رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التوحيدُ الدينيُّ تحريرٌ للإنسان

التوحيدُ الدينيُّ هو المفجِّر لطاقات ومَلَكات الحريّة فى الإنسان، فعندما يُفرد المؤمن الموحّد الذات الإلهية بالعبودية يتحرر- فى ذات الوقت- من العبودية لكل الطواغيت.. فقمّةُ العبودية لله الواحد هى قمة الحرية والتحرير للإنسان ولذلك كانت شهادة أنْ لا إلهَ إلا الله إعلاناً لحرية والتحرير للمؤمنين بوحدانية الله...

ومن الأخطاء الفكرية التى شاعت فى دوائر أصحاب الفلسفات الوضعيّة والمادية، القول إنّ الإنسانية قد بدأت تصوراتها واعتقاداتها الدينية بالشرك والوثنية، فلما نضج العقل البشرى انتقل من الشرك إلى التوحيد.. ولقد وقعوا فى هذا الخطأ لإنكارهم الغيبَ والوحي والنبوّةَ والرسالة، ولإرجاعهم كلَّ فكرٍ إلى الأرض وإلى العقل البشرى.. ومن هنا شاع فى دراسات المِصريات والفكر والآثار الفِرعونية قولُ علماء المصريات الغربيين: إنَّ المصريين القدماء قد عرفوا التوحيد قبل الأديان السماوية!؛ ذلك لأن هؤلاء العلماء - وهم فى الأصل غربيون وضعيون ماديون عَلمانيون - قد وجدوا تراثًا فِرعونيًا موحِّدًا لله، ومنزِّهًا له فى التراث السابق على عصر الديانات السماوية الثلاث، فنسبوه إلى العقل البشرى، ومن ثمَّ وقعوا فى هذا الخطأ الفكريِّ الكبير.
وعلى العكس من هذا المنهج الوضعى الماديّ فى التفكير، يؤمن المتدينون بالديانات السماوية أن الإنسانية قد بدأت بالتوحيد، وليس اختراعًا بشريًا وثمرة من ثمرات العقل الإنسانى، وإنما وحيًا إلهيًا إلى أبى البشر"نبى الله" آدم عليه السلام.. كما يؤمنون بأنّ التراث التوحيدى والموحَّد لله -عبْر تاريخ الفكر الإنسانى  ومنه تراث التوحيد فى مصر القديمة - إما أنّه من بقايا وآثار الأنبياء والمرسلين السابقين، أو أن المبشّرين به والداعين إليه هم رسل لم يردْ ذِكرهم فى القرآن الكريم - وهم كثيرون: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ

الْمُبْطِلُونَ "[غافر:78]، ولهذه الحقيقة أوْلَى علماءُ الإسلام، الذين عرضوا للتأليف في قصص الأنبياء، اهتمامًا بقصة نبى الله ورسوله إدريس عليه السلام، الذى جاء ذكره فى القرآن الكريم موصوفًا بالصدِّيق " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا "[مريم: 56،57]، والذى بُعث فى مصر، على عهد آدم عليه السلام، وكان ثالث الأنبياء - بعد آدم وشيث - والذى يقال إنه أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثمانِ سنين.. أى أن تراث التوحيد فى تاريخ الفكر المصرى القديم هو من بقايا رسالة إدريس، عليه السلام، التى ظلت تغالب الانحراف إلى الشرك والوثنية، كما أن بقايا ملة أبى الأنبياء - عليه السلام - قد ظلت تغالب الشرك والوثنية فى شبه الجزيرة العربية، وظلت مصدر إلهام للحُنفاء الذين رفضوا الشرك والوثنية حتى بِعثة خاتم الأنبياء، رسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام، ومن هؤلاء الحنفاء الموحدين مَن أدرك البعثة النبوية وأسلم، مثل أبى ذرّ الغِفارى.. ومنهم مَن تُوفى قُبيل ظهور الإسلام - مثل عمرو بن نُفيل- ولقد تركت بقايا ملة إبراهيم، وهذا التوحيد آثارًا ملحوظة فى شعر عدد من الشعراء الجاهليين.. وهكذا بدأ التوحيد وحيًا إلهيًا، وليس اختراعًا للعقل البشرى، كما يقول الماديون.