عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

التعصب المذهبي جهل ببديهيات الإسلام

بوابة الوفد الإلكترونية

يقول الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}ويقول صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ] ويقول: [هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ].

من مظاهر يسر الإسلام التي يدركها كل فاهم لهذا الدين أنه يمكن لنصوصه أن تعطي أكثر من مدلول وبالتالي يمكن أن تتعدد طرق تطبيق هذه النصوص، ومن ثم نشأت فكرة المذاهب الفقهية المختلفة والمتعددة، فمنذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم اختلف أصحابه بين يديه في فهم نصوص الشرع بما تسمح به مقاصد الشرع وقوانين استنباط أحكامه ولغة العرب التي ارتضى الله لخلقة أن تكون هي وعاء الشريعة وأداة من أهم أدوات فهمها، فمن ذلك على سبيل المثال ما رواه البخاري بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة الأحزاب قال:[لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ] فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم.
فالنص الشريف مدلوله الحقيقي يأمرهم بصلاة العصر في بني قريظة فعمل بعض القوم بظاهر النص وحقيقته وأبوا أن يصلوا إلا في بني قريظة، وحمل بقية الصحابة النص على المجاز وأنه كناية عن الإسراع في السير وأن النبي لم يرد حقيقة النص وهذا فهم صحيح على قانون لغة العرب.
وهكذا اختلف الصحابة في فهم النص بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم بل روي عنه صلى الله عليه وسلم: [اختلاف أصحابي رحمة لأمتي]، ويقول القاسم بن محمد: لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيرا منه قد عمله.
اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفسد خلافهم للود بينهم قضية ولم يتعصب واحد لرأيه ولم يتهم أحدهم من خالفه في الرأي بالبدعة أو الفسق ولم يرمه بالكفر أو الضلال، وذلك لأن الجميع يعلم أن كل هذه الفهوم مستمدة من مشكاة النبوة،
وكلهم من رسول الله ملتمس *** غرفا من البحر أو رشفا من الديم.
وهكذا صارت الأمة من بعد الصحابة إلى يومنا هذا –فيما عدا قلة من المتعصبين الذين لم تنضج معارفهم عن الإسلام فغابت عنهم هذه الحقيقة البدهية- على هذا المنهج الرصين، يروى أن الخليفة المنصور قال لمالك قد عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ ثم أبعث في كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة وآمرهم بأن يعملوا بما فيها ولا يتعدوه إلى غيره فقال يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا فان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان وأخذ كل

قوم بما سبق اليهم ودانوا به من اختلاف الناس فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم.
فالإمام مالك يرى أنه لا يجوز له أن يجبر الناس على مذهبه لأنه لم يحط بكل العلم ولم يستوعب مذهبه كل علوم الصحابة وإنما أخذ بعلم أهل المدينة فقط، وهناك علوم كثيرة وفهوم متعددة حملها معهم الصحابة الذين تفرقوا في بقاع الأرض.
انظر إلى نبذ العلماء الأكابر للتعصب في قول أبي حنيفة: قولنا هذا رأيٌ، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا. وقول الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. وقول أحمد: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه. وقول سفيان الثوري: إذا رأيت الرجل يعمل بالعمل مما اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه. ثم استخلص تلامذة هؤلاء الأكابر وأتباعهم قاعدة ذهبية تتحطم فوقها صخرة التعصب المذهبي هذه القاعدة تقول: "إنما ينكر المتفق عليه ولا ينكر المختلف فيه"
هؤلاء هم الأئمة الذين حفظ الله بهم دينه فما لنا نتنكب طريقهم ولا نخطو على نهجهم، قال ابن قدامة المقدسي: وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام، مهد بهم قواعد الإسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام، اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة.
هؤلاء هم سلفنا الصالح الذين يحق لنا أن نفخر بانتسابنا إليهم وننتشي إذا سرنا سيرهم،
أولئك آبائي فجئني بمثلهم  ***  إذا جمعتنا يا جرير المجامع
هذه الحقيقة البدهية وهي أن نصوص الشرع قابلة للتطبيق بأكثر من طريقة حين غفل عنها بعض المسلمين تعصبوا لوجهة نظرهم التي لم يطلعوا على غيرها، بينما أدركها معظم المسلمون فلم نجد بينهم هذا التعصيب المقيت حتى إنهم من شدة ادراكهم لهذه الحقيقة صاغوها في حكمة رائعة بديعة يرددونها في كل خلاف ينقل عن العلماء فتجدهم يقولون: "كل شيخ وله طريقة". والله الموفق.