عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حديث مع البواب .. وأشياء أخري؟!

قصة البوابين في مصر نموذج لسيطرة العواطف علي العقل في التعامل مع الناس، وحسن النوايا التي كثيرا ما تفسد أكثر مما تصلح وتخلق مشاكل كان يمكن تجنبها أو تزيدها تعقيدا بدلا من أن تجد لها حلولا.. أغرت وظيفة البواب في مصر الملايين من أبناء الريف والصعيد والنوبة أن يهاجروا الي عواصم الأقاليم في مصر وبتركيز شديد علي القاهرة والإسكندرية

حيث توفر الوظيفة سكنا متواضعا للبواب وأسرته يتوافر بها المرافق الأساسية اللازمة ومرتب معقول وإكراميات من السكان أو الملاك في المناسبات والأعياد تعينه علي العيش.. المشكلة أن ضمان ذلك لا يمثل حافزا للبواب ينظم حياته ويخطط لها علي قدر إمكاناته، وإنما يظل يعيش بنفس نمط الحياة يميزها العشوائية والاتكالية وبدلا من أن يمثل ما حققه من استقرار نسبي في قيامه بعمله وإخلاصه فيه يركن الي الكسل والتراخي حتي فيما يتقاضي عليه أجرا إضافيا نظير تنظيف السيارات مثلا.. ولأن الملاك منشغلون بأمورهم الخاصة ويركزون - طبقا للثقافة العامة السائدة في مصر - علي مصالحهم فقط فإنهم يتجاوزون في كثير من الأحيان عن محاسبة البوابين الذين يؤدون العمل الذي يتقاضون عنه أجرا وبالتدريج يصبح البواب جزءا مهما من الحياة اليومية لساكني وملاك أي عقار ويبدأ في التخطيط لتحقيق أقصي فائدة من وجوده معهم وتزداد مطالبه تدريجيا في سكن أكبر بعد أن تضاعف عدد أبنائه ويضيق بهم المكان ويبدأ في بناء منزل بقريته لا يستخدمه ويؤجره ويبدأ مشروع تاكسي بشراء سيارة قديمة ثم يغيرها بعد أن يتوافر له الامكانيات ويشتري موبايل يدير به أعماله الخاصة بعد أن ينخرط في سلك سمسرة العقارات والسيارات، ويختفي تدريجيا من العقار الذي يعمل به ويترك زوجته أو أحد أبنائه لقضاء حاجات السكان حتي يعتادوا علي ذلك النمط الجديد من التعامل ويتقبلوه.. بمعني آخر يصبح البواب بالتدريج هو «مدير العقار» بدلا من ملاكه أو ساكنيه ولا يستطيع أحد أن يتخلص منه أو حتي استبداله بغيره دون مشاكل.. في نقاش لي مع بواب العقار الذي يقع به مكتبي حول كثرة اختفائه طوال النهار، وبالذات بعد أن قام الملاك ببناء حجرة إضافية في جراج العقار لسيادته علي نفقتهم الخاصة فوجئت به يقول: «ستة أطفال وأنا وأمهم، هل يمكن أن يعيشوا في حجرة واحدة؟ احسبها سيادتك بقي»، ولم أتمالك نفسي طبعا من الرد قائلا: واحسبها أنا ليه؟ هو أنا اللي خلفتهم.. بهذا المنطق من عشوائية التفكير تفسد النخبة بسطاء الناس والعوام بدلا من ترشيدهم وتوعيتهم واستغلال حاجاتهم لكي ينظموا حياتهم وربط المساعدات التي نقدمها لهم بالتزامهم في أداء أعمالهم وإخلاصهم واحترامهم لتلك الأعمال.
حادث عابر أطلق العنان لتفكيري وخاطب فضول الباحث داخلي لعقد مقارنة بين أسلوبنا في الشرق في تربية أبنائنا وبين أسلوب الآباء والأمهات في الغرب، وانعكاس ذلك علي تكوين شخصية الأبناء وعلاقتهم بوالديهم.. الوالدان في الغرب يعودان الأطفال مبكرا علي الاعتماد علي أنفسهم، ويضعان حدودا واضحة لالتزامهما تجاههم من توفير الحاجات الأساسية من مأكل وملبس وتعليم حتي مرحلة معينة طبقا لامكانيات كل أسرة بالتعليم الجامعي

مكلف جدا عندهم لمن لا يحصلون علي منح التفوق، ويعدون أبناءهم لقبول وظائف بسيطة أثناء عطلاتهم الصيفية للصرف علي أنفسهم وتوفير باقي احتياجاتهم أو لتغطية نفقات الترفيه عن أنفسهم.. يصارح الآباء أبناءهم بحقيقة امكاناتهم المادية ويعودون الأبناء علي سماع كلمة «لا» لكثير من الطلبات التي يعجز الوالدان عن توفيرها وبهذا ينشأ الأبناء ممتنين شاكرين لوالديهم ما تحملوه من أجلهم ويستتبع ذلك بالضرورة إحساسهم أنهم مدينون لهم بالفضل في تربيتهم وتنشئتهم وتعليمهم فلا يتركون مناسبة تمر لمجاملتهم أو الاحتفال بهم أو شراء هدايا بسيطة تعبر عن هذا العرفان بالجميل.
أما نحن فنحيط أبناءنا بكل الرعاية والحماية في كل مراحل عمرهم، نخفي عنهم الأخبار السيئة ونوفر لهم كل ما يطمحون في تنفيذه وأحيانا دون أن يطلبوا أو قبل أن يطلبوا، ونعطيهم إحساسا زائفا بأننا لا نعجز عن توفير شيء يريدونه مما يرفع سقف توقعاتهم باستمرار ويعطيهم إحساسا زائفا بأننا لم نقدم لهم كل ما كان يمكن أن نقدمه، الآباء في الشرق يتحولون الي مشروع بالنسبة للأبناء ووسيلة لبلوغ أهدافهم في الحياة ويعتبرون ما يقدمه الآباء واجبا وضرورة، ومن ثم فإنهم غير مدينين لهم بشيء، الأبناء عندنا يتعجلون الاستقلال ولكن علي حساب الآباء ولا يجدون غضاضة في تحميلهم مسئولية تربية الأحفاد والعناية بهم ويظلون يلجأون اليهم في حل مشكلاتهم المالية والاجتماعية حتي بعد أن يتزوجوا ويستقلوا بحياتهم وحين يتحدثون عن نجاحاتهم فنادرا ما يأتي ذكر الوالدين كرافد من روافد المعرفة التي أدت الي هذا النجاح.
ويبدأ الأبناء بالتدريج في نسيان المناسبات السعيدة في حياة الوالدين أو حتي اختلافها  لتكريمهم وإدخال السعادة علي قلوبهم ولن أخوض هنا في أمثلة لجحود الأبناء فذلك مجاله البحث العلمي وليس المقال الصحفي ولكني أؤكد علي الصدمة التي يمني بها كثير من الآباء في الشرق من جحود الأبناء ونكرانهم لفضل الآباء والأمهات وتجاهلهم التعبير عن عرفانهم بالجميل حتي حين تتاح الفرص لذلك وتفاخرهم بأن ما حققوه من نجاحات في حياتهم إنما مرده الي مواهبهم وجهدهم الشخصي وحده.