بديع علي السواء.
فليس من شك أن تبعات إنتاج برلمان لا يعبر بصدق عن مبادئ وقيم ثورة يناير، الثورة الأم، وامتدادها في الثلاثين من يونيو، لا يمكن تناوله إلا باعتباره دافعاً نحو إعادة إنتاج أسباب الثورة، فضلاً عن عرقلة كافة الجهود التنموية عن سبيلها نحو استنهاض همم مختلف التيارات الوطنية، وهو أمر لن تغفره لنا الأجيال القادمة إذا ما دفعنا باتجاه إلقاء المسئولية علي الناخب وحده، واختياراته أمام صندوق الاقتراع.
كذلك لا ينبغي النظر إلي مطالب القوى الثورية الحقيقية بإخلاء البرلمان من القوى المعادية للثورة، أن في ذلك رغبة لاحتكار السلطة؛ فليس أقدر علي إعلاء شأن المعارضة، ودورها في النهوض بالوطن، من القوى التي طالما دفعت الكثير جراء إصرارها علي التمسك بمبادئها في مواجهة الأنظمة التي أسقطتها الثورة، في يناير ويونيو علي التوالي.
غير أن مفهوم المعارضة السياسية، لا يعني بالقطع عودة الأنظمة الفاسدة التي أسقطتها الثورة؛ ومن ثم فاتساق وطني واجب ينبغي أن يسود مختلف المؤسسات الدستورية للدولة، فمؤسسة الرئاسة التي تشكلت استناداً إلي إرادة شعبية حرة، لا تملك بدائل تستعيض بها عن برلمان ثوري، خاصة وقد كفل الدستور للبرلمان الكثير من الصلاحيات خصماً من الرئيس.
من جهة أخرى، فإن الانتخابات البرلمانية المقبلة، إذا ما أفرزت برلماناً ينتمي إلي نظام مبارك، معادياً لثورة يناير، ومتشحاً كذباً وزوراً برداء

الثلاثين من يونيو، فليس في ذلك إلا الاستغناء عن حكومة سياسية حقيقية، تجسد المكتسبات الثورية، وتصعد بخطواتنا نحو آفاق بعيدة علي مسار عملية التحول الديمقراطي؛ ذلك أن الحزب الوطني المنحل، لم يكن حزباً بالمعني الصحيح، يمتلك رؤية سياسية يسعي إلي تطبيقها، قدر ما شكل «مجموعات مصالح» لم تلتق يوماً بالمصلحة الوطنية.
والواقع أن الدستور الجديد، الذي حظي بموافقة شعبية ساحقة، لم يؤسس لعودة إلي نظام مبارك، وحكوماته التنفيذية، التي ما نجحت يوماً في التعبير عن الطموحات الشعبية الساعية نحو حياة أفضل، قدر ما حرصت تلك الحكومات «التنفيذية» علي التأكيد علي التزامها بحكمة وتوجيهات مبارك!، وسعيها نحو تنفيذ مطالبه بتوفير متطلبات الناس!، وهو الأمر الذي لم يحدث علي مدى ثلاثين عاماً قضاها مبارك في الحكم، متخذاً من حكوماته التنفيذية «مصدات» يتقي بها كل نقد، ويحملها فوق ما تطيق من مسئوليات أمام الرأي العام، بينما لا يملك الرجل إرادة سياسية حقيقية نحو إصلاح سياسي جاد، يستجيب بصدق لمجمل القضايا الوطنية الأساسية.
فإذا كان ذلك جائزاً، وقد كان الرجل مفتقداً لشرعية الإنجاز، باقياً في موقعه علي غير إرادة شعبية حقيقية، فإن اللحظة الراهنة تجاوزت ذلك الأمر، وبات الرئيس السيسي في غير حاجة إلي حكومة «تستلهم» من رؤيته وتوجيهاته، قدر ما يحتاج الوطن إلي حكومة «سياسية» تنهض بمسئولياتها، وفق رؤى سياسية وطنية، تقود الوطن بحنكة في صراع دولي سقطت من مقدمته المتحضرة عمداً، مثل تلك الحكومات «التنفيذية».
وعليه، فليست الانتخابات البرلمانية المقبلة إلا نقطة فاصلة في مسيرة الركب الثوري، تؤكد لنا وللعالم، صدق توجهاتنا صوب ديمقراطية حقيقية، أو تعيد علينا شرح ما حفلت به أدبيات التحول الديمقراطي من مخاطر الارتداد نحو أوضاع ما قبل «محاولات» التحول الديمقراطي.                 
«الوفد»