رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كان رئيساً لمصر

عندما أكتب اليوم عن الرجل الذي كان رئيساً لمصر فإنني أكتب عن الرجل الذي تبوأ هذا المنصب في ظروف صعبة إبان اغتيال الرئيس أنور السادات.

هذا الرجل الذي أفرج عن المعتقلين السياسيين الذين أودعهم الرئيس أنور السادات السجون عصفاً بالمعارضة المصرية ككل قبيل اغتياله. حمد المصريون الله أن الذي جلس علي كرسي الحكم ليس زعيماً بل مدير علي أقصي تقدير رئيس مجلس إدارة فقد سأم المصريون من الزعماء والأبطال فقد كلفوا هذا الشعب الكثير والكثير فقد كان أقصي ما يتمناه مبارك أن يكون سفيراً في بريطانيا وربما كان هذا فيه خير كثير له وللشعب المصري إن تحقق ذلك ومضت السنوات والرجل يحاول ان يفهم ويقوم بأعباء الحكم ولكن بقايا خطط التنمية في عهد السادات التي طالت إلي عدة سنوات بعد وفاته غطت علي ضعف الأداء الرئاسي لمبارك. ولكن الرجل كان كالدب الذي ذاق حلاوة العسل الموجود في خلية النحل (عسل السلطة) فأدمن هذا العسل ولم يعبأ بهجوم النحل ولسعاته القادمة انتقاما لسرقة العسل خاصة أن حواريي الرئاسة قاموا بعمل ساتر من الدخان لإبعاد النحل ولسعاته عن محيط الرئاسة وأفهموا أنه ليس هناك نحل أو خلافه بل هو مجرد هاموش لا قيمة له وكان التقليل من قيمة الشعب والاستخفاف بل واحتقاره. هو سمة العلاقة بين الرئيس والشعب حدث كل هذا بعد أن كانت قد ولدت علاقة استراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في أواخر السبعينيات نجح الرئيس السادات في وضع اللبنات الأولي لها مع السيد هنري كسنجر إبان مباحثات فك الاشتباك وانسحاب القوات الإسرائيلية تدريجيا من الثغرة ثم من باقي الأراضي المصرية المحتلة ولكن مبارك لم يكن مستوعباً لمتطلبات هذه العلاقة الاستراتيجية وأخطأ الخطيئة الأولي مع أمريكا عندما خدع الولايات المتحدة إبان أزمة السفينة أكيلي لورد. هذه الأزمة التي كادت أن تودي بالعلاقة المصرية الأمريكية الناشئة إلي الانهيار لتعمد كذب الرئيس مبارك علي الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس رونالد ريجان مما حدا بالرئيس ريجان أن يطلق لقب «الكذاب» كنية للرئيس المصري الذي عرفت المخابرات الأمريكية أنه باع الأمريكان لمنظمة التحرير وقبض الثمن سارع الرئيس المصري لتصحيح الأوضاع علي وجه السرعة ليبرهن علي إلتزامه بالخط الاستراتيجي المصري- الأمريكي ولكنه كان خبيثاً فقد أطلق الصحافة القومية المملوكة للدولة في حملات هجوم مستمرة علي الولايات المتحدة الأمريكية بدعوي أن هذه هي حرية الصحافة ولم يكن هناك بديل أمام الولايات المتحدة من التعامل مع حسني مبارك الذي احتكر العلاقات المصرية الأمريكية ونصب نفسه عرافاً لهذه العلاقة وأعطي الدول العربية - بعد عودة العلاقات بينها وبين مصر - الانطباع أنه رجل أمريكا في الشرق الأوسط وصاحب رأي لديها وله علاقة خاصة بإسرائيل التي لم تمانع في أداء حسني مبارك لهذا الدور إن كان ذلك يرضيه ويشبع رغبته في الظهور بمظهر الحليف القوي لأمريكا والصديق ذي الكلمة المسموعة لدي إسرائيل.
إلي ان قام صدام حسين بغزو الكويت وطلبت الولايات المتحدة الأمريكية من مصر حشد الرأي العام المصري متمثلاً في رجال الأعمال الذين لهم مصالح مع أمريكا أو من آلاف المصريين الذين درسوا وتعلموا في أمريكا أو من المصريين الذين لهم عائلات هاجرت إلي أمريكا واستقرت بها ولكن الرئيس مبارك وإدارته الخبيثة أعطت انطباعاً للسيد جيمس بيكر عند حضوره إلي القاهرة للاجتماع بالنخبة المصرية ذات العلاقات الأمريكية أن كل هذه المجموعات لم ترغب في حضور المؤتمر الذي كان مزمعا عقده في قاعة المؤتمرات وذلك لوجود شعور عدائي لدي الشعب المصري نحو الولايات المتحدة ولكن الرئيس السابق طيب خاطر وزير الخارجية الأمريكية ووعده بأن يكون مسئولا عن تكوين تحالف عربي من خلال مؤتمر بجامعة الدول العربية بدلاً من المؤتمر الذي تظاهر الرئيس السابق أنه فشل في عقده اللجنة. عندئذ أدركت الإدارة الأمريكية أنها ليس لها بديل عن التعامل مع حسني مبارك الذي أظهر نفسه بمظهر الصديق الأوحد للولايات المتحدة تقبلت هذا الدور علي مضض ولكن الدول الخليجية عضدت من موقف حسني مبارك الذي قبض الثمن.. وهو جزء من الأموال التي عجز عن تبريرها لديه - والتي لاذت الدول الخليجية الصمت إزاء هذه الأموال إبقاءاً علي ماء وجه الرجل واحتراماً

لدوره في الوقوف إلي جانبها بشهامة مصرية - وتضحية بدماء غالية - وإن كانت مدفوعة الثمن.
إن لمن السخرية ما قام به الرئيس السابق عندما كان يتوسط لمعمر القذافي في تهدئة الأمور بينه وبين أمريكا كلما تصاعدت الأزمات وذلك في مقابل مادي يدفعه القذافي وبسخاء للرئيس مبارك الذي لم يأل جهداً في إطالة أمد الخلاف الليبي الأمريكي وذلك لم يدره عليه من فوائد جمة ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فيقوم نلسون مانديلا بزيارة ليبيا عن طريق البر - في وجود حظر جوي علي الطيران في الأجواء الليبية - ويعرض وساطته لإنهاء الأزمة الليبية الأمريكية وقبلت ليبيا هذه الوساطة الجنوب أفريقية لتنهي الحصار علي ليبيا في زمن قياسي وبلا مقابل ووضع مانديلا النظام المصري في حرج أمام ليبيا.
ان سقوط الإعلام المصري اليوم وتسببه في تأجيج نيران الطائفية والخلافات بين طوائف الشعب والمجلس العسكري هو شبيه بسقوطه إبان حكم مبارك وتأجيجه للعداء غير الموضوعي مع الولايات المتحدة الأمريكية التي ليس لها مصالح حقيقية مع مصر سوي أن تكون مصر دولة مستقرة في الشرق الأوسط حيث ان مصر ليست الدولة البترولية التي تخشي الولايات المتحدة من ضياع استثماراتها بها بل إن الولايات المتحدة طالبت مراراً بقيام ديمقراطية حقيقية بمصر ولكن النظام السابق أصر دائماً وأبداً أن يكون التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال قناة تصب في مصلحة رجل واحد اسمه حسني مبارك كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تبارك فكرة توريث السلطة لجمال مبارك رغم زيارته المتعددة لأمريكا ومقابلته للرئيس الأمريكي.
إن الولايات المتحدة الأمريكية رغم تباطؤها في تأييد الثورة المصرية - لعدم وجود قيادة ظاهرة لها - قد لعبت دوراً خفياً في إسقاط حسني مبارك وأعتقد أن زيارة السيدة هيلاري كلينتون إلي القاهرة قبل سقوط مبارك قد عجلت بخطاب التنحي بعدما أفصحت وزيرة الخارجية الأمريكية عن معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام القوة التي كان قد أمر الرئيس السابق باستخدامها ضد المتظاهرين أعتقد أن كشف هذه الاتصالات وهذه المعلومات قد يكون له أثر كبير علي الرأي العام المصري الذي جرت له عمليات غسيل مخ إعلامي لثلاثين عاماً كما أن المخابرات الفرنسية لديها تسجيلات قديمة لأشخاص يمثلون النظام السابق وهم يقومون بالتفاوض علي عمولات قد يكون في ذلك فائدة إذا ما تقدمت مصر بطلب رسمي لكل أجهزة مخابرات الدول الأجنبية الصديقة للاستعانة بما لديها من معلومات قد تسهم في إشفاء غليل الشعب المصري وكذلك في وضع أسس سليمة لقيام صداقات حقيقية بين الشعوب تتسم بالشفافية.. ان الشعب المصري يشكر شعب الولايات المتحدة الأمريكية علي تقديم 70 مليار دولار لمصر علي مدي الثلاثة عقود السابقة ولكن هذه المعونة الأمريكية وغيرها لم تنهض بمصر لأن مصر كان بها رئيس.
-----
مساعد رئيس الحزب