رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د. جابر عصفور: رفع علم السعودية في ميدان التحرير ترك «مرارة» في حلقي!

بوابة الوفد الإلكترونية

ذات مساء وعلي ضوء خافت وفي جو هادئ في مدينة المحلة الكبري وقعت في يد الطالب - وقتها - جابر عصفور، رواية «الأيام»

لطه حسين، قرأ عصفور الرواية ثم وضعها تحت «مخدة» سريره، وتهيأ للنوم لكن من أين يأتي النوم والأيام - الرواية - تحت رأسه؟
نهض مرة ثانية، وبدأ في إعادة قراءتها أكثر من مرة، تباشير الصباح أزاحت ظلمة الليل، ومازال «عصفور» يعيد قراءة الرواية، النعاس بعد أن طارد عينيه، تغلب عليه، فنام، في الصباح استيقظ فوجد الرواية بين يديه، وفي رأسه حلم يريد تحقيقه، وضع الرواية جانباً، ثم نهض - علي طريقة أرشميدس - وقال: «لازم أكون زي طه حسين».
لقد فتن - د. عصفور - بالأيام وبصاحبها، حتي إنه حفظ كلمات الرواية عن ظهر قلب.
مرت السنوات وهو يعمل لهذا الحلم الذي تحقق بالنسبة له - كما أراد - عندما دخل كلية آداب القاهرة قسم اللغة العربية فيها، وتفوق حتي أصبح في يوم ما جالساً علي المقعد الذي جلس عليه طه حسين رئيساً لقسم اللغة العربية في الكلية.. وتحقق الحلم.
ذهبت له في شقته في الدقي، علي الباب يضع ورقة بأسماء الصحف التي يقرأها حتي يشتريها البواب، في الشقة وجدته جالساً في مكتبه وسط أمهات الكتب، وحاولت أن أعود معه لذكريات الطفولة والصبا في رمضان أيام المحلة الكبري.. فكانت السطور التالية:
> إذا ما عاد د. جابر عصفور إلي رمضان في الطفولة والصبا.. كيف يجده؟
- أنا فاكر رمضان في شهر أغسطس مثل هذه الأيام وكان هذا في مدينة المحلة الكبري، وكنت في بداية مراحل التعليم وكنا نسير بحثاً عن مكان فيه «ظل» لنقف فيه من شدة الحر وكنا تقريباً لا ننام.
> يومك الرمضاني في هذه الأيام.. كيف كان؟
- أيام الدراسة كانت المدة قليلة مثل السنوات الأخيرة التي جاء فيها رمضان أيام الدراسة، للأسف كل شيء في رمضان في مصر يتحول إلي «لهو» ولا أحد يعمل.
> مع أنه شهر الدين والتقوي؟
- بالضبط كده.. التقوي تحض علي العمل، لكننا شعب ورث رمضان وهو مرتبط فيه بالأكل والشرب، وليس العمل.
> زمان أم اليوم؟
- زمان واليوم.. بالعكس هذه الأيام، أضيفت لذلك المسلسلات الرمضانية وبرامج التليفزيون.
> خلينا زمان - رمضان - ما أنواع التسلية فيه؟
- كانت الإذاعة ومحطاته قليلة منها: صوت العرب وصوت أحمد سعيد الذي كان يجلجل ويوحد العرب من المحيط إلي الخليج.
> يومك في ذلك الجو الرمضاني متي كان يبدأ؟
- استيقظ في الصباح وبعد ذلك أذهب لشراء متطلبات الأسرة مثل قمر الدين، ونصف اللفة كانت ما يساوي «قرشاً» أو أقل، و«الزبيب» كان يعطي لنا مجاناً ولا أعرف لماذا كان يباع وقتها نوعاً من أنواع السمك اسمه «بكللا» وأنا لا أذكر في رمضان إلا شيئين، الأول هو شعائر الطعام، والثاني هي الشعائر الدينية.
> شعائر الطعام معروفة، كيف كانت الشعائر الدينية في مدينة المحلة؟
- من أهم الشعائر هو استعادة علاقتنا بالله، حيث نبدأ بزيارة الجوامع في المحلة الكبري، وأنا كنت مرتبط روحياً بمسجد سيدي «عطاء الله السكندري» وأهل المحلة أو أغلبهم لا يعرفونه ولا يعرفون أنه غير مدفون بالمسجد.
> إذن لماذا سمي المسجد علي اسمه؟
- أحد المماليك في المرحلة المملوكية كان متصوفاً وأنشئ هذا المسجد كنوع من التبرك لسيدي عطاء الله السكندري.
> ومن هو الشيخ عطاء الله السكندري؟
- هو واحد من متصوفة القرن السابع وهو من تلاميذ أبي الحسن الشاذلي وكنت أذهب لصلاتي العصر والمغرب في المسجد، وكانت تربطني علاقة طيبة بشيخ المسجد واسمه عبدالسلام، وكان هذا الرجل مستشاري وموضع أسراري، والمصدر الذي أتوجه إليه لأحكي له عن كل الذنوب التي ارتكبها.
> وبعد صلاة العصر والانتهاء من متطلبات الأسرة.. إلي أين كنت تتجه؟
- إلي خارج مدينة المحلة مع الأصدقاء في منطقة كانت تطل علي شاطئ من شواطئ النيل.
> ولماذا المكان هذا بالتحديد؟
- لأن مدفع الإفطار كان ينطلق من هناك حيث كان موضوعاً علي شاطئ النيل وفي اللحظة المناسبة يظهر الجندي المكلف بإطلاق المدفع وسط أعداد كبيرة من أطفال المحلة الكبري، وما إن ينطلق المدفع حتي ننطلق نحن فرحين بانتهاء الصيام.. نعود لمنازلنا ونجلس لنتناول الإفطار ونحن نستمع للإذاعة وكان الراديو عبارة عن صندوق خشبي بداخله لمبة تشع ضوءاً أخضر وكان يقال لنا لا تنظروا إلي هذا الضوء.
> لماذا؟
- كانوا يقولون إن هذا المصباح الأخضر - الذي هو بداخل الراديو - يصيب من يراه بالجنون.
> وهل أصيب أحد بالجنون منه؟
- لا.. وأنا علي الأقل لم أصب بالجنون.. وكان الراديو هو التسلية حتي موعد انتهاء الإفطار، بعدها تتفرق الأسرة كلها.
> وأنت ماذا تفعل بعد الإفطار؟
- أخرج لصلاة العشاء في مسجد ابن عطاء الله وننطلق حتي السحور، ونري كل مظاهر الاحتفال الرمضاني في مدينة المحلة الكبري، وهي مدينة كانت متدينة جداً.
> وما سبب هذه الحالة؟
- في ظني كثرة الجوامع فيها، لدرجة أن عدد المساجد فيها كبير، ولدرجة أنها تعد المدينة الثانية من حيث عدد الجوامع بعد القاهرة، وذات مرة حاولت إحصاء عدد مساجد المدينة، فوجدتها وقتها - أكثر من 500 مسجد وزاوية في المدينة فقط.
> يمكن لوجود أولياء الله الصالحين بنسبة كبيرة فيها؟
- ممكن.. إنما كل المدن الصغيرة، ستجد فيها الحس الديني، وأي رجل طيب، صالح الخلق، كان يتحول بعد وفاته إلي واحد من أولياء الله، ويقام له مقام، ثم تأتي التبرعات لإقامة المساجد، وفي المحلة بالتحديد هناك مجموعة من المساجد الأثرية القديمة وبعضها يعود للعصر العثماني والمملوكي ولهذا السبب هناك مكتب من المجلس الأعلي للآثار للرعاية والإشراف علي المساجد الإسلامية التي أبرز ما تكون في المحلة وهي ثروة، وأشهرها مسجد «المتولي» وهو مسجد أثري قديم من العصور الأولي.
> مسحراتي المحلة.. كيف كان؟
- لم يكن مسحراتي واحداً.. كان فيه أكثر من مسحراتي. في البداية نسير وراءه، وكان يخاطب رب الأسرة، بكلمات جميلة لكل أفراد الأسرة،

ورغم أن المسحراتي ظهر بعد ذلك في الإذاعة، إلا أن الاعتماد كله كان علي المسحراتي البشري، الذي ينادي الناس علي الطبلة، بعد ذلك كبرت وجئت للقاهرة وفيها رمضان كان مختلفاً.
> كيف؟
- أولاً.. الامتحانات تأتي بعد رمضان، في القاهرة بدأت أتعلم كيف أتوقف عن الذهاب إلي المسجد، وأذاكر في المنزل، وكنت «ناوي» علي التفوق وأدخل الجامعة حتي أكون طه حسين.
> طه حسين مرة واحدة؟
- آه.. طبعاً.. من أول سنة في الجامعة، ولذلك تجدني قد اخترت قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة القاهرة لكي أكون مثل طه حسين.
> ولماذا طه حسين؟
- لأنه فتنني عندما قرأت له رواية «الأيام»، فقررت من يومها وبعناد طفولي أن أكون مثل هذا الرجل العبقري الذي أكاد أكون حافظ الرواية كاملة في ذلك الزمان.
> دخلت كلية الآداب وقسم اللغة العربية؟
- نعم.. ووقتي كان كله ما بين الدراسة أو المذاكرة، بهدف تحقيق هذا الحلم، وكنت أسكن في الجيزة، وكانت جميلة في ذلك الوقت، وكنا نفطر في شوارعها في طقس جماعي، بعدها أعود لمنزلي للمذاكرة، وأصبحت معيداً في القسم وظللت حتي أصبحت رئيساً للقسم الذي كان يرأسه في يوم ما طه حسين.
> وتحقق الحلم؟
- الحمد لله.. رمضان كان - ضمن زمن جميل - مضي.
> طيب دعنا من زمن جميل - مضي - ونأتي إلي زمن حالي نحن نعيشه.. رمضان 2011؟
- جاء رمضان هذا العام بأسئلة كثيرة جداً حرجة ومقلقة وليس لها إجابة.
> لماذا؟
- لأننا لا نعرف إلي أين نسير؟.. وإلي أي طريق سينتهي بنا الأمر.. أظن أن جزءاً من القلق الذي يشعر به الناس في رمضان هذا العام، هو عدم القدرة علي الإجابة عن هذه الأسئلة، الشعب المصري منذ 25 يناير وحتي 11 فبراير عاش ثورة مجيدة جداً بمعني الكلمة، وهي ثورة صنعها الشعب بكل أطيافه دون أن يري أحد بقيادته لها، قام الشعب بطليعته الشبابية ثم التحم الجميع فيها.
> بعد 11 فبراير.. ماذا حدث؟
- في 11 فبراير رقص الشعب وغني للحرية والعدل والمساواة والتقدم.. حيث كانت هناك شعارات محددة وهي التغيير والحرية والعدل.. ولكن للأسف لا التغيير حدث كما غني الناس ولا العدل قد تحقق ولا الحرية.
> طيب إيه اللي حصل؟
- اللي حصل.. هو استبدال الحرية بنوع من الفوضي، والعدل أصبح حلماً يزداد بعداً وأصبح عسيراً علي التحقيق فيما يبدو الآن.. واستقلال الوطن أصبحت تثار حوله أسئلة غريبة جداً، خاصة عندما تري مظاهرات سلفية ترفع في ميدان التحرير أعلام السعودية.
> وهل هذا ينتقص من استقلال مصر؟
- اسأل نفسك.. ماذا حدث لاستقلال البلد، الذي كان هو - ومازال - أعظم البلدان العربية وأقدرها وأعظمها قدرة علي الريادة والقيادة.. هل وصل بنا الأمر إلي أن يرفع مجموعة من المصريين أينما تكون صفتهم علم السعودية في ميدان التحرير.
> هل أزعجك ذلك؟
- أوجعني هذا.. خاصة أن هذا حدث في الجمعة السابقة علي رمضان مباشرة.
> وهل ثمة ارتباط ما بين هذا وذاك؟
- طبعاً.. وأنا لم يدم قلبي شيئاً ومراراته مازالت في حلقي حتي الآن، مثلما حدث عندما رأيت علم السعودية مرفوعاً في وسط القاهرة.
> البعض يقول إن الذي رفعه مجموعة قد لا تكون لها قوتها أو قيمتها؟
- مع التسليم بذلك.. إنما أن ترفع علم دولة غير دولتك، في هذا دلالة علي أنك فقدت استقلالك، وليست هذه المرة الأولي، بل رفع من قبل في مدينة قنا، وأنا لا أستبعد أن هناك ارتباطاً ما، ما بين هذه الجماعات وبين المملكة العربية السعودية.
> والحل؟
- أن يدرك الجميع أنه لا يمكن لفصيل واحد أن يصنع مستقبل مصر، لن يصنعه إلا كل الفصائل الوطنية، وإذا اجتمعت كل هذه الفصائل علي حد أدني من الاتفاق، وقتها ممكن نجد إجابة للأسئلة السوداء التي تنتابني، والتي تنتاب أغلب المصريين.
> إذن الحل هو الاتفاق؟
- لا حل غيره.. وقتها سنشعر بالاطمئنان.. وإلا لا اطمئنان ولا أمان.