رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوغلو يقود الدبلوماسية المصرية!

بالرغم من التردد وعدم الحسم اللذين يتسم بهما أداء مجلس الوزراء، وما قيل عن تدخل أمريكي لتسوية الأزمة، إلا أن ما يجري من ردود أفعال رسمية وشعبية حول جريمة انتهاك السيادة المصرية، وقتل عدد من الضباط والجنود المصريين،

على الحدود مع فلسطين المحتلة، يثير الارتياح ويبعث في النفس شيئاً من العزة، خصوصاً عند المقارنة بحقبة الرئيس المخلوع حيث كان نظامه يتفهم تماماً أولويات الأمن الصهيوني، ويقف صامتاً أو متفرجاً على  الانتهاكات الصهيونية المستمرة للسيادة المصرية، بل ويقمع أى تحرك شعبي لدرجة أنه كان من قبيل "الحلم" أن تذهب المظاهرات الطلابية أو الشعبية أبعد من أسوار جامعة القاهرة.

ومع الإعتراف بوجود جهاز دبلوماسي مصري قوي ومنتشر في العالم، إلا أن وجود بقايا فكر ورجال النظام السابق في هذا الجهاز، وكذلك في المراكز البحثية التي ترفده بالتقارير، فضلاً عن علاقات واشنطن المدنية والعسكرية في مصر، لابد أن يثيران التساؤلات حول رد الفعل المصري وهل سيذهب بعيداً على غرار رد الفعل التركي إزاء ضرب دولة الاحتلال أسطول الحرية؟

لقد تشابه رد الفعلان المصري والتركي، مع الفارق أن من يقود الدبلوماسية في أحد البلدين يمتلك "رؤية" لتركيا كقوة إقليمية كبرى، ويقود جهازاً دبلوماسياً ضخماً يتسم بالتناغم ووضوح الرؤية، وذلك على الرغم من دور الجيش التركي القو، والذي يمتلك علاقات قوية مع دولة الاحتلال.

أما في مصر "المرحلة الانتقالية"، فما زالت هناك تأثيرات قوية لعلاقات قوى دولية وإقليمية على السياسة الخارجية المصرية، وما زلنا بعيدين عن توظيف أساتذة العلوم السياسية الأكفاء، الذين هم في خبرة وجسارة وكفاءة الدكتور أحمد داوود أوغلو، إذ لا زال للأصوات البحثية الإنكفائية، والتي لا يترد بعضها في إلقاء اللوم على الضحية في فلسطين المحتلة، الصوت الأقوى الذي تتردد أصداؤه في جنبات المجلس العسكري والحكومة والمراكز البحثية الرسمية.

أما فيما يتعلق بالجيش المصري، فإنه بخلاف نظيره التركي، يدير البلاد رسمياً خلال الفترة الإنتقالية، ويملك نفس التأثير، إن لم يكن أقوى منه، على السياسة الداخلية منذ عام 1952م، ورغم فشل الولايات المتحدة في تغيير عقيدته العسكرية منذ توقيع إتفاقية كامب دافيد، إلا أنه ينبغي الإعتراف بوجود مخاوف من تكرار القادة العسكريين لسلوك الرئيس الراحل أنور السادات والمخلوع حسني مبارك، وكلاهما عسكريان، حيث اتسم سلوكهما بالتشدد في بداية الأمر وسرعان ما كان ينقلب إلى "كرم عربي" تجاه المطالب الصهيونية والأمريكية!.

النقطة الأهم، عند مقارنة رد الفعل المصري والتركي، تجاه الإعتداءات الصهونية، هي أن الرد التركي كان يرتبط بالأساس بدور نشط تجاه القضية الفلسطينية، استطاع أن يكون أحد الأسباب الهامة في إعادة تشكيل صورة تركيا لدى الرأي العام العربي، نظراً لأنه كان يؤكد على الحقوق الفسلطينية، ويساند في نفس الوقت الجهود الإنسانية لفك الحصار عما يقرب من مليون ونصف مليون إنسان في قطاع غزة.

أما رد الفعل المصري، ورغم إعجابنا جميعاً بقوته وشجاعته وكذلك إتساقه مع ردود أفعال الرأي العام، إلا أنه ارتبط بالأساس بانتهاك قوات دولة الاحتلال للحدود المصرية وقتل عدد من الضباط والجنود المصريين، والذي جاء بعد وقت قصير من إعلان وسائل إعلام صهيونية عن تعاون أمني مصري – صهيوني لمواجهة "القاعدة" في سيناء والتي نشطت ضد قوات الشرطة المصرية وخط الغاز.

إلى أين يتجه الوضع إذن؟!

إن وجود هكذا نوع من التعاون، وعدم التغير الملموس في السياسة الخارجية سواء من حيث رجالاتها أو محتواها الذي ينبع من المراكز الفكرية والعسكرية والسياسية، قد لا يؤدي إلى "ثبات" التحركات المصرية على غرار نظيرتها التركية، وقد يكون الضامن الوحيد لعدم حدوث "تغيرات" فجائية أو إنقلابية، تصب في مصلحة "العدو" هو الرأي العام والشباب المصري، الذي أثبت خلال

ثورته أن الأمن القومي المصري لا ينفصل عن الدفاع عن الإنسان الفلسطيني وإعادة الحقوق لأصحابها، وأن فلسطين هي رمز الصراع وبوابة الإنتصار، حسبما كتب مراراً المفكر محمد عمارة.

ولايفوتنا هنا أن نسجل، بحزن وغضب، مواقف بعض الباحثين المصريين، الذين استضافتهم فضائيات مصرية ليلة وقوع حادث مقتل جنودنا المرابطين على الحدود، فبدلاً من الحديث عن رد الفعل المصري وآفاقه، تحدث أحدهما – بلغة صهيونية - عن مسئولية حماس باعتبارها من يدير القطاع، وكان من الواجب عليها وقف "القاعدة"، ومن قبل ذلك تسليم أعضاء القاعدة الذين عبروا الحدود وهاجموا قسم شرطة العريش، مؤكداً أن الدم المصري والكرامة المصرية والسيادة المصرية.. إلخ هي التي لها الأولوية، ومتساءلاً: كيف نستقبل خالد مشعل في مصر بعد كل ذلك؟!

وتحدث أحد المسئولين بوزارة الخارجية في نفس البرنامج عن ضرورة ظهور رد فعل قوي تجاه (إسرائيل) وتجاه حماس في نفس الوقت!، دون أن يذكر لنا هذا العبقري، كيف سترد مصر على إجتياح غزة أو قصف أهلها المحاصرين؟ وما هي طبيعة كل رد على حدة؟ وهل كان يقصد بذلك أن يضع المسئولية على كاهل حماس؟!. 

فيما ربط أحد الباحثين بين ما يجري وبين قوى إقليمية حركت الفصيل المنفذ لعملية إيلات، لهز الاستقرار على الحدود، وذلك مع غمزه في قناة الحركات الوطنية الفلسطينية دون إستثناء، ودون أن يذكر في إكتشافه من هي هذه القوى الإقليمية بالضبط؟.

وختاماً.. إننا يجب أن نضع ما يجري في سيناء في إطار عوامله الذاتية والموضوعية، فهناك إهمال وقمع طال سيناء وأهلها في عهد الرئيس المخلوع وساهم في ظهور التشدد والعنف والمخدرات، وكلها أمور استثمرتها دولة الاحتلال لمصلحتها وأمنها، وهناك حصار لقطاع غزة والذي أدى لظهور حركات متشددة تتهم مصر ودولة الاحتلال على السواء بالمسئولية عما يجري من فظائع بحق الشعب الفسلطيني، إضافة إلى وجود الخلل الأمني والاستراتيجي الناتج عن اتفاقية كامب دافيد.. وكلها عوامل تستغلها دولة الاحتلال والقوى الحليفة لها، لإقامة تعاون أمني دائم بين القاهرة وتل أبيب.

لقد حان الوقت للتفكير في مقاربات مغايرة لحل المعضلة الأمنية في سيناء، بطريقة تحفظ الأمن القومي المصري، وتعيد دور مصر العروبي في فلسطين، وذلك لن يظهر للعلن ويصبح حالة دائمة – كالنموذج التركي – إلا بظهور قيادة نابعة من الرأي العام المصري، مع الإستعانة بأهل الكفاءة والاختصاص في مراكز بحثية وإستراتيجية تقدم مصلحة مصر وأمنها على كل ما عداهما. 

*********************

*صحفي وباحث سياسي