هل يجوز تحديد قيمة الربح فى التجارة
يسأل الكثير من الناس عن حكم تحديد قيمة الربح فى التجارة فأجاب الشيخ مدين الأزهري فقال هناك آداب كثيرة للتجارة ، بعضها يتصل بالأشكال كصيغ التعاقد ، وبعضها يتصل بالمعانى كالأمانة والصدق والقناعة ، ومما ورد فى ذلك حديث " التاجر الصدوق يحشر يوم القيامة مع النبيين والصدِّيقين والشهداء " رواه الترمذى وحسنه ، وحديث " من غشنا فليس منا " رواه مسلم وحديث " من بايعت فقل لا خلابة " أى لا خديعة . رواه مسلم ، وحديث " لا تتلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق " رواه البخارى ومسلم ، وحديث " إياكم وكثرة الحلف فى البيع ، فانه ينفق ثم يمحق " رواه مسلم ، وحديث : " رحم اللَّه رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى " رواه البخارى ، وحديث " البيعان إذا صدقا ونصحا بورك لهما فى بيعهما ، وإن خانا وكذبا محقت بركة بيعهما " رواه البخارى ومسلم .
تدل هذه النصوص وغيرها على الاهتمام بالناحية الخلقية فى التعامل التجارى وغيره ، وأهمها الصدق والقناعة والسماحة .
وتفريعا على ذلك إذا أراد التاجر أن يبيع سلعة فهو يطلب فيها ثمنا أعلى من ثمن الشراء ، ليتحقق الكسب المقصود من التجارة وهذا الكسب ليس له قدر معين ، فللتاجر أن يحدده كما يشاء بشرط عدم الاستغلال وعدم الكذب . ويشملهما عدم الغش .
والاستغلال يصور مثلا بألا يكون هناك تاجر غيره يملك هذه السلعة فهو يحتكرها ويفرض السعر الذى يريده ، لعلمه أن المشترى مضطر إليها ، أو يطمع فى كسب كبير لأن المشترى ذو مال كبير لا يهمه السعر الذى يشترى به .
والكذب يصور مثلا بأن يقول له المشترى ، سأعطيك ربحا معينا فوق ثمن الشراء ، وطلب منه أن يذكر له الثمن الأصلى ، فالتاجر يذكر ثمنا أعلى ، وقد يلجا إلى الحلف لتأكيد ذلك .
أما إذا خلا البيع من الاستغلال والكذب بكل الصور والأشكال فلا تحديد للربح الذى يريده ما دام الطرفان راضيين بذلك . ويُسَن أن يكون ربحا معقولا ، رحمة بالمشترى وقناعة بالقليل ، ودعاية له بين الناس ليكثر المتعاملون معه ، وفى ذلك خير له وللنشاط الاقتصادى بوجه عام .
هذا ، وما ذكر فى بعض الكتب الفقهية من أن الربح لا يزيد على العشر أو الثلث فلا دليل عليه من القرآن أو السنة . ولعل القائل بذلك أخذ قوله من واقع الحال فى بلده وفى زمنه ، حيث كانت المصلحة فى تحديد الربح ، على نسق ما يقال فى جواز التسعير للمصلحة .
هذا ، وقد تحدث الإمام الغزالى فى كتابه " إحياء علوم الدين " عن الإحسان فى المعاملة فذكر أن الغبن هو الغالب فى التجارة وهو
ومن رتبة الإحسان المندوب - وهو فوق رتبة العدل الواجب - أن يكون الغبن والربح ، معتادا ، أى يجرى عليه غالب التجار . ونص عبارته :
وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور ، الأول فى المغابنة ، فينبغى ألا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به فى العادة . فأما أصل المغابنة فمأذون فيه ، لأن البيع للربح ، ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ، ولكن يراعى فيه التقريب ، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتاد أو لشدة رغبته أو لشدة حاجته فى الحال إليه فينبغى أن يمتنع من قبوله ، فذلك من الإحسان . ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما . وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ، ولسنا نرى ذلك ، ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن .
انتهى "ج 2 ص 72 طبعة عثمان خليفة " .
وأشار الشيخ يوسف الدجوى المالكى إلى أن البعض قال إذا وصل الغبن الثلث فأكثر من قيمة السلعة فسخ البيع إن قام المغبون فى أثناء السنة من يوم البيع ، وأفتى به بعض العلماء ولكن رده ابن رشد بقوله :
إنه غير صحيح ، لحديث " لا يبع حاضر لباد،دعوا الناس فى غفلاتهم يرزق اللّه بعضهم من بعض " . وذكر أنه لا يجوز الرد بالغبن ولو خالف العادة فى القلة والكثرة إلا إذا كذب فى ثمن الشراء فللمغبون الرد بلا خلاف ، أما الخلاف فهو إذا كان المغبون جاهلا من غير استسلام لما يقول البائع ، فإن كان عارفا فلا رجوع له اتفاقا ، فإن استسلم فالرد متفق عليه " مجلة الأزهر مجلد 5 ص 244 ، 245 ".