رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

البحث العلمى فى قبضة الدولة الأمنية

فى غمرة المناقشات التى تحيط بنا منذ شهور حول الدولة الدينية والدولة المدنية، وعلى الرغم من أن عشرات من المفكرين والعلماء المسلمين ينفون بالأدلة النصوصية والشواهد التاريخية ويؤكدون أن الإسلام لا يعرف ما يسمى بالدولة الدينية، لم ينتبه البعض إلى أن الخطر الحقيقى على مصر هو وقوعها بالفعل، بين رحى نوعين أخطر،

ألا وهما الدولة العسكرية، التى نوشك أن نقع فى حبائلها، بالإعلان الدستورى «المكبل»، وليس «المكمل»، والدولة الأمنية، وهى المستمرة منذ ثورة يوليو، حتى الآن، وإن كنا لا ننكر أن وطأتها حاليا قد خفت إلى حد كبير.
فى الدولة الأمنية، يسود شعار مؤداه، أن المواطن متهم، حتى يثبت العكس، فضلا عن شعار آخر هو أن أمن النظام مقدم على أمن المواطن.
وإذا كنا نشكو شكوى مرة من ضعف شأن البحث العلمى فى بلادنا، الذى يظهر فى جوانب متعددة، مثل التمويل، والكوادر المؤهلة، والإدارة الفعالة، والتجهيزات الأساسية، والطلب الاجتماعى، فإن هناك مجموعة قيود ورثناها من سنوات ثورة يوليو، التى قد كان لها بعض العذر، منذ نصف قرن، لكن هذا العذر قد سقط منذ سنوات، ومن العيب للغاية أن تستمر هذه القيود، والتى لو رآها أحد من بلد من البلدان المتقدمة لتصور أننا نتحدث عما كان من قرن مضى، قبل أن ينكشف الغطاء عن العالم وتصبح المعلومات متاحة بكثرة لم ولن تخطر على بال، وأن أسوار السرية، قد انزاحت، ليبدو العالم جسما عاريا، حتى من ورقة التوت!
والحكاية تتعلق بباحثة تنهى معى رسالتها للماجستير عن اختيار طلاب المرحلة الثانوية للغة الأجنبية الثانية، واقتضت الدراسة تطبيق أداة علمية موضوعية (استبيان) على بعض طلاب المدارس الثانوية الذين اختاروا هذه اللغة الأجنبية الثانية موضوع الدراسة، فكان عليها أن تعيش فيما عرفناه صغارا باسم « دوخينى يا لمونة»: عدة أجهزة وإدارات، كل منها يتطلب أكثر من «مشوار»، ومكاتبات، و«فوت علينا بكره»، مع ملاحظة أن الباحثة «موظفة» فى وزارة التربية التى تهمهات القضية، وضرورة أن تحصل على إجازة لمتابعة سيل المشاوير والمكاتبات والموافقات.
فلابد من خطابات متعددة من تربية عين شمس تخاطب عدة جهات، وكل خطاب يستلزم موافقة المشرفين ورئيس القسم، ووكيل الكلية للدراسات العليا، فضلا عن الموظفين المختصين.
وبناء على طلب الباحثة، يوجه المدير العام لإدارة... التعليمية بمحافظة.. خطابا إلى مديرى مدارس... و... حاكيا حكاية الباحثة المسكينة، طالبا ثلاثة أمور تتكرر فى كل خطاب تصدره كل جهة، وهى:
• التأكد من تحقيق الشخصية.
• ألا يتعارض عملهم مع العملية التعليمية.
• عدم الإدلاء بأى بيانات إحصائية إلا بعد الرجوع لمكتب الأمن، ويوقع على خطاب مثل هذا «أمن الإدارة»، و«المدير العام»!
وبطبيعة الحال لا يتصور قارئ أن خطابا مثل هذا يمكن أن يصدر فى يوم واحد أو يومين، مع ملاحظة أن هذه الصيغة الخاصة بالإحصاءات صيغة عتيقة محفوظة منذ عشرات السنين، مع علم أصحابها، بأن «جوجل» على سبيل

المثال، يتيح آلاف الإحصاءات بضغطة زر، ومجانا، وأنت جالس على مقعدك فى المنزل، مما يشير إلى تخلف تشريعى مخز، يعكس تخلفا علميا أكثر مدعاة للخزى والعار حقا.
ويتكرر الأمر بالنسبة لإدارة تعليمية أخرى، حيث ضرورة تنوع «العينة» التى تجرى عليها الباحثة المسكينة دراستها.. بنفس الصيغة، ونفس التعليمات..
وكذلك يصدر خطاب بخط اليد، إلى السادة مديرى التعليم ببعض الإدارات التعليمية، من مسئول الأمن بمحافظة القاهرة، بعد أن يحكى حكاية الباحثة وبحثها، وبالشروط نفسها، بأنه ليس لدى الأمن مانع.
وهكذا تتكرر الخطابات من عدة إدارات تعليمية، يعقبها صدور موافقات أمنية متعددة، طبعا بعد أن تقدم الباحثة طلبا ترجو فيه السماح لها بتطبيق استبيان علمى على طلاب بعض المدارس.
ويصل هذا الأمر إلى أن يدخل الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بجلالة قدره على الخط، فهو الحارس الأمين على تلك الأسرار الحربية العميقة، التى لو وصلت إلى يد مواطن، يمكن أن يهتز الأمن المصرى، وتهتز مكانة الوطن، ويكون ذلك فى صورة «قرار» رقم كذا لسنة كذا، يقوم على الاطلاع على القرار الجمهورى رقم كيت، لسنة 1964، بشأن إنشاء وتنظيم الجهاز (أى منذ 58 عاما، جرت فيها المياه الأمنية والعلمية بتغيرات، لم يسمع التشريع عندنا بها)، وكذلك بعد الاطلاع على كيت وكيت، يبشرنا الجهاز بأنه: قرر: السماح للباحثة بإجراء بحثها، بعد اطلاعه على نص الاستبيانين، وذكر عدد صفحات كل منهما مدعاة للسرية الخطيرة والأمر الجلل، والتشديد على مراعاة سرية البيانات!
بالتأكيد، نحن حريصون جميعا على أمن مصر، لكن: ألا يوجب مرور ما يقرب من ستين عاما على التشريع الخاص بالتعامل مع المعلومات، وكذلك ما حدث لوسائل الاتصال وإتاحة المعلومات لسكان الكرة الأرضية فى ثوان، وبضغطة زر، وأنت فى منزلك، على مسئولينا أن يفكروا كيف تتغير تشريعات المعلومات فى مصر بما يوفق بين الأمرين، ومن ثم يعين التشريع على تقدم البحث العلمى فى مصر، بدلا من تكبيله بالقيود؟!