رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كمال الجزولي يكتب: حقوقِ الإنسان والأمنُ في السُّودان

كمال الجزولي
كمال الجزولي

في 26 سبتمبر/ أيلول 2014م أبدى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قلقه بشأن انتهاكات هذه الحقوق في السُّودان، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة، كإطلاق النار المميت على المتظاهرين في سبتمبر/أيلول 2013م ومارس/ آذار 2014م، فشدَّد على ضرورة التحقيق العلني المستقل، وإحالة نتائجه إلى القضاء.

كما أدان الانتهاكات في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، كتفجير المرافق الإنسانيَّة، واستهداف المدنيين، وعمَّال الإغاثة . وخلص إلى تمديد ولاية الخبير المستقل، تحت البند العاشر، لعام آخر، وكفرصة أخيرة، لكنه أضاف مهام التحقق، والتقييم، وكتابة التقارير، لاختصاصاته المتعلقة، تحت هذا البند، بالمساعدة التقنيَّة للحكومة، على أن يقدِّم تقريره القادم إلى دورة المجلس بعد ستة أشهر . وطلب المجلس من الحكومة التعاون الكامل مع الخبير، والسَّماح له بتفقد أيِّ مكان، والالتقاء مع أيِّ جهة (سودانايل، 26 سبتمبر 2014م) . كما ألزم الحكومة بتنفيذ التوصيات المتبقية في تقرير الخبير السَّابق، من دون تأخير، وأبرزها إلغاء أو تعديل قانون الأمن الوطني (ما تنصبُّ عليه هذه المقالة)، وإطلاق سراح المعتقلين السِّياسيين، ووقف الاعتقالات التعسفية، والرقابة على الصحافة والإعلام، واحترام حقوق وحريَّات الأفراد، والاعتراف بممثلي الحركات المسلحة، ومنظمات المجتمع المدني، والأوساط الأكاديميَّة، ومجموعات النساء والشَّباب، كمشاركين رسميين في الحوار الوطني المقترح، ووقف الضَّربات الجَّويَّة العشوائيَّة، والسَّماح، في مناطق الصِّراع، بتطعيم الأطفال، وتسهيل المساعدات الإنسانيَّة (وكالات، 26 سبتمبر 2014م) .
وبالنظر لجسامة هذه المطلوبات، ولنبرة القرار الصَّارمة، ولقصر الفرصة المتاحة للحكومة، فليس لارتياحها إزاء القرار سوى أحد تفسيرين، فإمَّا أن مستشاريها لم يدركوا مترتِّباته، وهذا مستبعد، أو أنها تريد أن توعز للعامَّة بخلاف مؤدَّاه، وهذا هو الأرجح، وإن بلا طائل! أحد أهمِّ هذه المطلوبات "إلغاء أو تعديل قانون الأمن الوطني للعام 2010م لجعله متماشياً مع الالتزامات الدستورية والدولية للسُّودان في مجال حقوق الإنسان" . وباعتبار ضآلة الفروق بين قانوني الأمن في 1999م و2010م، فإن هذا المطلوب يستدعي إلى الأذهان، فضلاً عن الشكوى الوطنية، ملاحظات لجنة التحقيق الدولية حول دارفور، برئاسة القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيسي، والتي شكَّلها كوفي أنان، الأمين السابق للمنظمة الدولية، بتكليف من مجلس الأمن الدَّولي، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2004م، ورفعت تقريرها النهائي في يناير/ كانون الثاني 2005م .
من أهم ملاحظات تلك اللجنة على قانون 1999م، أن المادة /31 منه تمكِّن عضو الجهاز من القبض على أيِّ شخص، وتفتيشه، واحتجازه، والتحقيق معه لثلاثة أيَّام من دون إخطاره بالسَّبب، وتمكِّن المدير من تمديد الفترة إلى 3 شهور، وتمكِّنه أيضاً، من تجديدها، بموافقة النائب العام، لمدة 3 أشهر أخرى . كما يجوز للمدير أن يطلب من مجلس الأمن الوطني تجديدها لمدة 3 أشهر إضافيَّة . ورغم أن النصَّ يكفل للمحتجز، استئناف هذا القرار أمام القاضي، إلا أن ذلك قائم فقط في المستوى النظري، إذ لا توجد ضمانات فعليَّة للحصول على مساعدة قانونيَّة فوريَّة، علاوة على أنه غالباً ما يتمُّ تجاهل مدة الاحتجاز وفق المادة /31 . وأكدت اللجنة وجود محتجزين لفترات طويلة من دون مقابلة محام، أو المثول أمام محكمة . وتخوِّل المادة /9 للعضو، في حالات معيَّنة، الحجز على الممتلكات "وفقاً للقانون" . وتنصُّ المادة /322 على حقِّ المحتجز في الاتصال بأسرته "حيثما لا يخلُّ ذلك بسير الاستجواب والتحقيق في القضيَّة" . ورأت اللجنة أن هذه العبارة غامضة، فحتى لو كان أفراد الأسرة مطلعين على هذا الحق، فمن المشكوك فيه أن تتوفر لديهم الشجاعة لتحدي الخوف من أجهزة الأمن . وتبيِّن للجنة أن الإدارة غالباً ما ترفض السَّماح بالاتصال . ومن ثم يصبح المحتجز مجهولاً، وقد يتجاوز احتجازه 12 شهراً من دون تهمة، ومن دون مقابلة محام، ومن دون عرضه أمام محكمة، أو السَّماح بزيارته، بالمخالفة للمادة /143ج من العهد الدَّولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بل والمادة /31 من قانون الجهاز نفسه التي توجب، بعد انتهاء مدة الاحتجاز، وأقصاها 9 شهور، تقديم المحتجز إلى المحاكمة أو إطلاق سراحه .
ومن جهة الحصانات، وبعكس الاتِّجاه السَّائد لمحاربتها في القانون الجنائي الدَّولي، كأدوات للإفلات من العقاب، تطويراً لإرث نورمبرغ وطوكيو، وتكريساً لتطبيقات يوغسلافيا في لاهاي ورواندا بأروشا، فمن أهمِّ ما أخذت اللجنة الدولية على هذا القانون أنه يمنح، في المادة /33 منه، حصانة قويَّة لأعضاء الجِّهاز والمتعاونين معهم، فلا

يُرغمون على إعطاء معلومات عن الأنشطة التي اطلعوا عليها خلال عملهم، ولا يمكن مقاضاة أيٍّ منهم، جنائيَّاً أو مدنيَّاً، على ما ارتكبوه أثناء هذا العمل، إلا بموافقة المدير، وحتَّى في هذه الحالة فإنهم يحاكمون في محاكم سريَّة، بالمخالفة للمادة /411 من العهد الدولي المشار إليه، والتي تعتبر الجَّلسة المفتوحة، معياراً للمحاكمة العادلة . وعند مواجهة اللجنة لمدير الجِّهاز بهذه المسألة، نحا باللائمة على الترجمة، لكن اللجنة أجرت ترجمة أخرى بمعرفتها، فخلصت إلى أن المحاكمة "السريَّة" موجودة، بالفعل، في القانون، ومن ثمَّ أوصت، وبقوة، بإلغاء ذلك القانون .
ألغي القانون بالفعل، إلا أنه صدر بدلاً عنه، قانون 2010م، السَّاري حاليَّاً، والذي احتفظ بجميع مثالب القانون القديم، بما في ذلك السُّلطات والحصانات الواسعة، فلا فرق يذكر بين القانونين سوى أن الأخير اشتمل على صياغات "تجميليَّة" أكثر، وإن كانت بلا جدوى حقيقيَّة . فالمادة /50 تمنح العضو سلطات غير محدودة في التفتيش، والقبض، وحجز المعتقل لثلاثين يوماً "مع إخطار ذويه فوراً"، وتجيز للمدير تجديدها لمدة 15 يوماً، ثمَّ يرفع الأمر لمجلس الأمن الوطني الذي يمكنه مدها لثلاثة أشهر . وتنصُّ المادة /51 على وجوب إبلاغ المعتقل، عند اعتقاله بالسَّبب، و"الاتصال" بأسرته أو بمحاميه "إذا كان ذلك لا يضر بسير التحرِّي"، ويُحظر إيذاؤه بدنياً أو معنوياً، وتُوفَّر له الرعاية الطبيَّة، وحق اللجوء للمحكمة، إذا تجاوز اعتقاله المدد المحددة في المادة /50 . لكن غالباً ما تبقى هذه الحقوق حبراً على ورق، للأسباب نفسها التي سبق أن أشارت اللجنة الدولية إلى أنها تحول دون ممارسة المعتقل لحقوقه المنصوص عليها في قانون 1999م، وفي مقدِّمتها غموض الصِّياغة، وانعدام الضَّمانات في الممارسة العملية .
أمًّا من جهة الحصانات فلا يُعتبر جريمة، حسب المادة/،52 فعل العضو "بحسن نية أثناء أداء وظيفته" . كما لا يجوز إجباره على الإدلاء بأي معلومات يكون قد حصل عليها بسبب عمله، إلا بقرار قضائي، ولا يجوز اتخاذ أي إجراء مدني أو جنائي ضده إلا بموافقة المدير، شريطة ألا يكون موضوع المساءلة متصلاً بالعمل الرسمي، وحتَّى في هذه الحالة فإن المحاكمة تكون سرية، وتنسحب امتيازات هذه المادَّة على المتعاونون أيضاً .
لئن كان قانون 1999م غير دستوري لانتهاكه، بوجه عام، الحقوق والحريَّات، فإن قانون 2010م غير دستوري لمفارقته، بوجه مخصوص، لمنطوق المادة /1/151 من الدستور الانتقالي لسنة 2005م، والتي تنصُّ بوضوح، وبما لا يدع مجالاً لأيِّ تفسير آخر، على أن خدمة الأمن مهنية "تركز . . على جمع المعلومات، وتحليلها، وتقديم المشورة للسُّلطات المعنيَّة" . وهكذا تتعارض ممارسة الجِّهاز لأيِّ أدوار تنفيذيَّة تعارضاً صارخاً مع هذا النصِّ قلباً وقالباً .
الإصلاح، إذاً، ضرورة قصوى، بما يشمل قانون الأمن، وهذا يقيناً، هو جوهر قرار مجلس حقوق الإنسان بمنح الحكومة فرصة أخيرة نرى أنه يجدر بها عدم إهدارها .
نقلا عن صحيفة الخليج