رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سليمان جودة يكتب : بريد هيلاري

سليمان جودة
سليمان جودة

أي متأمل للضجة المثارة حاليا حول هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، سوف يكتشف أن الهدف من ورائها أبعد بكثير من مجرد الرغبة في محاسبتها على انتهاك قانون بلادها، أثناء عملها.

فالقصة من حيث ظاهرها أمامنا هي أن الوزيرة عندما كانت في منصبها، في الفترة من 2009 إلى 2013، قد استخدمت بريدها الإلكتروني الخاص في مراسلات عملها، وأن ذلك ينطوي على انتهاك للقانون الذي ينظم استخدام الموظف العام للبريد الإلكتروني في مجال عمله، وأنه لو ثبت أنها فعلت ذلك فإنها تصبح مُعرضة للحبس.
التهمة التي سوف تقف بموجبها كلينتون أمام جهات التحقيق، إذا ما جرى استدعاؤها، هي إفشاء معلومات سرية، تصل إلى مرتبة الأسرار العسكرية، وإذا ما أُدينت فسوف تصل العقوبة إلى السجن ثلاث سنوات، ثم، وهذا هو الأهم في الموضوع كله، سوف يترتب على الإدانة حرمانها من تولي أي منصب عام، في ما بعد، في الولايات المتحدة.
والسؤال هو: لماذا الآن تحديدا، إذا كانت الجريمة المتهمة بها الوزيرة السابقة قد مضى على ارتكابها عامان تقريبا؟!.. ولماذا إثارتها في هذا التوقيت؟!.. ولماذا السكوت عنها 24 شهرا كاملة؟!
وقد بقي الأمر في إطار الأخبار الإعلامية، والاجتهادات الصحافية، والأنباء المتناثرة هنا وهناك، إلى أن عقدت الوزيرة السابقة مؤتمرا صحافيا في مقر الأمم المتحدة، في نيويورك، الثلاثاء قبل الماضي، لتعترف بلسانها وهي تتحدث للصحافيين بأنها خالفت القانون، ولم تخالفه في الوقت نفسه.
وسوف يلاحظ قارئ الكلام المنشور على لسانها، بعد المؤتمر الصحافي، أنه كلام مراوغ، مرة، وغير مقنع، مرة أخرى.
هو مراوغ لأنها تقول، مثلا، إنها لم تنتهك القانون، عندما اعتمدت على بريدها الإلكتروني الخاص في مراسلات عملها، ثم تعود في الجملة ذاتها لتقول إنه ربما كان أفضل لها لو أنها استخدمت البريد الإلكتروني الحكومي، لا الخاص!.. يعني هي أخطأت، ولم تخطئ!
ثم هو كلام غير مقنع، لأنها تقول في مقام تبريرها استخدام بريدها الخاص إنه لم يكن من الممكن لها، عمليا، استخدام جهازين محمولين، والتنقل بهما في أرجاء العالم، وهو كلام عبيط طبعا، لأنه ليس مقنعا، ولأنها كان في إمكانها أن تستخدم جهازا واحدا، وأن تعتمد على البريد الحكومي، لا الخاص، دون الحاجة إلى حمل جهازين!
الأمر اللافت في القصة كلها ليس أنها أرسلت وتلقت 55 ألف رسالة إلكترونية، طوال فترة عملها، وليس أن ذلك قد تم اكتشافه أثناء مراجعة محتوى بريدها، بعد حادث اقتحام سفارة بلادها في بنغازي ومقتل السفير الأميركي هناك، وإنما اعترافها، أثناء حديثها أمام الصحافيين في مقر الأمم المتحدة، بأنها تخلصت من الرسائل الخاصة التي رأت هي أنها رسائل لا علاقة لها بعملها!
فهذا الاعتراف من جانبها يطرح سؤالا عن المعيار الذي اعتمدت عليه هي، في التفرقة بين الإيميل الخاص، غير المتعلق بالعمل، وبين الإيميل العام، المتعلق بالعمل.. ثم يطرح سؤالا آخر عما إذا كانت قد اعتبرت هي رسائلها مع زوجة محمد مرسي - مثلا - من النوع الخاص، غير المتعلق بالعمل، أم أنها رأتها إيميلات عامة لا يجوز إتلافها، والتخلص منها!
لقد قيل كلام كثير على مدى الفترة الممتدة من عزل مرسي إلى الآن، عن أن علاقة من نوع ما كانت تربط الوزيرة هيلاري بزوجة الرئيس الأسبق مرسي، وأنهما تبادلتا رسائل كثيرة، وأن مرسي وعمله في الرئاسة المصرية كان جزءا من محتوى تلك الرسائل، ثم فجأة قرأنا كلاما عن أن زوجة

مرسي تهدد الوزيرة السابقة بفضح ما كان بينهما من مراسلات!
هذا كلام كله لا بد أن يكون موضع تحقيق جاد، إذا كان الهدف من وراء الضجة هو فعلا رغبة أكيدة في محاسبتها على انتهاك القانون.
غير أنني أظن أن الرغبة من إثارة الموضوع ليست هذه بالضبط، لأنها لو كانت كذلك لكانت قد ثارت في وقتها، لا بعد أوانها بعامين.
ثم إنه إذا حدث وحوسبت هي، على ما فعلت من خلال بريدها الخاص، فلن يكون ذلك على محتوي البريد، ومضمونه، وإنما سيكون على احتمال تسرب بعضه إلى خارج إطاره السري، وهو ما لا يجوز طبعا.
لن يكون الحساب على المحتوى، ولا على المضمون، لأن أي مسؤول أميركي، سواء كان هيلاري أو غيرها، لا يتصرف، ولا يراسل مرسي، أو غيره، من دماغه، لكنه يفعل ذلك في إطار عام محكوم مسبقا بسياسة موضوعة لبلاده، لا يملك أن ينحرف عنها بوصة واحدة.
وهي إذا كانت قد خاطبت مرسي، أو زوجته، فسوف يكون ذلك محكوما أيضا بما هو متفق عليه داخل إدارة أوباما، ولن يكون من خارج سياستها كإدارة، ولو بسنتيمتر واحد، ولا بكلمة واحدة، ولذلك، فكل ما يأمله المرء أن ينكشف الحجاب عما في بريدها كاملا، لنعرف ماذا كانت تقول فيه، وليتضح لنا عندها أنه عكس ما كانت تقوله لنا، خصوصا حول علاقتهم بـ«الإخوان».
وعلى ما يبدو فإن فصول الحكاية إذا ما اكتملت إلى نهايتها، وإذا ما وقفت الوزيرة السابقة أمام جهات التحقيق، فسوف يكون الهدف الحقيقي، والوحيد، هو إبعادها عن سباق الرئاسة المقبل، أو الشوشرة عليها، على الأقل.
وسوف يتبين لنا، ساعتها، أن مثل هذه القضايا تُثار في الولايات المتحدة، وفي الغرب عموما، لهدف معلن، يجري وراءه الرأي العام في العادة، ثم لهدف آخر مستتر يكون هو الغاية في النهاية.
وتبقي قضية «ستروس - كان»، المدير السابق لصندوق النقد الدولي، مثالا قريبا على ذلك، لأن أي مراجعة لما حدث معه، وما قيل عن تحرشه بخادمة في فندق في الولايات المتحدة، سوف تكشف أن الهدف لم يكن الغيرة إلى هذا الحد على الأخلاق العامة هناك، وإنما كان إبعاده عن الترشح لرئاسة فرنسا.. وهو بالضبط ما تلمحه في حكاية هيلاري كلينتون سواء بسواء.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط