رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الجريمة والتكدس العمراني في مصر

التكدس السكاني من أهم العوامل الرئيسية بعد النظام السياسي، التي تسبب الانهيار الشامل للمجتمع المصري فإن كان المجتمع هو نتاج النظام السياسي، فإن الإنسان تنحط تصرفاته أو تتميز طبقاً للفراغ الحيوي الذي يعيش فيه، فإن الازدحام والتكدس يجعل المكان يضيق بالفرد ويشعره بالتعدي علي خصوصياته وحياته الشخصية، فتختل قدراته وملكاته الخلاقة، مما يدفعه إلي الغريزة البهيمية الشرسة.. فيبدأ أولاً بالدفاع عن نفسه وجسده ثم تتطور إلي مهاجمة الغير كنوع من الوقاية، حتي يصبح التعدي علي الغير قانوناً بل لذة ونشوة لدي مرتكب الجريمة، فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يهاجم أو يقتل دون حاجة ملحة ولذة الجريمة في حد ذاتها.

إن الجرائم الجديدة التي تظهر في مجتمعنا مثل تفسخ الأخلاق وانهيار الانضباط بالشارع وتصرفات الشذوذ بالمواصلات العامة وهتك العرض والاغتصاب العلني وتعاطي وترويج المخدرات والسرقة بالإكراه وخلافه، بهذا الكم وهذه الجرأة، كلها نتاج طبيعي لمجتمع التكدس العمراني حيث انعدام السكن الآدمي وتفسخ المرافق والخدمات وقلة الإنتاج وتخاطف الرزق، علاوة علي ضياع الأمن والأمان، لأن المدن تصبح ديناصورية عملاقة يصعب السيطرة عليها.

وقد نبهنا إلي ذلك مراراً بخصوص مدينة القاهرة، ومنها خطورة ما يجري الآن بها من توسعات وكباري وأنفاق ومترو ومجاري وكلها عوامل تزيد قابلية القاهرة إلي زيادة السكان وكذلك ظاهرة المدن الجديدة حول القاهرة التي ستلتحم قريباً معها وتصبح مدينة يستحيل التعامل معها أمنياً واجتماعياً وبيئياً، وحتي لا يختلط الأمر علي البعض فإن ظاهرة التكدس السكاني ليست هي الزيادة السكانية التي هي طاقة وإنتاج إن أحسن استخدامها.

أما التكدس السكاني فهو نتيجة غياب التخطيط العمراني القومي وسوء توزيع الكتلة السكانية علي المساحة الكلية لمصر.. نحن الآن ستون مليوناً نعيش في نفس المساحة

التي كنا نعيش فيها ونحن عشرة ملايين التي لا تشكل أكثر من 3٪ من مساحة مصر، والمصيبة تكون أعظم حين تكون هذه المساحة التي نتكتل داخلها هي نفسها مصدر الرزق والحياة، هي الأرض الزراعية في وادي النيل فنقتلها ونصحرها بالبناء فيها ثم نذهب إلي الصحراء نستصلحها ونستزرعها، وهكذا ينهار إنتاجها الزراعي ونتسول القمح والطعام، فكر ضيق ومنطلق مقلوب.

ولا نجاة لمصر إلا بخروج كل المصريين من الوادي ليعودوا للزراعة فلا يبقي به أكثر من عشرين مليوناً من الفلاحين الذين يزرعون الأرض والعاملين بالنشاط السياحي فقط «مع خدماتهما» للاستفادة من الثروة العقارية القائمة ويتم خلق أقاليم جديدة في الصحاري والشواطئ البعيدة وسيناء يكون لكل منها شخصية إدارية وسياسية مستقلة في نظام إقليمي تجمعه حكومة فيدرالية يعمل علي عودة الانتماء خلق المنافسة للتنمية، المشكلة الوحيدة لتحقيق ذلك هي النظام الحالي، فهل يقبل ضياع سلطته المركزية ولو في سبيل مصر؟

هذا المقال نشر عام 1992 ومازال صالحاً حتي اليوم.. الآن وقد زال هذا النظام وأصبح الأمر مسئولية وطنية أمام الشعب الذي يطالب بحقوقه.. فهل نعمل علي توزيع المصريين علي كل أرض مصر؟

dr.e[email protected]