رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإعلام الموهوم

الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بدون المواطن العالم بما يدور والقادر على القرار والاختيار، والمواطن لا يستطيع أن يعلم وأن يفهم بدون صحافة حرة ومهنية، فكأن الصحافة هي الأساس في الممارسة الديمقراطية. ولذا كان الرئيس الأمريكي "توماس جفرسن" يقول: "لو خيرت بين وجود حكومة بدون صحافة،

أو صحافة بدون حكومة لاخترت الصحافة دون الحكومة،" فالشعب الواعي يستطيع أن يقرر لنفسه، أما الحكومة التي تحكم شعبا غافلاً فسوف تذهب هي وشعبها إلى العدم. هذا الفهم العميق لدور الإعلام في المجتمع هو الضامن لاستمرار هذا الدور وتصويب مساره إن احتاج إلى تصويب.
ويخطئ من يظن أن دور الإعلام قد تغير مع تطور المجتمعات، وترقي التكنولوجيا، واتساع العمران، فما يحتاجه الناس من وسائل الإعلام لم يتبدل على مر العصور، تغيرت الوسائل، وتغير اللاعبون، ولكن ظل القائمون على وسائل الاتصال يقومون بالإخبار، ونقل التراث، والتفسير، والتحذير من الأخطار، والإقناع، والتسلية، لم تختلف هذه الأدوار من العصر الحجري إلى العصر الرقمي، أو هكذا كنت أظن، حتى اكتشفت أن الإعلام في عالمنا العربي قد أخذ على عاتقه مسؤوليات جديدة، وقرر القيام بما لم يفكر فيه الأوائل!
فقد أدت التحولات التكنولوجية والاقتصادية في عالمنا العربي إلى تحولات إعلامية عميقة كما ونوعاً، وبعد أن كان المواطن العربي يعيش حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي تقشفاً إعلامياً لا يعدو بضع محطات حكومية وصحف كربونية، دخل إلى عصر التخمة الفضائية وما تلاها من ثورة معلوماتية، ومع تطور التكنولوجيا أصبح في مقدور محدودي الدخل أن ينضموا إلى جمهور هذه الوسائل أو أن يصبحوا من مستخدميها، وأصبح السبيل ممهداً أمام هذه الوسائل لأن تقوم بأدوار جديدة، وخطيرة في المجتمع،
كان هناك عاملان أساسيان مهدا الطريق لأن تقوم وسائل الاعلام في مجتمعاتنا بما لم يقم به الإعلام في مجتمعات أخرى؛ أولهما تجفيف منابع الحياة المدنية التي تحفظ حيوية المجتمع وتتيح تبادل الأفكار والآراء والمعلومات، مثل الأحزاب، والنقابات، والجمعيات المستقلة، وغياب أي قنوات للتواصل مع النخبة الحاكمة أو حتى الطبقة المثقفة، أما العامل الثاني فهو الفائض المعرفي الضخم لدى الناس، فوقت الفراغ كبير لقلة العمل أو انعدامه، ومستوى التعليم متدن بما يجعل الفرد منجذباً إلى وسائل المعرفة والتسلية السهلة أو السطحية، ووسائل الإعلام الجديدة متاحة على مدار الساعة وبتكلفة زهيدة، ليجد الناس أنفسهم يحيون في عالم من الشاشات، سواء شاشة التليفزيون، أو الكمبيوتر، أو الهاتف النقال، ليتولد شعور بأن الناس يستطيعون أن يتواصلوا مع عالمهم الحقيقي وأن يتحكموا فيه من خلال عالم الشاشات.
وانتقل هذا الشعور إلى الإعلاميين أنفسهم، وبدأوا يمارسون أدواراً جديدة، فتحول المذيع (أو قل الإعلامي أو المحاور بتعبير

العصر) إلى وكيل نيابة، والضيف إلى متهم عليه أن يجيب على السؤال فقط، حتى إنني سمعت مذيعة تقول لضيفها: "مش ها اسمح لك تتكلم عن الموضوع ده في البرنامج بتاعي!" ويتكرر هذا كثيراً بأشكال متشابهة الآن، وتنتقل هذه المقاطع إلى صفحات التواصل الاجتماعي مع تعليقات تهاجم، وأخرى تمدح أو تمجد.
وانتقل الإعلاميون إلى لعب دور المستشار الذي يطرح رؤيته مسبوقة بالفعل "يجب" أو الاستفهام الاستنكاري عن المسؤولين الحكوميين "الناس دي مش شايفة شغلها كويس ليه؟" وهو دور جديد ليس مطلوباً القيام به، كما أن طبيعة برامج الهواء تجعل الأداء ارتجالياً، أو ربما عشوائياً، مما يسهم في تشويه الوعي، أو على الأقل تسطيحه.
يبدو الأمر وكأن الناس قد استقر في وجدانهم أن الإعلام قادر على فعل كل شئ، فالقوانين تناقش في الإعلام، والدستور يقبل أو يرفض على شاشة من الشاشات التي نحيا معها، وساد الاعتقاد -أو بالأحرى الوهم- بأن الإعلام قادرٌ على بناء المجتمع أو هدمه، وهي تعميمات أبسط ما يقال عنها إنها حدسية وتفتقد إلى أدني شروط التفكير العلمي. لقد بلغ الوهم مداه أن تجاوز بعض الإعلاميين دور المستشار إلى دور ترشيح الوزراء للمقاعد الوزارية، وتم طرح اسم أو أكثر لكل وزارة، والأعجب في الأمر أن الدكتور الجنزوري المكلف بتشكيل الوزارة قد أثنى على تلك الترشيحات الفضائية!
عندما تؤدي دوراً لا تجيده، وليس مطلوباً منك فأنت تشوه دورك الأصلي المطلوب منك، وتخلط الأوراق في مجتمع التبس فيه الصواب بالخطأ، والحق بالضلال، والمقبول بالمرفوض. وهذه الأدوار التي نتوهم أن الإعلام له أن ينهض بها دليل على الفراغ الذي تعاني منه مجتمعاتنا، والتشويش الذي اعترى تفكيرنا، والمبالغة التي تؤدي بنا إلى الحب الشديد، أو الكره الشديد، أو الوهم الشديد.