عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جميل مطر يكتب : أوباما وأمريكا . . فجوة في الثقة بالنفس

بوابة الوفد الإلكترونية

تابعت كعادتي خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه الرئيس أوباما قبل أيام أمام مجلسي الكونغرس . تابعته وأنا أعلم أن الخطاب وحده، رغم أهميته، لن يكون الوثيقة الوحيدة التي تسجل إنجازات إدارة أمريكية خلال العام المنصرم، فالخطاب في مجمله صناعة بيروقراطية وبالتالي يصعب على صائغيه مراعاة الموضوعية .

وهو أيضاً حق شخصي للرئيس ليترك للتاريخ تقييماً بالضرورة منحازاً له، فضلاً عن أنه حق لحزب الرئيس ليستعد به لانتخابات رئاسية قادمة . وهو في النهاية طقس من طقوس الوثنية الأمريكية التي تحيط الرئاسة ورموز الشرعية بهالات تقديس وتفخيم . ومع ذلك يبقى الخطاب في أقل القليل تقرير متابعة ضرورياً لكل مهتم بالولايات المتحدة الأمريكية . وفي اعتقادي أن المهتمين مازالوا كثيرين في شتى أنحاء العالم .
آخذاً في الاعتبار هذه القيود التي تحدّ من موضوعية خطاب الاتحاد، ومن موضوعية أي خطاب سياسي يلقيه مسؤول في أي مكان، تصبح مهمة تحليل الخطاب مقصورة على الشكليات والاتجاهات العامة، وبعيدة قدر الإمكان عن تفاصيل الإنجازات والإخفاقات، بمعنى آخر تبقى في إطار الانطباعات . خرجت فعلاً بانطباع، أو قل بعدد من الانطباعات، منها أن الرئيس ربما تعمد أن يشيع بين الحضور، وبخاصة بين المعارضين من الجمهوريين ثقته الكبيرة في نفسه . وقد أفلح في ذلك، وهو ما عكسته أقلام صحفيين وباحثين كثيرين . تعمد أيضاً أن يبدو منحازاً للفقراء ولأولئك الأمريكيين الكثيرين جداً الذين يتوقعون أن يكونوا بين الفقراء في أول إحصاء رسمي قادم . كان لافتاً استعاراته لعبارات متعددة سبق أن استخدمها خلال العام الفارط المشاركون في "انتفاضة وول ستريت" . بدا أوباما حريصاً على توريط الكونغرس للتعامل مع قضية اللامساواة في الدخول والاستعداد لمواجهة حاسمة معها في السنوات القليلة المقبلة . أفلح في هذا أيضاً وبخاصة حين ردد وراءه صانعو الرأي مفاهيم بدت كما لو كانت من صنعه أو من اختياره، مثل مفهوم "اقتصاد الطبقة الوسطى" . كبادرة جريئة لوقف الانهيارات الناتجة عن الأخذ طويلاً بسياسات نيوليبرالية والقبول بهيمنة تيار متطرف في النظام الرأسمالي .
كذلك خرجت من جلسة استماعي للخطاب بانطباع أن في أمريكا من يريد أن ينبه إلى أن الولايات المتحدة لن تكون في الأجل المنظور "رجل العالم المريض"، وهي الخشية التي تنتاب عدداً متزايداً من القوى المحافظة في أوروبا وآسيا . ليس قدراً أو نتيجة حتمية أن يكون مصير "الإمبراطورية" الأمريكية كمصير الامبراطورية العثمانية أو السوفييتية في أواخر عقودهما . الإمبراطورية البريطانية، على العكس، وجدت بين قادتها السياسيين من يعيد توجيه مسيرتها في الوقت المناسب لتفادي هذا المصير . إلى جانب هذا، مازالت الولايات المتحدة، رغم تقهقرها النسبي، تحتفظ بأرصدة هائلة وقوى بشرية مجددة ومبدعة ومرونة في الممارسة السياسية تسمح بتغيير المسار، أو إبطاء التقهقر، بل واستعادة المكانة والقوة .
انتظرت بشغف ما ينوي الرئيس أوباما قوله في معرض الحديث عن السياسة الخارجية . . فكرت طويلاً في أن الرئيس الذي أصابته سهام كثيرة حملته مسؤولية الانسحاب من مواقع نفوذ عديدة في الخارج . تصورت أنه لن يدع الفرصة تمر دون أن يتوجه للأمريكيين خاصة ولقادة العالم بشرح مستفيض وتبريرات معقولة للتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية الأمريكية، وفي موقع أمريكا في العالم ومن العالم . هناك بالفعل على أرض الواقع ما يستحق الشرح والتبرير، فقد بدت المشكلات في الآونة الأخيرة أكبر كثيراً من حجمها، أو لعلها هي بالفعل كبيرة . كوريا الشمالية مثلا لاتزال تشكل تهديداً مباشراً لمصالح أمريكا في شرق آسيا، وربما في العالم بأسره إذا أفلحت في نشر خبرتها في صناعة الطاقة الذرية لأغراض الحرب . إفريقيا تدخل إحدى أسوأ مراحل تطورها السياسي والتنموي تحت ضغط الإرهاب ومعه وباء إيبولا وعودة ظاهرة الانقلابات العسكرية . وفي الشرق الأوسط، تكالبت على الاستقرار السياسي ومصالح الدول العظمى جملة من المشكلات، في صدارتها مشكلة تنظيم "داعش" وتوسعه وتفاقم خطره، وأزمة اليمن بكل ما تعنيه لمنطقة الخليج، ومصير طرق الحرير التي تمهد لها الاستراتيجية الصينية والصراع المتصاعد النبرات والأفعال بين إيران والسعودية .
من ناحية أخرى، يتواصل العناد المتبادل بين الرئيسين بوتين وأوباما . أوباما يصرّ على زيادة الضغط على بوتين بسلاح العقوبات الاقتصادية، وبوتين يصرّ على زيادة الضغط على أوباما وقادة أوروبا بسلاح "انبعاث القومية السلافية"، والتهديد بإعادة أوروبا إلى عصر كان الظن أنه انتهى إلى غير رجعة . هنا، وأمام هذه المشكلة، لا يبدو الرئيس أوباما في خطابه قلقاً أو منزعجاً، بل على العكس، يعتبر الحرب الاقتصادية ضد روسيا إنجازاً تطلع إلى تحقيقه كثيرون من صناع الرأي ومن أعضاء النخبة السياسية الأمريكية، خاصة وبعد أن تأكد أن الكره لروسيا، شيوعية كانت أم رأسمالية، تجذر في العقل السياسي، وربما الشعبي الأمريكي .
استمرار هذه المشكلات والأزمات، لم يمنع الرئيس أوباما من التباهي بأنه حقق إنجازات مهمة في حقل السياسة الخارجية

. جميعها، رغم أهميتها، مازالت محل جدل . تأتي في مقدمة هذه الإنجازات تحسين العلاقات مع كوبا، وإقامة مناطق تجارية حرة وسحب أعداد كبيرة من جنود أمريكا من أفغانستان والعراق . والسعي الناجح نسبياً، للوصول إلى علاقة استراتيجية مع الهند . إلا أنه مع ذلك تبقى الصين، الإنجاز الأعظم لإدارة أوباما، ومن حقه أن يتباهى به أمام العالم، حتى وإن كان أمريكيون كثيرون يعتقدون أن أوباما فشل في كبح سرعة الانطلاق الصيني، أو فشل في تضييق فجوة السرعة بين الصعود الصيني والانحدار الأمريكي .
اعترف بأن اهتمامي بما ورد عن السياسة الخارجية في خطاب الرئيس أوباما لا يعكس بالأمانة أو الدقة اهتمام الرئيس نفسه الذي ألقى هذا الخطاب . إذ لم تحظ السياسة الخارجية الأمريكية سوى بعشر دقائق من خطاب استمر إلقاؤه حوالي الساعة . ولهذا الأمر دلالات كثيرة أتوقف عندها لأن بعضها ينبئ بتطورات غير مستبعدة . أول الدلالات، أن المرشحين لمنصب الرئاسة في الانتخابات بدأوا يستعدون لها بالتركيز على انتقاد السياسات الخارجية لإدارة أوباما . وبالفعل وقع اختيار المرشح ميت رومني مثلاً على مشكلة "داعش" والإرهاب المتجدد والمتصاعد في المنطقة، مذكرا أوباما باختلافه معه حين زعم الرئيس أنه بقتله ابن لادن قضى على الإرهاب، بينما توقع رومني وقتها صحوة "رهيبة" للإرهاب في مدة قصيرة . وهو ما حدث . وبالفعل أيضاً وقع اختيار هيلاري كلينتون على عدد من النقاط في السياسة الخارجية اختلفت حولها مع الرئيس أوباما عندما كانت وزيرته للشؤون الخارجية . ومنها موقفه من الثورة المصرية وإطاحة مبارك، وكذلك رفضه تسليح المعارضة السورية . قد يكون قد دار في ذهن أوباما أن التركيز على السياسة الخارجية قد يثير شهوة المرشحين لتصعيد مواقفهم خلال الأسابيع القادمة إلى حد يعرقل تنفيذ أوباما لخطوات معينة في سياسته . يخشى مثلا أن يشمل هذا التصعيد المبكر دعم رومني لنتنياهو في موقفه الداعي إلى العودة إلى تصعيد النزاع مع إيران والتوقف عن المفاوضات، وهو الأمر الذي يمكن أن يحبط أحد أهم إنجازات أوباما .
من الدلالات أيضاً، انصراف الرأي العام عن الاهتمام بالمسائل والشؤون الدولية، يؤكد هذه الدلالة أن الخطاب الأخير تحديداً حقق أقل نسبة مشاهدة جماهيرية بين الخطب المماثلة في السنوات الماضية . من ناحية أخرى، يبدو معقولاً من وجهة نظري الرأي القائل بأن الأمريكيين وقد انصرفوا عن تمجيد "استثنائية" أمريكا ورسالتها المقدسة إلى العالم وموقعها في مكان ما "فوق الأمم"، انصرفوا في الوقت نفسه، عن الاهتمام بأحوال الخارج وقضايا الشعوب وصراعات الدول .
دلالة أخرى محتملة، هي أن الرئيس وإدارته عندما انشغلا بكتابة خطاب الاتحاد لم يكونا قد انتهيا بعد من قراءة الطبعة الاحدث من تقرير "استراتيجية الأمن القومي"، الذي سوف يفصح عن رؤية مختلفة لدور أمريكي في العالم خلال العقود القادمة . ربما خطر على ذهن مستشاري الرئيس أنه لن يكون من الحكمة أن يناقش خطاب الاتحاد مسائل سوف تتعرض لها استراتيجية الأمن القومي، عند نشرها بعد أيام قليلة من إلقاء الخطاب .
أيا كانت الدلالات، يبدو واضحاً أن التحدي الذي لم يحاول أوباما في الخطاب إنكاره، هو المشكلة الاجتماعية، خاصة وأن احتمالات تدهورها ازدادت ومظاهر بوادرها تعددت
نقلا عن صحيفة الخليج