عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أيام بلا حب

حب الوطن فرض عليه أفديه بروحي وعينيه.... بلادي بلادي لك حبي وفؤادي.... ياحبيبتي يامصر... هذه بعض من أغنيات يتعلمها الصغار ويرددونها ليتعلموا معني الحب وقيمته ومكانته في ارتباط تلك الكلمة وهذا الشعور الغامض المبهم بمعني ملموس معروف اسمه «وطن»... أي أن تعلم الحب وإدراكه في البدايات يتزامن ويترابط مع أرض يعيش عليها الطفل أو المراهق وبيت ومدرسة وحراس وأهل وأصدقاء جميعهم ينعمون بالحياة علي أرض تجمعهم وتقرب بينهم... هذا هو الحب الذي نبدأ في تعلمه وإحساسه مع تلك الكلمات والموسيقي والأصوات الجميلة والحماسة التي تدب في أوصالنا حين نرددها ويرتفع صوتنا لإثبات مشاعرنا وإيماننا بهذه الكلمات والمعاني وذاك الحب الصادق الآمن الراقي لبلادنا وأرضنا.

ولكن بكل أسف انتهي ذلك الزمن وهذا العصر وتلك المعاني من الحب وارتباطه الأول بالأرض والبيت والأهل والوطن بعد أن تعددت مصادر التعليم وأنواعه داخل مصر منذ الثمانينيات والتسعينيات فإذا بكل أنواع وأشكال الانفصال والفُرقة والتغيب وعدم الانتماء في تعليم أزهري يحرم طابور الصباح والغناء وغرف الأنشطة والموسيقي وهو تعليم منتشر في ربوع مصر خاصة القري والمناطق النائية والفقيرة لأنه لا يتطلب دروساً ولا يقدم علماً حقيقياً من علوم الدنيا حيث التركيز علي العلوم الشرعية والدينية وحفظ القرآن والأحاديث والأسانيد ومن هنا نجد أطفالاً لا يعرفون معني البهجة والفرحة ولا يمارسون أي أنشطة فنية أو ثقافية ولا يقرأون إلا ما يملي عليهم في حدود الشرع والدين ولا يستطيعون التعبير الحر والإبداع والتحلق في سماء الخيال والموهبة لأنهم بكل بساطة إن فعلوا خرجوا عن الشرع وعن صحيح الدين الذين يعودون به إلي قرون مضت بكل فخر ولكأن عجلة الزمن توقفت عند الناقة والحصان وما شابه.
هؤلاء الصغار في المدارس الأزهرية والمعاهد يتم غرس روح الفُرقة والتمييز والتعصب داخلهم منذ البدايات... فالبنات الصغيرات يتم إجبارهن علي ارتداء الحجاب ويمتنعن عن التواصل  مع من لهم ديانات أخري وعقيدة إلهية تختلف عنهن ولا يسمح للصغيرات بالغناء أو الرقص الإيقاعي أو الرياضة ولا أن يقمن صداقات مع الصغار من الذكور حتي لا تشيع الفتنة والرذيلة فينشأ هؤلاء بلا مشاعر رقيقة أو فنون راقية تهذب من السلوك بل يكبرن علي الكراهية والبغض والغل لكل ما هو مختلف عنهن سواء في المظهر أو النوع أو الدين... جيل من طلاب أبرياء نغرس فيه مشاعر التعصب والبغضاء وكراهية الفنون وعدم الانتماء لأرض أو لوطن وأما الانتماء للماضي وللسلف وللدين فسره وشكله هؤلاء الذين يدعون أن صحيح البخاري منزه عن الخطأ ولكأنه قد ارتفع إلي منزلة القرآن الكريم.. بالرغم من أن الكثير مما في المناهج الدراسية بالمعاهد الأزهرية ما يحتاج إلي قرار فوري من وزير التعليم وشيخ الأزهر لتنقية تلك المناهج من السموم التي تبث في عقول ونفوس هؤلاء الطلاب والتي أوصلتهم إلي تلك الحالة من الكراهية وعدم الانتماء وهذا السلوك المشين العنيف الذي يدمر ويهدم ويحرت ويسب الأساتذة والكبار دون أي مراعاة كمبادئ اسلام سمح وسطي يدعو نبيه محمد عليه الصلاة والسلام إلي مكارم الأخلاق فدعوة الرسول الأولي هي لإتمام واستكمال محاسن ومكارم الخلق والسلوك الإنساني القائم علي الحب والتسامح.
أما النوع الثاني من المدارس فهي المدارس الأجنبية أي التي لا تدرس مواد التاريخ والجغرافيا ولا اللغة العربية والدين إلا في السنوات النهائية حسب قرارات الوزارة كشرط للالتحاق بالجامعات المصرية... وهذه المدارس ذات المناهج الفرنسية والألمانية والأمريكية والانجليزية لا يوجد بها إذاعة مدرسة باللغة العربية ولا طابور صباح وأناشيد وأغنيات وطنية

لأن الطالب أو التلميذ عليه أن ينسي العربي والتاريخ والبلد ويفخر بأنه لا يتقن تلك اللغة ولا يدرس تاريخ البلد الذي يأويه هو وأهله... هؤلاء الصغار يكبرون علي حب بلاد الفرنجة.. بلاد اللغات والحضارة والتكنولوجيا والديمقراطية والحرية التي قد تصل إلي حد الفوضي... جيل المدارس الدولية يفخر آباؤه وأمهاته بأن صغارهم تربية وتعليم الخواجات في طبقية زائفة وعدم انتماء وعدم التزام بالعادات والتقاليد بل يغرسون في نفوسهم وعقولهم أنهم لن يتعلموا في ذلك البلد لأنها فاشل ولأن التعليم به هو الجهل وأنهم حتي يتفوقوا ويتميزوا فانهم سوف يكملون دراستهم في جامعات أجنبية خارجية أو داخلية... المهم أن وطنهم وبلدهم لا يستحق أن ينتموا إليه لأنه بلد بلا مستقبل ولا تاريخ... هؤلاء الصغار يكبرون علي الكراهية لمن هو أدني ومن هو مختلف ومن ينتمي إلي هذا البلد لأنهم يحبون بلاداً أخري تستحق اهتمامهم ويبذلون أقصي ما يستطيعون ليلحقوا بركب التقدم والحضارة في تلك البلدان الجبارة... والمني كل المني في أن يحصلوا يوماً علي وظيفة وجنسية بلدان النور والعلم والحرية.
والتعليم الأخير في المدارس الحكومية المتهالكة والتي يدرس بها مئات وآلاف التلاميذ في فترات زمنية مكثفة وفصول مكدسة لا تسمح بأن يمارس التلاميذ أي نوع من الأنشطة التي تنمي قدراتهم ووجدانهم بعد أن تحولت العملية التعليمية إلي عملية تعذيب وترهيب ومجموعات ودروس واختفي دور المعلم والتربية والتقويم السلوكي وأصبح ذهاب الطفل للمدرسة عقاباً وتسرب الآلاف من المدارس للشارع وحتي الذين يكملون يتحولون إلي بلطجية أو ألتراس أو أشباه متعلمين وأنصاف جهلة يكرهون البلد الذي لم نقدم لهم ما يؤهلهم للعمل وللرزق الشريف وبدلاً من أن يتغنوا بحب الوطن يحبون المخدرات ويغنون للحمير والحصان ويتفننون في تشويه كل جميل ليصير في قبح الحياة التي عاشوها في عشوائيات ومدارس وشوارع لم تحترم طفولتهم ولم تزك نفوسهم نحو الجمال والفن وقيم الخير والحق والإبداع.
اننا نعيش أيامنا بلا حب حقيقي وإنما هو حب المادة والمظهر والنفس وكل الملذات أو حب التملك والسيطرة وشهرة السلطة والحكم... لقد ضاع منا أجمل إحساس وشعور وعاطفة تميز البشر عن الكائنات الأخري لأن الحب البشري قبس من الحب الإلهي والنور الرباني... متي تعود أيامنا بالحب للأرض والوطن ولمن يعيشون حولنا.... علموا أولادكم الحب... تجدوه حين تجف منابع العطاء.