عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الثقافة والمواطنة والأمن القومى

 

تعتبر الثقافة ذات أهمية خاصة لأي مجتمع ولأي نظام سياسي حيث لا تقاس أهمية المجتمعات بقدراتها المادية أو الاقتصادية وحدها، وإنما تقاس أيضاً بقدراتها الفكرية والمعنوية وقدرتها على الإسهام في الحضارة الإنسانية وما تنطوي عليه من فكر وقيم وسلوكيات، فضلاً عن الإسهام في تحديد خصوصية المجتمع وتماسكه وترابط المواطنين وبحيث يكون ما يجمع بينهم أكبر مما يفرقهم، وهذا هو دور الثقافة في المجتمع المعاصر سواء فهمت هذه الثقافة بمعناها العام، أو فهمت في إطار سياسي محدد هو الثقافة السياسية، ولذلك فإن ما يوجه من موارد مالية من الدولة إلى مجال الثقافة هو نوع من الاستثمار إن لم يكن أعلى أنواع الاستثمار لأن العائد من هذا الاستثمار البشري والفكري ينعكس إيجاباً على الجميع ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الأساسية التالية:

أولاً: إن الثقافة بالنسبة لمصر تعتبر من العناصر المهمة للقوة الناعمة SOFT POWER ويقصد بذلك الثقافة بمعناها العام ومكوناتها المختلفة من الأدب والشعر والمسرح والسينما وثقافة الطفل وغيرها من مظاهر الإبداع الأدبي والفني التي تعتبر أداة مهمة مكملة للأدوات السياسية والدبلوماسية ويمكن أن تفوقها في بعض الأحيان وذلك على نحو ما نشهده من تأثير كبير للثقافة المصرية في المنطقة العربية في فترات زمنية طويلة، ولذلك فإن مصر وهي تستعيد دورها على المستويين الإقليمي والدولي فإن أحد العوامل المهمة المؤثرة على استعادة هذا الدور هو المكون الثقافي، فتأثير مصر على منطقتها العربية في فترات سابقة لم يكن معتمداً على الجوانب الاقتصادية أو العسكرية بل كان معتمداً على الثقافة المصرية وهو ما ترتب عليه انتشار اللهجة المصرية والسينما والمسرح والشعر والقصة ومختلف فنون الإبداع المصري الثقافي في المنطقة العربية وكان ذلك من أدوات توثيق الروابط بين مصر ومنطقتها العربية، ويجعل من الثقافة المصرية عاملاً محورياً إضافة إلى العوامل الأخرى السياسية والدبلوماسية في تدعيم دور مصر في محيطها الإقليمي.
ثانياً: إن الدستور المصري الجديد والذي تم الاستفتاء عليه وإقراره في مطلع عام 2014 قد أعطى أهمية خاصة للثقافة وجعلها من حقوق المواطنة، وبعبارة أخرى فإن هناك حقوق ثقافية للمواطن المصري كفلها الدستور إضافة إلى الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما نصت عليه المادة 48 من الدستور التي جعلت الثقافة حقاً لكل مواطن تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي مع إعطاء اهتمام خاص بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجاً، ويستخلص من هذا النص الدستوري أن المواطن المصري قد أصبح له حقوقه الثقافية التي يجب أن يحصل عليها وتصل إليه في أماكن تواجده وبصرف النظر عن حالته الاقتصادية مع الاهتمام بصفة خاصة بأطراف الوطن والمناطق النائية مثل حلايب وشلاتين ومطروح والنوبة والصعيد وسيناء وغيرها من مناطق الوطن، ولعل المنطق في ذلك أن

مصر ليست العاصمة والمدن الكبرى فقط وهذا ما يستدل من عبارة أن الثقافة حق لكل مواطن ويعكس ذلك بالضرورة تدبير الإمكانات المادية والمالية لتحقيق هدف الوصول بالثقافة إلى المواطن في أماكن تواجده.
ثالثاً: إن الثقافة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي والمواطنة ومكافحة الإرهاب، فمكافحة الإرهاب وخصوصا على المدى الطويل لا تقتصر فقط على الإجراءات الأمنية رغم أهميتها بل هناك دور أيضا للثقافة والقيم الإيجابية والفكر المستنير وقبول الآخر والاعتراف بالتعددية ووجود قيم التسامح والتنوع والبعد عن التعصب وهو ما يمكن أن تحققه الثقافة، ويضاف إلى ذلك أن الإرهاب يجد البيئة المواتية في غياب الإطار الثقافي المناسب والخواء الأيديولوجي والفكري، ويعني ذلك أن الثقافة يمكن أن تكون حائط الصد الأول ضد انتشار الإرهاب، كما أن الثقافة تزيد من عناصر التشابه والتجانس بين المواطنين وتعمل على تحقيق التكامل القيمي وبحيث يكون ما يوحد بين أفراد المجتمع أكبر مما يفرق بينهم وهو ما يطلق عليه بالمصطلحات السياسية «التكامل القومي» والذي ينعكس في حالة تواجده إيجابياً على الاستقرار السياسي للمجتمع وللنظام السياسي، كذلك يمكن أن يكون للثقافة وما تغرسه من قيم في المواطنين دوراً إيجابياً في التأثير على عملية التنمية لأن توافر قيم ثقافية معينة مثل التعاون والعمل الجماعي والمبادرة يمكن أن ينعكس إيجابياً على عملية التنمية وهي من التحديات المهمة التي تواجه الوطن في هذه المرحلة.
رابعاً: إنه من المرغوب فيه توفير الحكومة الاعتمادات المالية اللازمة للنهوض بالثقافة حيث يعتبر ذلك نوعاً من الاستثمار الآجل  في مستقبل الوطن ويساعد على تحقيق التكامل القومي والاستقرار السياسي ومواجهة الإرهاب ودعم السياسة والدبلوماسية المصرية على المستوى الإقليمي، وربما يتطلب الأمر في هذا الإطار تعاوناً ثقافياً عربياً أو الدعوة إلى مؤتمر للتعاون الثقافي نظرا لما يمكن أن تحققه الثقافة من آثار إيجابية سواء بالنسبة لمصر أو للمنطقة العربية.


أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة