رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من قتل «منى طلعت»؟.. دماء متجمدة على رصيف المحلة

بوابة الوفد الإلكترونية

 

من قتل منى طلعت الششتاوى...؟.. من المؤكد أن بضعة ملايين من أبناء الوطن لا يعلمون شيئا عن هذا المسمى ولا هذه الشخصية، هى لا ترتدى الهوت شورت لرانيا يوسف فتتصدر وسائل الإعلام، ولن تكون محل احتفاء قارئ أو ملمح يعصف بالذهن، الملمح الفوتوغرافى الأكثر ألما وقسوة ومرارة هى جسد مسجى على رصيف مبنى حى أول المحلة الكبرى، ومغطى بقطعة قماش بالية، أكرر قطعة قماش بالية، هذا نص ما جاء فى إخطار شرطة نجدة أبناء الوطن لمدير أمن المحافظة، لكنها سيدة ينطبق عليها قول صلاح عبدالصبور رحمه الله «كآلاف من يولدون... لأن فقيرا بذات مساء سعى نحو حضن فقيرة فأطفأ فيها مرارة أيامه القاسية... فكانت هى»... لكننا نعاود التساؤل: «من قتل تلك السيدة التى فى عقدها الخامس؟».

مثلى كمثل العديد توقفت أمام إخطار المسئولين، يفيد الإخطار بتواجد جثة ماتت جراء موجة الصقيع، لكنها تجمدت أو قل ماتت على رصيف مبنى الحى، محاولة الاحتماء من قسوة البرد وأزيز حراك العظام فى الجسد، لكنها مرة أخرى المحلة الكبرى، لا أعلم لماذا وجدتنى أحزم حقيبتى الصغرى وبعض الأوراق وقلماً متوجها لاستقلال قطار الغلابة حيث مدينة المحلة الكبرى.

ليعاود السؤال طرق الرأس بقوة عبر محطات القرى التى يمر عليها قطار الفقراء، من قتل منى؟.. ثم تناوبت عبر الهاتف للحديث مع مجموعة من زملاء المهنة لإيجاد تفسير لحالة الموات، الإخطارات الرسمية تقول إنها ماتت جراء موجة البرد التى مرت بها البلاد، البيان الإعلامى للسيد المحافظ صاحب البذلة الأنيقة والصادر من مكتبه ينعى الفقيدة، تلك الجمل التى تتكرر بحروف مكررة ونمط متوالٍ، سواء كان المحافظ هو أو غيره. من قتل منى؟...

ووجدتنى متوقفا أمام مبنى الحى، محاولا تفحص المبنى، الرصيف الذى لاقت عليه المسكينة مصيرها، الموت بردا، رصاصة غير رصاصات الرحمة التى تطلق فتنتهى حياة الضحية، ثمة شيء ما يدفعنى للبحث، إن سرا وراء هذه السيدة، تساؤلات باتت تعصف متوالية، أمست أكثر شراسة، هل لها أهل يسألون عليها؟ هل كان فى جوفها لقميمات أقمن صلبها؟ من قتلها؟ هل استغاثت أو طرقت أبواب ذلك المبنى؟ ألها زوج وعيال؟ هل التقاها موظف الأمن بخيبة أمل لأنه عبد المأمور وليس فى يده ولا صلاحياته أن يدخلها ويسترها من البرد؟

< الموت="">

يقولون إن الموت بردا، موت أليم، موت يتسحب لأطراف الجسد، يبدأ بتجميد أطراف القدم فتتوقف دورة الدم عن السريان فتزداد ارتعادة الجسد، ارتعاشته، لا يقوى الشخص بعدها على النطق فقط تصطك أسنانه ثم متسحبا للجسد لأعلى، فيصل للقلب، فتذبل مقاومة الدم حيث تلاشت كل السعرات الحرارية لتزيد معدل الحرق، فتواجه ذلك الوحش البارد، فيستسلم للموات، موات ليس هادئا ولا مريحا موات قاسٍ.

الأوراق الرسمية قالت إن سيدة فى العقد الخامس لقت حتفها، اسمها منى طلعت الششتاوى تسكن بمنطقة سوق اللبن بمدينة المحلة الكبرى، لكن الأوراق الرسمية لم تذكر سر هذه السيدة، ذكره من شاهدوها، من التقت أعينهم بأعينها قبل الرحيل بسويعات، أقسموا إنها لم تكن تتسول كما ادعى بعض المسئولين، قالوا وأقسموا إنها كانت تطعم القطط،

كانت تشترى لهم طعامهم بجنيهات معدودة وتفترش الرصيف لتجاورها مخلوقات الله، قالوا إن القطط كانت تلتف حولها، وتبحث لتأتى بفوارغ علب الكشرى وتملأ الماء لهم، كانت جلسة عائلية من نوع مختلف، جلسة الآدمى صاحب القلب الذى حاز شرف تجلى صفة الرحمة من الخالق، جلسة آدمية جمعت ابن آدم بالحيوان، يطعمه ويسقيه ويحنو على القطط بيديه، لم تتسول ولم تكن تطلب من أحد شىء.

> سيدة العقد الخامس

أخبرنى محدثى الذى تعهدت له بعدم ذكر اسمه أنها كانت تأتى فى أوقات مختلفة تمر وتروح ولا أحد يعلم من أين أتت ولا لأين تروح، قال إنها كانت تجلس ثم تذهب، وإذا عرض أحد عليها مساعدة امتنعت بأدب، لكن الغريب فى الأمر هى الجنازة الروحية التى صاحبتها وقت الرحيل وقت أن اصطحبتها سيارة الإسعاف، حيث وفاء الحيوان للقمة العيش التى جمعت بين سيدة العقد الخامس والقطط، حيث تجمعت القطط فى المكان، ولا نعلم أهى تجمعت لتشييع الجثمان أم تودعه، أم تجمعت بحثا عن صاحبة اللقمة.

من قتل منى؟، من قتل سيدة العقد الخامس؟.. هل قتلها البرد؟، وعودة مرة أخرى إلى الأوراق الرسمية وبيان محافظة الغربية الذى افتتحه المحافظ بنعى السيدة، لينهى البيان بأن هناك وحدة تسمى الإنقاذ السريع تابعة لمديرية التضامن بالغربية، ولكننا لنا أيضاً الحق فى التساؤل أى إنقاذ سريع سيادة المحافظ وسيدة ماتت بردا؟..

حملت هويتى محاولاً التنقيب عما يسمى بوحدة التدخل والإنقاذ السريع وماذا فعلت من أجل المسكينة منى؟ أو ربما تكون هى وحدة على الورق، ككثير من الوحدات والأحلام والمؤسسات، هى أيضاً محض ورق على ورق، يكتفى العاملون فيها بفعل التوقيع فى الحضور وملء خانة الانصراف باسمهم، ربما..

مزيد من الإحصائيات والأرقام تصدرتها النشرات الإعلامية لوحدة الإنقاذ السريع أو ما يسمى بالإسعاف الإنسانى داخل وزارة التضامن الاجتماعى بالمديرية بالغربية، لكن هناك حقيقة أخرى غير التى تتصدر الصور وأغلفة مطبوعات الوزارة أن سيدة بمدينة المحلة الكبرى ماتت من البرد وبينما كانت تطعم القطط لم تجد ابن آدم الذى يحنو عليها.