د . محمد الصياد يكتب : إعادة انبعاث الهتلرية
بعد مرور زهاء سبعة عقود على اندحار الهتلرية كنظام سياسي وعسكري واقتصادي واجتماعي، وكإيديولوجيا عدوانية اجتثاثية للآخر غير الآري، أسس لها رمز توحشها الشعبوي أدولف هتلر بمسمى النازية (Nazism)، التي وصلت الى السلطة ألمانيا عام 1933 بقيادته، والتي قدّمها منظّروها لمخادعة وإغواء الدهماء
في قالب برّاق، بما هي مدلولات معناها اللغوي الألماني (Nationalsozialismus)، أي القومية الاشتراكية، مع أنها في الجوهر قومية شوفينية ورأسمالية وحشية قامت على العنصرية ونبذ الأعراق الأخرى قبالة فرادة وسمو العرق الآري - بعد مرور كل هذه السنوات السبعين، وعلى الضد من استسهال واستخفاف إشاعة الاعتقاد الذي عملت أوساط اليمين الأمريكي والأوروبي على تسويقه لتطمين الرأي العام العالمي بأن كابوس النازية والفاشية قد ولّى الى غير رجعة، وأنهما قد قبرتا مرة وللأبد، مادياً كمؤسسات، وكإيديولوجيا محشوة في عقول النخب والدهماء ومزروعة في وعيهم الجمعي والفردي - على الضد من ذلك فقد كان ذلك عملاً استعراضياً محضاً، ملؤه الوهم وتعوزه المصداقية . فأزمة الرأسماليات الغربية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى (1914-1981)، التي أفرزت الفاشية الإيطالية وأوصلتها إلى السلطة في روما عام ،1922 والرأسمالية المصدومة بهول أزمة الكساد العظيم لعام 1933هي التي أفرزت النازية الألمانية وأوصلتها الى السلطة في برلين في عام 1933 . ولأن الوهم بضاعة مثلها مثل غثاء السيل (أي ما يحمله السيل من بقايا الحشائش والحصى التي لا قيمة ولا نفع لها) فلقد كان من الطبيعي ألا يبرح الجشع الرأسمالي عملية إعادة إنتاج إفرازاته المجتمعية المتوحشة، في صورة ما صار يعرف بالفاشية الجديدة والنازية الجديدة في معاقل الرأسماليات الكبرى والصغرى .
واليوم، فإن أحزاب وتنظيمات الفاشية الجديدة والأحزاب النازية الجديدة تشكل إحدى حقائق تجليات نزعة الرأسماليات الاستعمارية التقليدية والجديدة للتوسع والسيطرة على الموارد واقتطاع وتقاسم الأسواق وتعظيم الأرباح، وهي جزء لا يتجزأ من البنية السياسية والتنظيمية والإدارية للمؤسسات الحاكمة .
بيد أن التجلي الأعظم لتلك الروح الرأسمالية النهمة والشرسة، يتمثل في الكيان الذي أنشأته الرأسماليات الغربية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط وغذته وأمدته بأسباب الحياة والتنمر والتوحش، ووفرت له كامل مقومات الدولة واشتراطاتها، كأي دولة معاصرة، بما يشمل ذلك تمكينها من انتزاع الاعتراف الدولي بها ككيان قائم بذاته اسمه "إسرائيل" .
ومنذ أن أنشأها الغربيون، الأوروبيون والأمريكيون، في عام ،1948 داومت حكومات هذه "الإسرائيل" على ارتكاب جرائم حرب تتواضع أمامها جرائم النازية والفاشية . ومع ذلك فإنها بقيت في مأمن دائم وحصين من أي نوع من الملاحقات القضائية الدولية ''بفضل'' الغطاء المتين الذي توفره لها ولجرائمها الدول الراعية لها منذ نشأتها، وتحديداً النظام السياسي الأمريكي والأنظمة الحاكمة في أوروبا الغربية .
والفاضح في الأمر - لكن الذي لا ترف له جفن الرعاة - أن "إسرائيل" لا تخفي نازيتها إطلاقاً . وهي تدلل على ذلك بكل تواقح وتجاسر، بالإتيان بزعماء كل واحد منهم يبز سلفه في الإجرام العلني . .من ابن غوريون إلى غولدا مائير إلى أبا ايبان وموشي دايان إلى مناحيم بيغن إلى أرييل شارون، وأخيرًا وليس آخراً إلى الثنائي الحالي بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان . هنا يوغل "الرعاة" في استخفافهم، فيخلعون، بلا استحياء ولا خجل، لقب رجل السلام على مناحيم بيعن ويمنحونه جائزتهم "نوبل" (للسلام؟!)، قبل أن يذرفوا دموع الحزن والأسى على مجرم الحرب شارون، ويغدقوا عليه في رثائهم له خصال الطهر والفضيلة والنبل والشجاعة .
اليوم نتنياهو يريد تجاوز كل هذا السجل الإجرامي لأسلافه . فيتقدم صفوف جوقته الحكومية والبرلمانية العنصرية لعرض مشروع قانون يشرعن واقع "إسرائيل" كدولة دينية عرقية للصفوة اليهودية . فلقد
قادة التنظيمات الإرهابية الذين ينشرون الرعب أينما حلّوا، وجه آخر للنازية الهتلرية الجديدة . إنهم يستخدمون ذات الأساليب الإجرامية التي استخدمها النازي أدولف هتلر والفاشي موسيليني وإضرابهما لإخضاع مجتمعات وشعوب بأكملها، وفرض الجزية وأعمال السخرة على كل الذين ليسوا من أبناء جلدتهم ولا على ملتهم .
هي اذاً إعادة بعث جهنمية للنازية والفاشية، فقط بأثواب جديدة، وبما يعني، بشكل ساطع وصارخ وفاضح، أن العالم قد فشل فشلاً ذريعاً في التخلص من وحشية جشعه ومن شرور الخلايا النائمة لغرائزه الدفينة، التي ما إن ينكش أحدهم غشاءها، حتى تنفتح أبواب جهنمها لتقذف حممها الهستيرية كيفما تشاء، غير عابئة بهول الكوارث التي تخلفها .
نقلا عن صحيفة الخليج