عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المصري المتحضر.. منتج سياحي جديد

المعجزات التي حققتها ثورة التغيير كثيرة.. هذه الثورة البيضاء المتحضرة أسقطت في ثمانية عشرة يوماً فقط نظام حكم استمر يجثم علي صدر مصر لأكثر من ثلاثين عاماً من الظلم والقهر والفساد.. ساند الشعب الثورة بقيادة شباب الأمة الذين كتبوا بدمائهم ملحمة تاريخية رائعة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه لتفردها عن كل ما سبقها من ثورات، وبدأ بها مد ثوري تتسع دائرته الآن لكي تشمل كل أنحاء العالم العربي، حيث تريد الشعوب أن تمسك بزمام الأمور وتستعيد حقها في إدارة شئونهم وتنفس هواء الحرية والديمقراطية والمشاركة في بناء مستقبل بلادهم.

ولكن أهم تلك المعجزات في نظري هو أن المعدن الأصيل للإنسان المصري صاحب حضارة السبعة آلاف عام قد تجلت في كل ما يتعلق بسلوك الثوار وفئات الشعب المختلفة التي وقفت خلف الثورة منذ انطلقت شرارتها تساندها وتؤيدها وتعترف بشرعيتها.. شباب عزل واجهوا الرصاص بصدورهم المكشوفة وهتافاتهم المعبرة عن أهداف الثورة، ووضوح تلك الأهداف وإصرارهم علي تحقيقها، والعمل الجماعي التلقائي الفطري النقي دون قيادات مسيسة تدافع عن أيديولوجيات أو مصالح فئوية أو حزبية، والسلوك المتحضر في التعامل مع بعضهم البعض ومع غيرهم.. المرة الأولي في التاريخ التي يخرج فيها الملايين الثوار دون أن يلجأوا إلي التخريب للتعبير عن مطالبهم، والمرة الأولي في التاريخ التي يتولي الثوار تنظيف أماكن اعتصامهم، والمرة الأولي في التاريخ التي يصبح الشعب بديلاً عن الشرطة في حماية المنشآت والشارع لسد الفراغ الأمني الذي خطط له ونفذه قيادات النظام البائد ورموزه، والمرة الأولي في التاريخ التي يحمي الثوار بأجسادهم تراث بلدهم ضد السرقة والنهب من قلة استغلت أنبل الثورات في تاريخ مصر لكي تمتد أيديهم إلي كنوزها وتاريخها.

أصبح ميدان التحرير - وأنا ضد أن يتغير اسمه الدال عليه كرمز لتحرير إرادة الأمة - رمزاً لثورة شعب نام كان يتهم بالتخلف فإذا بثورته تبدأ باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا المعلومات ويخطط لها شباب لم يكونوا يعرفوا بعضهم البعض حتي قامت الثورة فعلاً والتقوا وجهاً لوجه في الميدان الذي شهد ملحمة إسقاط النظام وبدء صفحة جديدة من تاريخ مصر يكتبها كل أبناؤها بما في ذلك جيش وطني لا

يرغب في السلطة حمي الثورة من المتربصين بها والتزم بتنفيذ مطالب الثورة وحراستها.. وإن كانت مصر قد خسرت بسبب الثورة عدة مليارات من الجنيهات في قطاع السياحة، فقد أصبح لديها الآن منتج سياحي جديد تسوق له إلي جانب ثلث آثار العالم.. أصبح لدي مصر ميداناً شهد فعاليات ثورة فريدة من نوعها في كل شيء من أول التخطيط لها باستخدام التكنولوجيا إلي وسائل الضغط السلمية التي اتبعتها الثورة لإسقاط نظام دكتاتوري ظالم إلي السلوك الحضاري للثوار والتحالف الفريد بين الشعب والجيش احتراماً لإرادة الأمة.

كنت هناك وأعلم أن الثوار سجلوا بالصور مراحل تلك الملحمة، وأعلم أن الفنانين التشكيليين وأصحاب المواهب من بسطاء الناس قد أبدعوا فناً تلقائياً علي أرض الميدان، وأن الثوار عندما ألقوا القبض علي بلطجية النظام ممن اقتحموا الميدان لترويعهم وتفريقهم والقضاء علي ثورتهم قد احتفظوا بهويات هؤلاء وأسلحتهم التي استخدموها، وفوق كل هذا وذاك قصص البطولة الفريدة لمئات الشهداء الذين دافعوا عن مصر وشعبها في الصفوف الأولي لمواجهة جحافل الهمج ممن احتمي بهم النظام ورصاص القناصة يحصدهم وهم عزل إلا من إيمانهم بقضيتهم.. لو سجل كل هذا في أفلام تسجيلية وأقراص مدمجة وألبومات صور لكانت سلعاً ثمينة سوف يحرص كل السياح القادمين إلي مصر علي اقتنائها.. وأخيراً فإن موقع الميدان موقع استراتيجي أمام المتحف المصري للآثار يمر به السياح الزائرون للمتحف مما يجعله مزاراً سياحياً مثالياً ومكملاً لزيارة المتحف موقعاً وقيمة.