تفسير قول الله خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب
التدبر فى كتاب الله من اسباب زيادة الايمان والثبات على الحق وقال تعالى فى سورة الطارق
{ فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب } وقال الشيخ محمد عاشور الازهري هذه الآية من الآيات العلمية التى ما كان العرب يعرفون عنها شيئا ، وبالتالى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم " ليعلم عنها شيئا لولا نزول القران عليه من الله " والله يعلم وأنتم لا تعلمون " وذلك من أدلة صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعواه الرسالة .
وقد ظل الناس قرونا طويلة يجهلون كيف يتخلق الجنين فى بطن أمه حتى نزل القرآن فبين ذلك بدقة فى سورة " المؤمنون " ووضحه النبى صلى الله عليه وسلم فى حديثه ، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى .
وبين أن الإنسان يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة .
والمفسرون للقرآن والشارحون للأحاديث كانوا يوضحون ذلك حسب المعلومات التى كانت عندهم مع استعانتهم بمعانى الألفاظ العربية التى نزل بها القرآن والترائب هى عظام الصدر، وهل المراد صدر الرجل ، أو صدر المرأة الذى يقابله الصلب فى الرجل ؟ رأيان وإليك نموذجا من التفاسير :
(أ) جاء فى تفسير القرطبى أن الإنسان يخلق من ماء الرجل الذى يخرج من صلبه العظم والعصب ، ومن ماء المرأة الذى يخرج من ترائبها اللحم والدم ، وقيل من صلب الرجل وترائبه ، ومن صلب المرأة وترائبها . ولم يوضح كيف تم الخلق بهذه الصورة .
(ب ) جاء فى تفسير الجواهر للشيخ طنطاوى جوهرى معتمدا فيه على ما فى تفسير الفخر الرازى : أن الدماغ مركز الإدراك وخليفته فى الجسم النخاع الشوكى المخزون فى الصلب ، والنخاع له شعب كثيرة تصل إلى جميع أجزاء الجسم . ولن يتم اجتماع الرجل بالمرأة إلا بقوة الحس عن طريق الدماغ والنخاع الذى فى الصلب ، وكذلك بوجود زينة المرأة التى يغلب أن تكون على ترائبها ، أى على صدرها ، ولذا عبر عن الرجل بالصلب وعن المرأة بالترائب وهذا فحوى كلام الرازى وجوهرى ، وهو تفسير سطحى لعملية تكوين الجنين .
(ج ) وجاء فى تفسير القاسمى : أن المنى باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شىء ممتد بين الصلب -فقرات الظهر فى الرجل -والترائب أى عظام صدره ، وذلك الشىء الممتد بينهما هو الأبهر " الأورطى " وهو أكبر شريان فى الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا .
ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة ، ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شريانى الكليتين وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذيانهما ، ومن دمهما يتكون المنى فى الخصيتين ويسميان بشريانى الخصيتين أو الشريانين المنويين ، فلذا قال تعالى عن المنى
{ يخرج من بين الصلب والترائب } لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطى أو الأبهر .
(د) هذا بعض ما جاء فى كتب التفسير، وهى محاولات لتقريب المعنى إلى المعهود الآن مما وصل إليه العلم ، ولا شك أن الكشوف العلمية تتقدم يوما بعد يوم ، ثم رأينا فى أبحاث للمتخصصين أن الغدد التناسلية فى الجنين تكون أصلا فى المنطقة الواقعة بين عصام الظهر "الصلب " وعظام الصدر " الترائب " وهذا ما يدل عليه قوله تعالى {يخرج من بين الصلب والترائب } سواء منه الذكر والأنثى، فهى تخلق فى نفس المكان ، ولعل مما يؤكد ذلك قوله تعالى { واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم } فكلمة " بنى آدم " تشمل الذكر والأنثى، وتفصيل ذلك يرجع فيه إلى المختصين ، وبخاصة فى علم الأجنة.