رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحيل الحكومة

فى الوقت الذى تخطو فيه الثورة المصرية نحو استكمال خارطة المستقبل، حيث يستعد المشهد الداخلى لانتخابات رئاسية من شأنها تأكيد حضور الدولة على المستويين الداخلى والخارجى على السواء، يأتى رحيل حكومة الدكتور حازم الببلاوى فى ظل تصاعد الاحتجاجات الفئوية، التى طالت مجموعة كبيرة من القطاعات، ما بين الصحة والصناعة والنقل، وغيرها من الجهات المنوط بها إدارة دفة الحياة اليومية للشعب، ما يعبر عن حجم المعاناة الملقاة على عاتق المواطن.

والواقع أن تفاقم هذه الاحتجاجات، وبلوغها حد الظاهرة المجتمعية، أمر لا ينبغى أن ينحسر تناولنا له فى إطار ما يُحاك ضد الوطن من مؤامرات من الداخل والخارج، فتلك نظرة قاصرة، لا تدفع بنا باتجاه مواجهة جادة لحقيقة الأوضاع على الأرض.
فليس بالإمكان إنكار أوجه القصور التى شابت أداء حكومة الدكتور الببلاوي، وترددها عن مواكبة المتغيرات التى طرأت على المجتمع المصري، وما كان يقتضيه ذلك من أداء سياسى أكثر تعبيرًا عن طموحات الشعب، وهو أمر سبق لحزب الوفد أن حذر منه كثيرًا.
من جهة أخرى، ليس لنا أن نتوقع اختفاء تلك الاحتجاجات فور رحيل الدكتور الببلاوى وحكومته؛ ومن ثم لا ينبغى أن يظل خطابنا فى مواجهة تلك الاحتجاجات محتجزًا فى أطر ضيقة لا تتجاوز تذكير الشعب بخطورة المرحلة، وكثرة المؤامرات، وضرورة تحمل تبعات ما تمر به ميزانية الدولة من وهن فى كثير من جوانبها؛ فمثل هذا التوجه يماثل النهج الذى طالما اختزلنا بموجبه مواجهة قضايانا المجتمعية فى سلسلة من الحلول الأمنية كسبيل وحيد لحلها، وهو ما أكدت الثورة المصرية فشله، بعد أن ترددنا طويلًا فى استيعاب ذلك عبر تجاربنا السابقة.
ومع التقدير الكامل لصعوبة المهمة، ودقة الظرف الراهن، فإن إقرارًا بأن حكومة الدكتور حازم الببلاوى لم تحقق نجاحًا، هو أمر يُعد مرتكزًا أساسيًا لكل محاولة جادة من شأنها وضع الأمور فى نصابها الصحيح، دون مكابرة، تختمر تحتها الأزمات لتنفجر بعد حين، بعد أن تكون قد استعصت على كثير من الحلول المتاحة الآن.
فليس من شك أن مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو، كانت تتطلب رؤية سياسية أعمق إدراكًا، وأكثر شمولًا، تشكل منطلقًا لمجموعة من السياسات المتوازية، لا تنقصها الشفافية والمصارحة، بديلًا عن الإجراءات الوقتية التى لم يسعف الوقت حكومة الدكتور الببلاوى لترحل قبل بدء استحقاقاتها، فإذا بها ترحل فى ظل تداعيات الإخفاق فى إنجازها.!
فقد فشلت الحكومة فى تطبيق الحد الأدنى للأجور على نحو ما وعدت به، ما أثار الكثير من الاحتجاجات الفئوية المطالبة بالمساواة مع غيرها من الفئات، فضلًا عن غياب الحسم فيما يتعلق بالحد الأقصى للأجور، وهو ما يزيد من حدة التفاوت فى الدخل، وما لذلك من تداعيات سلبية على السلم الاجتماعي، تهدد مفهوم العدالة الاجتماعية كأحد العناوين البارزة للثورة المصرية.
وبالقطع فإن المرحلة الراهنة كانت تستلزم نوعية من القيادات الإدارية لديها القدرة على اتخاذ القرار وفق رؤية لا تتجاهل المنطق السياسى الحاكم لحركة المجتمع؛ ومن ثم تبتعد بمؤسساتها عن أن تكون مصدر أزمات مجتمعية، تقلل من فرص نجاح الدولة فى استكمال مسيرة خارطة المستقبل، وتسىء إلى المشهد الداخلي. وهو أمر لا يتحقق دون مشاركة تلك القيادات فى صناعة القرار فى

المستويات الأعلى، لا أن يتم الاكتفاء بتكليفها بمواجهة العاملين فى مؤسساتها، بينما هى لا تملك من أمرها شيئا، فتكون النتيجة أن تصبح إقالتها مطلبًا عماليًا، قد يكون الأخطر أن يقتنع المسئولون عن إدارة شئون الدولة أن تنفيذه يمكن أن يتم فى إطار «ترضية» مؤقتة، على سبيل تهدئة الأمور إلى حين توفير انصراف آمن للمسئولين فى المرحلة الانتقالية الحالية.!
وحقيقة الأمر، أن مطالبة الوفد بمزيد من الشفافية بين الحكومة والشعب، ما كان لها أن تلقى تجاوبًا، طالما غابت المصارحة فيما بين المسئول وذاته، فربما ما دفع بحكومة الدكتور الببلاوى إلى هذا المصير، ترددها فيما بين أن تكون حكومة انتقالية، معنية بالأساس بتيسير شئون الدولة إلى حين تسليم الأمر إلى حكومة منتخبة، فى ظل وجود المكونات الدستورية للدولة، وهو أمر لم يجد ترحيبًا من الدكتور الببلاوي، رغم أهميته القصوى، ورأى أن فيه ما يقلل من قدر ما تضمه حكومته من كفاءات، فأبت حكومته إلا أن تؤكد دومًا أنها «حكومة تأسيسية»، بمعنى أنها تؤسس لانطلاقة مجتمعية على كافة الأصعدة، تتولى تنفيذها «الحكومة المنتخبة» القادمة.!
وفى هذا الإطار، فقد خلطت حكومة الدكتور الببلاوى بين مفهوم تأسيس نظام سياسى جديد، بمكوناته الدستورية، وهو أمر تقع مسئوليته على كافة القوى السياسية والمجتمعية، وبين مهمتها فى إدارة شئون الدولة كجهة تنفيذية؛ ومن ثم ما كان ينبغى أن تضم تنفيذ خارطة المستقبل، وهى تعدد سابقة أعمالها الناجحة أمام الرأى العام، فتلك استحقاقات تنهض بها كافة القوى السياسية والمجتمعية، ولا دور للحكومة فى إنجازها، وإلا فقدت تلك الاستحقاقات مشروعيتها.
فقد مرت الخطوة الأولى فى خارطة المستقبل، بإعداد لجنة الخمسين للدستور المعدل، وبإشراف اللجنة العليا للاستفتاء على الدستور، وهى لجان غير حكومية بالطبع، وما كان ينبغى لها أن تكون، ونفس الأمر سيتكرر فى الاستحقاقات القادمة، سواء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية.
وعلى ذلك فإن تقييم أداء الحكومة الحالية لا ينبغى أن يمر بعيدًا عن القضايا الحياتية اليومية، خاصة أن الدكتور الببلاوى كان قد أعلن، عند توليه المهمة «الصعبة» فى يوليو الماضى، أن الأمن والاقتصاد على رأس أولويات حكومته.!
«الوفد»