عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صمت الخرفان ...وترزية القوانين...عبر الزمان

• مخطئ مَنْ يظن أن الأخوان المتأسلمين ....لايستفيدون من أخطائهم ...وقد تجلت هذه الإستفادة في تشكيل اللجنة الإستشارية  القانونية ...وذلك من نواحٍ ثلاث : الأول جعل فريق العمل القانوني مكوناً من عدد كبير نسبياً , ويمنع من تعسف الفكر الواحد للعمل القانوني المراد طبخه في المؤسسة الرئاسية على الطريقة الأخوانية ؛ والناحية الثانية أن اللجنة تم تطعيمها بأساتذة قانون – بعضهم وليس كلهم -  مشهود لهم بالعلم القانوني الغزير والموضوعية ؛ والناحية الثالثة أن قرار تشكيل هذا اللجنة فرض إلتزاما بالصمت على أعضائها .

• وبالنسبة للناحية الأولى : ( تشكيل فريق قانوني ) ...نجد أن إعادة تشكيل هذه اللجنة جاء بعد الفشل الذريع الذي منيت به الهيئة الاستشارية للرئاسة السابقة أو المتآكلة والتى كانت تضم نائباً لرئيس الجمهورية بالإضافة لأربعة  مساعدين للرئيس و17 مستشارا ؛ فهذه الهيئة قد تآكلت بعد أن فر منها أغلب أعضائها ؛ وكانت تضم طوائف متعددة من المجتمع  وكان يغلب عليها طابع المجاملة لكثير من الفصائل السياسية علاوة على أنها كانت تضم العنصر النسائي وشخصية قبطية . غير أن الهيئة الاستشارية الدستورية والقانونية قد خلت من العنصر النسائي كما أنها لاتضم أية شخصية قبطية .
• كما أن تسميتها محل نظر إذ يطلق القرار الجمهوري – رقم 234 لسنة 2013 الذي أنشأها – تسمية : ( هيئة مستشاري رئيس الجمهورية للشئون الدستورية والقانونية ) ؛ فهذه التسمية تنطوي على تزيد لأن لفظ قانون يضم كافة القوانين بما في ذلك القانون الدستوري ؛ كما أن نسبة الهيئة لرئيس الجمهورية تنطوي على جانب من الشخصنة ؛ لذا كنا نأمل أن يطلق عليها (( هيئة مستشاري رئاسة الجمهورية للشئون القانونية )) .
• أضف إلى ذلك أن  حرص رئاسة الجمهورية على إنشاء مثل هذه الهيئة  يعبر عن عدم الثقة في أجهزة الدولة الأخرى التي تقوم بذات الدور مثل : إدارة التشريع في وزارة العدل ؛ وقسم التشريع في مجلس الدولة ؛ وكأن الرئاسة تسير في نفس النهج الذي تسير فيه التيارات المتأسلمة التى تريد أن تجعل هناك دولة موازية ...للدولة القائمة ..فهناك قضاء شعبي موازٍ يراد إقامته في مصر ؛ وهناك ميلشيات يتم إعدادها هنا وهناك ؛ كبديل للشرطة والجيش ؛ وهناك مخابرات موازية تُسند لطبيب جراح  تحت مسمى مركز معلومات ..إلخ .
• وغنى عن الإيضاح أن اللجنة المذكورة المسماة – وهي تسمية مشكوك في دستوريتها وقانونيتها - بالهيئة الإستشارية الدستورية القانونية ...لا ترتفع قامات أغلبها – إن لم يكن كلها -  لمستشاري أنظمة الحكم السابقة على حكم الأخوان المسلمين ؛ فأين هؤلاء من قامة الفقيه القانوني الكبير السنهوري المستشار القانوني لثوار ثورة  1952 ؛ وأين هم من قامة : د.محمد كامل ليلة ؛ و.. د. رفعت المحجوب ؛ و.. د. صوفي أبو طالب في عهد السادات ؛ وأين هم من قامة : د. أحمد فتحي سرور ؛ و..د. مفيد شهاب؛  و..د. عبد الأحد جمال الدين ؛ و.. د. رمزي الشاعر ؛ و.. د. أحمد سلامة ؛ و..د. فوزية عبد الستار ؛ وغيرهم من قامات القانون في مصر ماقبل عهد الأخوان المتأسلمين .
• والأدهى من كل ما تقدم أن إنشاء هيئة قانونية جديدة بموجب قرار جمهوري يصطدم صراحة مع نصوص الدستور الجديد ؛ وخاصة المادة 163 منه التي تنطق بأنه :       ( يصدر رئيس مجلس الوزراء اللوائح اللازمة لإنشاء المرافق والمصالح العامة وتنظيمها بعد موافقة مجلس الوزراء . فإذا رتب ذلك أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة ، وجب موافقة مجلس النواب ).
• لأن تسمية (لجنة ) قانونية باسم ( هيئة ) ..وعمل هيكل وظيفي جديد لها من إداريين وفنيين ..وخلافه ....هو مما يدخل في إختصاص رئيس الوزراء ؛ وصدور هذا القرار الجمهوري بإنشاء هذه الهيئة ...هو والعدم سواء ؛ لإنه إنتزاع لسلطة رئيس الوزراء ؛ وهو بهذه المثابة يمثل سقطة قانونية لمستشاري الرئيس الذين أشاروا عليه بتضخيم اسم ( لجنة قانونية ) ونفخها لتكون ( هيئة ) ...
• ولاينال من ذلك أن يذكر القرار الجمهوري في ديباجته أن ( مُصدره ) أي رئيس الجمهورية ... قد أطلع على قرار رئيس الجمهورية رقم 73 لسنة 1989 بتشكيل رئاسة الجمهورية ....لأن هذا القرار الأخير كان صادراً في ظل دستور 1971 الذي كان يوسع من سلطات رئيس الجمهورية التشريعية ؛ ولم تكن بهذا الدستور نصاً مقابل لنص المادة 163 الذى أستحدثها الدستور الحالي ....
• أما من الناحية الثانية ( تطعيم الهيئة الإستشارية بأساتذة جامعة ) ... نجد أن اللجنة تم تطعيمها بأساتذة قانون – بعضهم وليس كلهم -  مشهود لهم بالعلم القانوني الغزير والموضوعية ؛ إذ نجد اللجنة تضم 16 عضواً ( 5 أعضاء هيئة تدريس بالجامعة ) و10 مستشارين بالقضاء ؛ ومحامٍ واحد .
• وبعبارة أخرى فإن هذه الهيئة تضم (ثلة )- بضم الثاء -  من الأولين وقليل من الآخرين ...والفريق الأول ضم شخصيات تفرض فرضاً في أي موضوع عام كأن مصر أجدبت ولم تنجب إلا هؤلاء ؛ فمن ضمن هذا الفريق ( نفر ) تجده في اللجنة التأسيسية للدستور الأولى المقضي ببطلانها ؛ والثانية التي كانت سيقضي ببطلانها لولا محاصرة المحكمة الدستورية العليا بفعل فاعل ( همجي وفوضوي ) ..ويريد العودة بالبلاد إلى عصر ماقبل الدولة ؛ كما تجده ضمن المعينين في مجلس الشورى ؛ و( نفر ) آخر... من هذا الفريق هو عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ومستشار قانوني لجماعة الأخوان المسلمين ومحامي . وهذا المحامي جاء اسمه – في قرار الهيئة المذكور -  رقم 10 ؛  سابقا  على (ستة ) من  القضاة والمستشارين  ....وكأنه أعلى منهم مرتبة .....لذا فإننى حزين لهؤلاء القضاء ( سلف ) ..لأنهم قبلوا أن يأتي اسم هذا المحامي سابقا عليهم ...ولعل سبب أسبقيته ...أنه فعلاً

أقدم منهم في :  حبه لجماعة الأخوان المتأسلمين ؛ أو أسبق في إنضمامه لها . ..
• ولست بحاجة إلى أن بعض محامي جماعة الأخوان المتأسلمين ... كل مؤهلاتهم أنهم يجيدون رفع الدعاوى ...وتعطيل سيرها بحجج إجرائية كرد المحكمة وطلب أجل للإطلاع ....ولا يدخلون في موضوع الدعوى إلا نادراً ..وإن دخلوا في الموضوع ...تختلط عليهم الأمور فيخلطون الحابل بالنابل .....والباطل بالحق .....والسياسي بالقانوني .....وكأنهم درسوا القانون أيام الأغريق ....والرومان ......وفجاءة وجدوا أنفسهم مطالبين أن يترافعوا في هذا العصر .....فغُم عليهم الأمر ....وأختلطت عليهم المفاهيم القانونية ....وأتلخبطت مع تعاليم الجماعة ومفاهيمها وفكرهم المتخلف عن معطيات العصر ....
• أما القليل من الآخرين الذين أنضموا  للهيئة الاستشارية المذكورة ... فبعضهم من الأسماء اللامعة في مجالها وتخصصها ...وإن لم تكن معروفة للعامة ....مثل الدكتور أحمد أبو الوفا ؛ والزميل الدكتور / محمد باهي محمد يونس ؛ ولقد شارك هذا الأخير  – بحسن نية أو بسوئها الله أعلم – في وضع التعديلات الدستورية التعيسة التى مازالت مصر تعاني من آثارها حتى الآن .....فقد شارك لجنة صبحي صالح  ( الصالح لأي شئ إلا أن يكون صالحاً لوضع نصوص دستورية أو قانونية تخلو من الهوى الأخواني ...والعبث بالفكر القانوني حتى يتم تطويعه لأن يتفق مع فكر الاحتلال الأخواني لمصر ) .... في التعديلات الدستورية ... المستفتى عليها في ظل حكم المجلس العسكري ..
• أما من الناحية الثالثة ( الإلتزام بالصمت ) ...فنجد أن هذا الإلتزام فرضته  المادة التاسعة من القرار الجمهوري المنشئ لهذه الهيئة الإستشارية بقولها  : (( يمتنع على أعضاء الهيئة ومكتبها الفني الإعلان عن أعمالها وما أعدته من دراسات وأبحاث وآراء وتوصيات بأي وسيلة من الوسائل )) ..
• صحيح أنه على رأي المثل ( مَنْ يتلسع من الشربة ينفخ في الزبادي ) ...فبعد أن عانى نظام الحكم الأخواني من المستشارين الذين يهربون من مركب الأخوان ....حيث يعلنون صراحة مساوئ هذا الحكم ...ومدى خضوعه لمكتب الإرشاد ...ومدى عدم قابليته لقبول أي رأي آخر غير رأي الجماعة التى تريد الهيمنة على البلاد ورقاب العباد ....وتستعمل مصطلح ( التطهير ) البراق ...وهم يريدون أخونة البلاد والدولة ...وكل شئ في الدولة من تعليم وثقافة وجيش وشرطة ..وكل شئ ...بلا إستثناء ...
• فبعد عاني الأخوان من المستشارين السابقين .... جاء هذا الإلتزام بالصمت ...غير أنه أمر محل نظر لعدة أسباب : أولاً لأن أي موظف عام يلتزم بالمحافظة على أسرار الوظيفة ...فوجوده في هذا القرار الجمهوري لا معنى له ...وضرب من التزيد ...كما أن هذا الإلتزام لايقابله جزاء قانوني معين ...فهو والعدم سواء ....وهو إلتزام مطلق الزمن ...وكان يجب تحديده بزمن معين ..فعلى سبيل المثال يمكن أن يمتد هذا الإلتزام لمدة خمس سنوات من إنتهاء  عضو الهيئة المذكورة ؛ ثم  أن هذا الإلتزام كان يجب أن يفتح باب الإستثناء فيه ..بمعنى أن يُسمح بإفشاء أسرار هذه الهيئة لضرورة قانوينة أو واقعية ؛ كضرورة الشهادة أمام القضاء ؛ أو ضرورة الدفاع عن وجهة النظر التي تبناها قرار رئاسي – بناء على مشورة قانونية صادرة من الهيئة..أو ضرورة دفاع عضو دفاع عضو الهيئة السابق عن نفسه في إتهامات أو إدعاءات موجهة إليه بمناسبة عمله في الهيئة .
• ولكن  ..هل الإلتزام بالصمت .....على أعضاء الهيئة المذكورة .. سيكون في جميع الأحوال ..حتى لو أضر ذلك بالمصالح العليا للبلاد ..لاشك في أن مثل هذا الصمت  سيكون ( صمت الخرفان ) الذي تسير وراء شخص أو جهة أو جماعة دون وعى أو دون دراية ....فهل يكون الصمت فعلاً (صمت العقلاء) أم صمت الخرفان ..هذا ماسيكشف عنه مستقبل هذه الهيئة القانونية التعيسة .!!!! إن كان لها مستقبل أصلاً !!!
***** 
*   د. محمود العادلي - أستاذ القانون الجنائي  ورئيس قسم القانون العام  -   كلية الشريعة والقانون بطنطا -  والمحامي أمام محكمة النقض  والإدارية العليا والدستورية العليا
[email protected]
[email protected]