رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصر والصين… من يحتاج من؟

تابع المصريون والعرب التغطية الإعلامية التى قدمها الإعلام المصرى الحكومى والخاص، وكانت الفكرة المركزية لهذه التغطية أن الصين فى أمس الحاجة لإقامة علاقات اقتصادية مع مصر، وأنها هى المستفيد الأول من هذه العلاقة، وأن مصر هى الطرف الأقوى….الخ، هذه التغطية الدعائية التعبوية كانت فاشلة إلى حد لم ينقل حقيقة الزيارة،

وما ستقدمه للاقتصاد المصري، وانشغل بالحديث عن عظمة مصر، ومواردها، وموقعها، وقناتها، ولم يتم التطرق إلى ما ستقدمه الصين، وكيف سيكون انعكاس الاتفاق معها على خروج الاقتصاد المصرى من كبوته، وقد انشغل هذا الإعلام التعبوى الدعائى بإجراء مقابلات مع الوزراء والمسئولين المصريين فى بكين، وليس المسئولين الصينيين.
وقد كان ينبغى على الإعلاميين الذين صاحبوا الرئيس فى تلك الزيارة الإلمام بصورة معقولة بالاقتصاد والسياسة الصينية قبل مغادرة القاهرة، وقبل التجرؤ للحديث عن دولة بعظمة الصين، وعن اقتصاد مختلف عما ألفوه أو عرفوه، وحيث انهم لم يفعلوا، فسأضرب مثلا ببعض الموضوعات:
أولًا: ان الصين استغلت، خلال العقدين الأخيرين، تدنى قيمة عملتها، واستطاعت الهيمنة على العديد من الأسواق العالمية، كان أولها الإقتصاد الأمريكي، بصورة مكنتها من زيادة رصيدها من العملات الأجنبية بصورة غير مسبوقة فى التاريخ، حيث وصل رصيدها من الدولار فى نهاية شهر سبتمبر ٢٠١٤م إلى اربعة تريليون دولار (أى اربعة آلاف مليار دولار) وهو أكبر رصيد من النقد الأمريكى خارج الولايات المتحدة الأمريكية، فهل سيتم توظيف بعض من هذا الرصيد للاستثمار فى مصر؟ وبأى طريق؟ وتحت أية شروط؟
ثانيًا: تحول هذا الرصيد الهائل من الدولارات إلى وسيلة لشراء المواد الخام النادرة لفترات زمنية طويلة، وبطريقة غير مسبوقة، ومبتكرة، فقد وظفت الصين الأزمة المالية العالمية ٢٠٠8/٢٠٠9، وقدمت للعديد من دول العالم دعما ماليا سخيا بالدولار الأمريكي؛ نظير توقيع عقود طويلة الأجل لشراء الخامات والموارد الطبيعية التى تملكها، حيث تصل مدة هذه العقود إلى أربعين سنة، وبدون زيادة فى الأسعار، وقد تم هذا مع العديد من الدول الأفريقية، ودول أمريكا اللاتينية التى تحتوى أراضيها على معادن نادرة، أومع روسيا لشراء البترول والغاز. فهل ستكون مصر استثناءً من هذا النهج الاقتصادى الصينى؟
ثالثًا: ان معظم تجارة الصين مع دول القارتين الأمريكيتين، ومع دول إفريقيا، ودول الخليج، وإيران أكثر من الدول الأوروبية، لذلك فحاجة الصين لقناة السويس محدودة جدا، كما أن الصين لديها فائض بشرى هائل ومدرب، ولا تحتاج لنقل صناعات إلى مصر مثل اليابان، فماذا تملك مصر لتقدمه للصين؟، فى الغالب ستكون مصر مجالا لتوظيف الرصيد الدولارى الهائل سواء فى البنية التحتية، أو فى إقامة مشروعات اقتصادية ينتقل معها جزء من الشعب الصينى

إلى مصر لان لدى الصين خطة لنقل ٣٠٠ مليون صينى إلى قارة إفريقيا حتى ٢٠٥٠، لذلك اشترطت جميع الاتفاقيات التى وقعتها الحكومة المصرية مع الصين على أن يكون ٤٠٪ من العاملين فى جميع المشروعات التى ستقيمها الصين فى مصر، وبالمناسبة هذا الشرط غير مسبوق فى الاتفاقيات السابقة للصين مع الدول الإفريقية.
رابعًا: أن الصين نقلت العديد من صناعاتها التكنولوجية والخفيفة إلى عرض البحر، فأصبحت هذه الصناعات تتم فى المياه الدولية القريبة من الدول التى سوف يتم تصدير تلك السلع إليها، وذلك من خلال سفن ضخمة تم تصميمها كمصانع، يعمل فيها المسجونون، حيث لم يعد هناك سجون على الأرض فى الصين، فقد تم نقل السجون إلى المحيطات، والبحار الدولية، ولم تعد سجونًا، وإنما أصبحت مصانع، تقوم بصناعة السلع الخفيفة، السريعة، رخيصة الثمن، مثل، لعب الأطفال، الملابس، الإلكترونيات… الخ، ويتم تصديرها مباشرة إلى الدول القريبة من مكان استقرار السفن.
خامسًا: نحن من يحتاج الصين أكثر مما تحتاجنا الصين، وهذا لا ينفى أنها سوف تستفيد، وأن مصر تمثل لها فرصة استثمارية هائلة، ولكن مصر هى التى فى حاجة لرأس المال الصيني، للتكنولوجيا الصينية، للتدريب الصيني، للتعليم الصيني، والصين تحتاج مصر لأهداف سياسية مستقبلية، ولإكمال السيطرة على الاقتصادات الإفريقية فى إطار عملية صراع دولى كبرى بدأت تتشكل فى العالم الأن، أى أن ميزان الحاجة، والاستفادة يميل لصالح مصر، لذلك فإن هذا الخطاب الذى قدمه الإعلام المصرى كان عكس الحقيقة، ومارس التضليل واستخدم لغة دعائية، تعبوية، تخالف الواقع، وتخلق الوهم، وتزعج الطرف الصينى الذى يتابع كل ما يحدث فى مصر عن كثب، ومن خلال المستعربين الصينيين الذين يتكلمون العربية بنسبة أخطاء أقل كثيرًا من نخبة الإعلام المصرى.