رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

زوجة مقهورة جدًّا

بوابة الوفد الإلكترونية

تقف السيدة العجوز داخل محكمة الأسرة بمصر الجديدة، يكسو وجهها الحزن وقد أكلت التجاعيد تفاصيل وجهها الشاحب، والدموع تملأ عينيها التى غاصت للداخل تشعر انها لا ترى. انحنى ظهرها تصلب طولها بشق الانفس. وتشعر أنها جاءت لتعمل اخر واجب لها فى هذه الحياة. يقارب عمرها السبعين. نعم تجاوزت العمر والفرح والحزن ولكن لم تستطع تجاوز الخيانة والغدر ونكران الجميل وقفت أمام قاضى المحكمة الذى اشفق كثيرا عليها ودارت فى رأسه عشرات الأسئلة، ماذا أتى بهذه العجوز لمحكمة الاسرة؟ ما المشكلة التى اتت بها الى هنا؟ من فعل بها هذا الفعل الشائن الذى دفع بها كى تقف هنا تحاول ان تخفى وجهها وحديثها عن الجميع؟

تشعر بالخزى والحزن كما يبدو عليها، ولكن جاءت يا لها من حياة أليمة دفعت بتلك العجوز الى هنا. لم تحتمل كى تكمل ما بقى لها من عمرها مع هذا الرجل، ولكن عاد الى جلسته وفورا طلب منها الجلوس مراعاة لسنها وشيخوختها وضعف قدرتها على الوقوف، وطلب منها الحديث وهى جالسة.

وبصوت مبحوح ملىء بالحزن والهم والخزى والعار دفعها كى تأتى فى هذا العمر لتطلب خلع زوجها، خلع حياتها السابقة، خلع هذا الحمل الذى انهك كاهلها ٤٥ عاما هى عمر زواجهما، نعم نصف قرن أنجبت وربت وزوجت اولادها ولديها من الاحفاد الكثير. جلست تروى قصتها تزوجت من الرجل الذى اخترته منذ 45 عاما وتحديت أسرتى من أجله خاصة أنه كان موظفا بسيط الحال لا يناسب مستوى اسرتى. ولا يمكن له ان يوفر لى ذات الحياة التى أعيشها فى منزل والدى. ولكن احببته من كل قلبى. قلت هذا هو من ارغب فى تكوين اسرة معه. منذ نصف قرن كان اختيار البنت لزوجها والاصرار عليه يعد من الكبائر. ولكن فعلتها من اجله.. وامام رغبتى واصرارى وافقت اسرتى على مضض.

تم زواجنا كنت سعيدة لأننى انتصرت لرغبتى وحبى واختيارى، شعرت ليلة فرحى أننى ملكت الدنيا وما فيها دعوت ربى وتمنيت أن يكون أبى مخطئا فى رأيه فى زوجى وزواجى وأن يأتى اليوم الذى يأتى ليقول لى انتِ أصبت فى اختيارك ابنتى وأن يخيب زوجى ظن أبى وأسرتى وأن يكون الرجل الذى تمنيه وأنه الاختيار الصحيح.

ولكن أنا التى خاب ظنها أنا التى تحطمت أحلامها. انا التى كان اختيارها صادما، وان أبى واسرتى كانوا على حق، فبعد زواجنا بأسبوع واحد فقط اكتشفت شخصيته الحقيقيه، فهو عصبى المزاج سليط اللسان كان لا يقصر فى ان يعتدى على بالضرب على أتفه الأسباب، لم أتمكن من اللجوء إلى أسرتى أو حتى الشكوى إليهم لأننى من اصررت عليه وخالفت رغبتهم وخوفهم علىّ من هذا الرجل، فقد كانت نظرتهم ثاقبة وأدركوا شخصية زوجة التى اعمانى عن معرفتها حبى له.

تحملت حياتى القاسية معه وأنجبت أربعة أبناء ليعيشوا معى نفسى المأساة عندما أدركوا واصبحوا يعون ما يحدث بينى وبين والدهم، رأيت فى عيونهم نظرات الحزن واللوم على اختيارى بسبب شخصية والدهم القاسية الذى ملأ حياتهم بالخوف والفزع، خاصة عندما كان والدهم يتحول الى شخص عصبى ولا يستطيع السيطرة على نفسه ويتعدى علىّ دون وعى ولا اعتبار لدموع اولاده والرعب الذى كان يحطم نفسيتهم.

فى كثير من الأحيان كنت أقضى أغلب وقتى حزينة أبكى على حالى وحال ابنائى، بسبب سوء اختيار شريك الحياة، كما شعرت بأن نصيبى من الحياة هو التعاسة لسوء اختيارى ومخالفتى لوالدى ووالدتى واصرارى على الزواج من هذا الرجل.

تحملت الكتير من زوجى خاصة أن

كل تصرفاته معنا كانت تتسم بالغلظة والعنف والقسوة، فكان على استعداد ألا يتحدث مع اطفاله لشهور طويلة دون أن يلين قلبه، حاولت الكثير معه بأن يتغير كما طالبته بالاهتمام بأبنائه لكن لا حياة لمن تنادى، وكأنه كان يرغب فى زرع الخوف والرعب فى انفسهم وان يعودهم على طاعته طاعةعمياء خوفا وليس احتراما، انه لم يشعرهم انه اب لهم فى يوم من الايام.

تنهدت السيدة العجوز، وقالت: مرت السنوات وأنا أعيش حياة كئيبة مليئة بالحزن والقهر... كبر الابناء وأنهوا دراستهم الجامعية والنزول إلى مجال العمل وتزوجوا. تمكنوا بجهدهم ودعمى ومحاولة الهروب من بطش والدهم من تكوين أسرهم الصغيرة وأصبح لكل واحد منهم بيته الخاص به، كل هذا حدث دون أن يشاركهم والدهم أى مظاهر سعادة أو فرح حتى عندما أصبح جدا ولديه احفاد كان يعاملهم بلا مبالاة وبقسوة ايضا.

ولأننى بلغت من العمر أرذله أصبت بأمراض الشيخوخة وبليت يداى بداء الرعشة وبدون قصد بدأت الاشياء فى الوقوع من يدى ليعايرنى زوجى بمرضى ويسخر منى أمام زوجات ابنائه، ولأول مرة أجد نفسى أصرخ فى وجهه وأعاتبه بشدة على سوء سلوكه معى ليقوم بطردى من المنزل فى هذا العمر أمام ابنائى، ويرفض اعادتى إلى بيتى مرة أخرى رغم محاولات ابنائي وأحفاده وتوسلهم له، ولكن دون جدوى، بل زاد تجبرا وتسلطا، واصر على ابعادى عن بيتى الذى افنيت فيه حياتى وصحتى التى تدهورت واصبحت محل سخرية من زوجى الجاحد الناكر للجميل الخائن للعشرة.

من اجل كل هذا سيدى واشياء أخرى لا يمكن البوح بها لجأت لعدالتكم إلى محكمة الأسرة كى اجد العدل، وانجو فى ايامى الأخيرة من بطش زوجى، لم اعد استطيع تحمل قسوة هذه الحياة وأريد من عدالتكم طلاقى من هذا الرجل طلقة بائنة خلعا.. تنازلت عن كل حقوقى.. كما تنازلت عن عمرى وصحتى وكرامتى ورضا ابى.. اريد ان اتخلص من هذا القيد.. والالم.. اريد العدل.

وبعد اصرار الزوجة ورفضها الصلح والعودة الى زوجها، قضت المحكمة بخلع الزوجة من زوجها المتسلط.. وجاء فى حيثيات الحكم ان القسوة والاهانة والظلم تؤدى إلى التمرد مهما تأخر العمر والسن ومهما كبر الاولاد ومهما تعدد الأحفاد. عاد الامان الى العجوز وعادت ابتسامتها.. مع دموعها.. وكان آخر ما قالته فى قاعة المحكمة.. فليأتِ الموت.. الآن سأموت مطمئنة!