رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قواعد الأخلاق.. ولعبة السياسة؟!

وعدت القارئ في المقال السابق من تلك السلسلة عن «أخلاقيات العمل» والتي بدأتها بخطاب جاءني من أحد طلابي يثير فيه قضية الإيمان بأخلاقيات العمل ويطالب بأن يقرر تدريسها بجميع مراحل التعليم إذا أردنا أن تصبح سلوكا طبيعيا في أي موقع وأي موقف، أن نقتحم الموضوع بطريقة عملية تقرب المعاني وتحرض علي التفكير لكي يصبح القارئ جزءا من الموضوع وشريكا في تحديد بوصلته، وأعني بالتحريض علي التفكير هنا أن نتساءل سويا لماذا؟ ولماذا لا؟ حين نعرض لموضوع أو لمثال واقعي، أي لماذا حدث ما حدث ولماذا لا يحدث؟ بهذا نكون قد عبرنا عتبة التفكير الابتكاري الذي يعين علي الفهم ويقترح الحلول.

أما لماذا أبدأ بالأخلاق في السياسة فذلك لأني أحاول أن ألاحق إيقاع الأحداث التي يمر بها الوطن والقوي التي تتصارع لكي تعبر به - من وجهة نظرها - الي آفاق المستقبل تحقيقا لأهداف الثورة أو لأجندات تري أنها «روشتة» علاج شاملة لكل أوجاع مصر.. ولابد للمراقب لما يدور علي المسرح السياسي الآن أن يتعرض لشحنة مركزة من الانفعالات والتساؤلات والإحباطات تجعله يردد مقولات كثيرة عن لعبة السياسة ومدي قربها أو بعدها عن قواعد الأخلاق بما في ذلك «أن الغاية تبرر الوسيلة» والتى تلخص في إيجاز كل ما ورد في كتاب نيكولو ماكيافيللي «الأمير» الذي يعتبر مرجعا في النذالة السياسية ونظم الحكم منذ أكثر من 500 عام وترجم إلى معظم لغات العالم ولابد أن النظم الدكتاتورية منذ ذلك الحين قد وعته وحفظته ظهرا عن قلب وطبقت ما جاء به لقهر شعوبها وإحكام السيطرة علي مقدراتها وإخضاعها لأبدية حكم الطغاة.. الكتاب الذي أشير اليه كتاب صغير حجما ومقسم الي فصول قصيرة تبلغ 26 فصلا أهداه ماكيافيللي للأمير لورنزو أحد أفراد عائلة دي ميذيتشي الحاكمة في فلورنسا في القرن السادس عشر ليصبح بذلك من أوائل الكتب - وربما أولها - في الفلسفة السياسية وفي ابتداع كلمة «مكيافيللي» التي نستخدمها للتدليل علي الخسة والنذالة في سلوك البعض ممن يقفزون بشتي السبل علي كل العوائق التي تحول بينهم وبين بلوغ أهدافهم.

أحد أساتذتي - يرحمه الله - كان يري جانبا مكيافيليا حتي في علم الإدارة، فمن وجهة نظره أن المدير الناجح يجيد «استغلال» مرءوسيه وبحكم معرفته الوثيقة بهم يعرف نقاط ضعفهم ويستثمرها في التأثير عليهم وتحفيزهم لمضاعفة جهودهم وشحذ هممهم وبالتالي سهولة السيطرة عليهم.. بعض مديري اليوم يلجأون إلي إذكاء روح التنافس بين مرءوسيهم وخلق نوع من التوتر المدروس والصراعات البسيطة اعتقادا منهم أن ذلك يجعلهم علي علم بما يدور في الخفاء ويجعل المرءوسين يتسابقون علي إرضاء الرئيس ومحاولة التقرب منه.. ولعل ذلك يفسر بالتالي بداية تكوين مراكز القوي التي تنجح في الالتفاف حول صاحب القرار وفهم شخصيته وميوله وإسماعه ما يجب وإظهار الطاعة العمياء وتنفيذ كل رغباته وبناء سياج فولاذي حوله لا يسمح لغيرهم بتجاوزه وبالتدريج يصبحون ضرورة لا غني عنها ويصبحون هم من يفكر وينفذ وتنقلب الآية فيصبحون هم من يرقص الرئيس علي إيقاعاتهم ويصبح ألعوبة في أيديهم لأنهم الأقوي.. يستغلونه كمجموعة مصالح

تحافظ علي بقائها في الوقت الذي يستغلهم هو في إنقاذ إرادته وكواجهة يلصق بها عند الحاجة أي فشل ويختار من بينها كباش الفداء للتغطية علي أخطائهم يتحملون عنه المساءلة القانونية عند الحاجة.. كل شىء بثمن محدد سلفا في غايات ومقاصد وأهداف ومكاسب تعرفها كل أطراف اللعبة الذين يتخفون خلف أقنعة تساعدهم علي خداع الضحايا وبث الأمل الكاذب في نفوسهم وبيع الوهم وتخدير الهمم فيسهل قيادتهم وتسخيرهم كمبرر لبقاء أمثال تلك العصابات، وبذلك تكتمل الدائرة الجهنمية للفساد السياسي.

هل هناك علاقة بين هذا النوع من الإدارة والعمل السياسي بوجه عام؟ نعم، ولكن السؤال الأهم هو: هل كل السياسيين كذلك؟ الإجابة بالقطع لا، وإلا لما كان لدينا سعد زغلول زعيما تجمع عليه الأمة وتفوضه أن يتحدث باسمها دون استقصاء رأي مزور يصدره مركز ملاكي تابع لنظام الحكم، ولما كان لدينا مصطفي النحاس الذي ذهب لقسم البوليس لكي يحرر محضراً لمواطن أخرق من المعارضة صفعه علي وجهه وهو ينتظر القطار علي رصيف محطة مصر مثل أي مواطن لكي تأخذ العدالة مجراها بدلا من أن يلقي به في السجن أو يبعث به وراء الشمس، ولما كان لدينا فؤاد سراج الدين الذي يحكي عنه زعيم الوفد الحالي وأحد تلامذته سيد البدوي أن بيته هو الآخر كان بيتا للأمة مثل سعد، وأن طلابه وزملاءه ومريديه كانوا يذهبون لرؤيته في بيته في أي وقت ويصعدون حتي إلى غرفة نومه فيفتحون الباب إن كان مغلقا ويدخلون إلا في حالة واحدة فقط: أن يكون الزعيم علي سريره يستريح في إغفاءة قصيرة من عناء يوم طويل، ولما وقف النائب عباس محمود العقاد أثناء مناقشة البرلمان للميزانية يهدد بقطع «أكبر رأس في البلاد» أي ملك مصر والسودان .. ويظل السؤال الذي يفرض نفسه ويحرض علي مزيد من التفكير: هل يزيد التمسك بالأخلاق في ظل الديمقراطية باعتبار أنها تسلط أضواءها الكاشفة علي سلوك الحكام وتجعل من نواب الشعب رقباء يرصدون أي انحراف يضر بمصالح الناس ويخضعون الحاكم للحساب والعزل والعقاب إن خان الأمانة؟