رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ماذا يحدث في البحرين؟

البحرين مملكة صغيرة تتسم بالتنوع المذهبي، الشيعي والسني، وتشهد منذ عشرة أعوام مشروعاً إصلاحياً، ومخططات للتنمية الاقتصادية، ولكنها تشهد في ذات الوقت توترات داخلية شبه دائمة، على أساس طائفي، مما يثير التساؤل: هل هناك تدخلات خارجية تشعل هذه الأحداث؟ وما هو مسئولية نظام الحكم في معالجة هذه التوترات التي انتهت بما يسمى "ثورة 14 فبراير" 2001م؟.

لا يخفى أن بعض دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر أن شيعة البحرين هم عملاء لإيران وأتباع لنظرية ولاية الفقيه، وأن مملكة البحرين تمثل البطن الرخو لمنطقة الخليج، التي يمكن من خلالها أن تقوض إيران من خلالها جميع النظم الملكية بدول المجلس.
ثورة فضائية!
ولكن لم يثبت بالدليل أن هناك تدخلات إيرانية في أحداث 14 فبراير، وفقاً لتقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق التي شكلها الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، إلا أن تطورات الأحداث تؤكد على أمرين هامين ذو دلالة خاصة بتصور بعض القوى الشيعية والسنية على السواء لطبيعة النظام السياسي:
الأول: أن الفضائيات الشيعية الناطقة بالعربية، الإيرانية والعراقية واللبنانية، كانت تقوم بدور في تسخين الأحداث، من خلال استضافتها لرموز الحركات السياسية غير القانونية، أو عرض الفيديوهات التي ترسخ مفهوم التآمر على المواطنين الشيعة.
وربما يعود عمل هذه الفضائيات وقت الأزمة إلى وجود سبب أخلاقي يتمثل في فتح نافذة لهذه الحركة الاحتجاجية التي أوصدت "الجزيرة" في وجهها الأبواب، إلا أن الملاحظ أن صوت العقل كان غائباً في مجمل هذه التغطيات، وربما تكون ساهمت في ظهور حركة التحالف من أجل الجمهورية وهي حركة سياسية أعلنت أنها تهدف لإسقاط حكم العائلة الخليفية وإقامة نظام إسلامي على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران.
الثاني: أن القوى التي تصدرت المشهد داخل الطائفة السنية، كانت تعتنق المبادىء السلفية الوهابية، وظهر ذلك بجلاء في التحركات في الشارع أو في الفضائيات، حيث تم تصوير الاحتجاجات التي قامت في البداية من أجل مطالب إقتصادية وحقوقية، على أنها جزء من مؤامرة شيعية كبرى تستهدف إقامة الهلال الشيعي في العالم على أنقاض دول مجلس التعاون الخليجي.
كلا الأمرين يؤكدان على أن الخطابات المتشددة، الشيعية والسنية، سيطرت على أجواء الأحداث، مما كاد يؤدي إلى تداعيات كارثية في البلاد، تتمثل بالأساس في الانزلاق إلى مستنقع العنف الطائفي.
أزمة ثقة
إن مثل تلك الخطابات أفسدت التعايش الاجتماعي في السابق، وتجر البلاد إلى المجهول الآن!.
فمن جهة نجد أن الخطاب الشيعي المتشدد، وإن كان ليس له قبول وشعبية كبيرة، إلا أن استطاع أن يجند شباباً وفتيات للقيام بأعمال غير سلمية، شبه يومية، مثل: سكب الزيت في الطرق الرئيسية، تخريب واجهات المنشآت التعليمية.
ومن جهة أخرى نجد أن الخطاب السني المتشدد لا يؤمن مطلقاً بمواطنة الشيعة، ويركز على نظرية المؤامرة الشيعية، للدرجة التي يعتبر فيها أن مبادرات بعض الشيعة الذين ضاقت بهم السبل ولم يجدوا وظائف، فاضطروا إلى افتراش الأسواق للتجارة، بأنه جزء من هذه المؤامرة التي تستهدف السيطرة الاقتصادية كخطوة في الطريق.
هذه القوى السنية التي "تكفر" وتشطين" أتباع المذهب الشيعي، لا ترى حلاً "للمسألة الشيعية" في البحرين إلا بالتهجير على اعتبار أنهم مهاجرين من إيران، أو بـ "التسنين"، وهو حل يوتوبي، لا يمكن تطبيقه أرض على أرض الواقع.
السؤال المطروح الآن هو: ما هو دور النظام السياسي سواء خلال الأحداث أو بعدها؟
تقول أوساط شيعية أن النظام السياسي لديه خطة لتحويل الشيعة من أغلبية إلى أقلية تقوم على "التجنيس" و"التسنين" و"التمييز"، أى تجنيس سنة من باكستان والعراق واليمن، وقيادة جهود حكومية وأهلية لتسنين الشيعة، مع العمل على حصار وتحجيم المعارضين له.
وتعكس هذه المقولات الشائعة أزمة ثقة بين النظام

السياسي ومواطنيه، حيث يشعر كل طرف بالتهديد من الآخر، وهي الأزمة التي تفتح الأبواب الواسعة أمام القيام بالشيء ونقيضه في نفس الوقت، كأن تقوم مؤسسات حكومية بجهود للم الشمل، وتعزيز المواطنة، فيما تقوم مؤسسات خرى بتحركات مناقضة تماماً، أو على الأقل تسمح بها، وخصوصاً ما تقوم به منابر الجمعة وما يقوله بعض الدعاء والخطباء ضد مواطنيهم الشيعة.
متطلبات المرحلة
ينبغي الاعتراف أن النظام السياسي، وبتشجيع من قوى دولية كالولايات المتحدة وبريطانيا، يقوم بخطوات تعزز المحاسبة والشفافية والمشاركة الشعبية، لكنه بدأها بقرار ذاتي بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في أحداث تلك الاحتجاجات التي أدت إلى مقتل العشرات من المواطنين واعتقال وفصل المئات.
ومنع تكرار تلك الأحداث مجدداً، ليست بالمهمة اليسيرة، وهناك متطلبات لها:
أولها: حدوث توافق داخل نظام الحكم نفسه، حول قضايا هامة كالإصلاح والمواطنة، حيث إن الأحداث أكدت أن الإصلاحات المدارة من أعلى لم تعزز المشاركة وقيم التسامح والتعايش والمساواة.
ثانيها: أن يشمل هذا التوافق آلية واضحة للتعامل مع المعارضة الشيعية، حيث إن إضعافها وتشتيتها لم يكن في مصلحة النظام نفسه حيث بدت خلال الاحتجاجات ضعيفة، ممثلة للشارع ولا تقوده، بل ونازعها السيطرة على الشارع حركات صغيرة تطالب بالتغيير الجذري. ويندرج تحت ذلك أيضاً قضية الاستيعاب السياسي والاقتصادي فمن الأهمية ألا يترسخ في أذهان المواطنين الشيعة فكرة "المظلومية" والتي لا تعني سوى مزيد من الشك في جدوى العمل السلمي، فمن المعروف أن هذا الاستيعاب لا يرسخ القناعة بالعمل السلمي فقط وإنما يدفع أصحابه إلى الحفاظ على الأوضاع القائمة التي تحقق مصلحة جميع الأطراف.
أما المتطلب الثالث والأخير فيتمثل في إيجاد آليات جديدة للتعامل مع قوى "الموالاة" السنية، وإقناعها بالإيمان بمواطنة شيعة البحرين، فهذه القوى كانت تتحرك للسابق للدفاع عن نظام الحكم باعتباره الرأسمال السياسي لطائفتها، وأصبحت الآن تتشكك من جميع تحركاته الخاصة بالمحاسبة والمشاركة، وتتمسك بنظرية المؤامرة التي تفسر لها جميع الأحداث ومن بينها قيام الصبية بأعمال شغب وتخريب على الطرق ولواجهات بعض المنشآت، والتي تعود بالأساس لأسباب اقتصادية وسياسية، وربما لا يكون لها بعد طائفي من الأساس.
الحقيقة المؤكدة هي أن ملك البحرين وولي عهده يريان أن هناك مصلحة وطنية، ومصلحة لأطراف المعادلة الداخلية: نظام الحكم، المعارضة الشيعية، الموالاة السنية، في استئناف المشروع الإصلاحي على أسس جديدة، إلا أن تحقيق ذلك سيظل مرهوناً بمدى القدرة على العمل باستقلالية بعيداً عن الضغوط الخارجيةوالتوترات الطائفية.