رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كتلة اللهب.. وشارع الهرم السياسي

احترت كثيراً في توصيف حال مصر حالياً والصراعات المدمرة التي تدور بين القوي المتنازعة علي إثبات الوجود بأساليب ووسائل تكذب كل الادعاءات بأن المتصارعين يدفعهم الحرص علي الوطن وضمان أمنه وسلامته وتحقيق أهداف الثورة والمشاركة في تقرير مستقبل مصر..

ولم أجد أبلغ من بيت شعر للخليفة العباسي الذي لقب بالمرتضي بالله: «وإن كان قد نسب إلي علي الكيلاني الشاعر الليبي بعد ذلك» يقول: اصبر علي حسد الحسود فإن صبرك قاتلة فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.. نعم، مصر الآن يضربها إعصار من الغل والحسد والكراهية تشكل كتلة هائلة من النار تكبر وتزداد اشتعالا وسوف تظل تتغذي علي ما حولها حتي تأتي عليه كله ثم تأكل نفسها حتي تتلاشي وتصبح رمادا يعفر وجه التاريخ كلما جاء ذكر ما فعلناه لبلدنا بأيدينا.. المشهد كئيب وينذر بأن كرة اللهب تندفع في جنون لتطيح بكل من يقف في طريقها ولا يمكن التنبؤ بمسارها، والاعصار القادم سوف يفوق في قوة دماره إعصار ساندي الذي أزال مدنا بكاملها في بعض ولايات أمريكا ولكنه لم يكسر إرادة الناس ولا رغبتهم في الحياة ولا استمرارهم في تحمل مسئولية المشاركة في مواجهة الخطر وإعادة البناء والتطلع إلي المستقبل كما لو كانوا نموذجاً بشرياً واحدا تم استنساخه ليصبح شعباً يملأ قارة بكاملها ويحولها إلي مركز لادارة العالم يستقر إذا استقرت ويهتز إذا اهتزت.
الاحزاب المصرية - والقوية منها علي وجه الخصوص - فشلت حتي الان في الاتفاق علي أهداف قومية تعبر عن مطالب الناس وحقوقهم وتترجم أهداف الثورة إلي خطط وبرامج عمل يقدمونها للحكومة ويشاركون في تنفيذها، وقيادة تجمع شملهم لكي يصبحوا قوة ضغط شعبي هائلة يحسب الحاكم حسابها وتعمل لها الحكومة ألف حساب.. تفرغت الاحزاب للتناحر علي الزعامات والمناصب وفرض وجهات النظر، وخرج كل فصيل ليكون تحالفا منفصلاً أو يشكل حزباً جديداً يضاف إلي القائمة الطويلة من الأحزاب التي لا يسمع الناس عن أغلبها ولا يعلمون أصلاً أنها موجودة ولا ما هي برامجها.. أصبحت التصريحات التي تذاع وتنشر بعد كل لقاء يضم أحزابا فاصلا فكاهيا ومثارا للتندر يسري علي الناس إلي حين ويمدهم بمادة جاهزة للسخرية مما يحدث، وتحول الشارع السياسي إلي مسرح عبثي يبالغ في الاضحاك حتي لو تحول اللاعبون الاساسيون إلي بلياتشو يصبغون وجوههم بكل الاصباغ التي تخفي شخصياتهم الحقيقية وتظهرهم فقط بالوجه الذي يتفق مع الموقف..
النخبة استهلكت كل مفردات اللغة في إظهار براعتهم الخطابية في النقد والتعبير عن السخط والتدليل علي الخيانات والتآمر وتصفية الحسابات، وعصروا ادمغتهم لاختراع نظريات جديدة للتآمر لا تخطر علي بال احد، والنبش في ماضي الخصوم السياسيين واستخراج الملفات القديمة بفضائح وتهم تقصيهم عن الحياة العامة.. عقدت المؤتمرات والندوات وتباري المتحدثون «يشخصون» الحال الذي يعرفه أبسط الناس في مصر ولا يحتاج لخبراء لكي ينبهوا إليه، وتسابقوا في الاستدلال وجمع الوثائق والادلة والبراهين يردون بها علي بعضهم البعض في «حفلات زار كلامية» يتسارع فيها إيقاع الكلام ويعلو حتي يصبح صراخا هستيرياً ويسقط الجميع في نهاية الحفل بعد أن أصابهم الاعياء وخارت قواهم ولم يقدموا حلا

واحداً لمشكلة نواجهها ولا بدائل تعوض نقص الموارد الذي تدعيه الحكومة مثلما ادعته من قبلها حكومات اللصوص والنهابين الذين خربوا مصر.
الاعلام وجد فيما يحدث مادة غنية مجانية يملأ بها برامج الكلام التي اصبحت هي كل البرامج حتي الرياضي منها.. ظهر «نجوم الكلام الجدد» في كل البرامج يساعدهم علي ذلك قرب استديوهات التصوير من بعضها البعض فينتقل الضيف من محطة إلي محطة في لحظات، وأصبح «حملة الملفات» ينتهجون اسلوبا جديداً في الابتزاز السياسي بالاشارة إلي ملفات أثناء حديثهم قد لا يكون فيها سوي قصاصات من الورق الأبيض مثلما يفعل النصابون الذين يوهمون ضحاياهم بتحويل الجنيهات إلي دولارات، وأصبحت الحلقة الواحدة لا تكفي لاستكمال الموضوع ولا لسماع وجهة نظر كل الضيوف.. انتشرت الفيديوهات - الحقيقي منها والمفبرك - علي موقع التواصل الاجتماعي تنهش في أعراض الناس وسمعتهم وتدنت لغة الحوار لكي تقترب كثيراً من السوقية بل تتجاوزها وتفوقها في السفاهة والفحش أحياناً، وتوارت اللغة العربية خجلاً من مقدمي برامج يلجأون إلي العامية هرباً من جهلهم بقواعد اللغة وضيوف يعجزون عن التعبير عن أفكارهم بجمل كاملة مفيدة ويخلطون بين ما يبدو أنه لغة عربية وبين بعض الالفاظ الاجنبية التي ينطقونها بطريقة تجعلك تتساءل «إنجليزي ده يا مرسي؟».. الموضوع كله يبدو كما لو كان اغتيالا منظما للغة العربية.
كباريهات شارع الهرم السياسي لم تعد مقبولة بعد الثورة، ومحترفو الاستربتيز السياسي من السياسيين لم يعد لهم مكان، و«النقوط» العربي سوف يجفف الثوار الحقيقيون منابعه قريباً، وموردو فتوات الكباريهات مكانهم محجوزا خلف القضبان، ومزاد الرهانات علي عودة نظام مبارك بصورة أو أخري لن يستفيد منه سوي محترفي صالات المزادات من مروجي التحف والانتيكات، وخطط إرهاب رئيس الدولة بالقانون أصبحت مكشوفة، وتخويف الشعب برموز التعذيب والقهر من تلاميذ العادلي لم يعد يخيف أحداً، فشوارع مصر كلها الآن تؤدي إلي قصر الرئاسة ومجلس الوزراء، والشعب كفر بكل الاحزاب واصبح يتطلع بشوق لتكوين حزب واحد اسمه «أولاد مصر» ومن بينهم سوف يظهر زعيم بحجم سعد أو النحاس أو عبد الناصر أو السادات.