رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبيل عمر يكتب : الإسلام والسؤال الصحيح

نبيل عمر
نبيل عمر

 

قد يكون ثمة خلاف حول صحة الحديث النبوي القائل: أطلبوا العلم ولو بالصين، وقد حكم عليه جمهور من الأئمة والعلماء بأنه حديث ضعيف من جميع طرقه، وإن وافق البعض على نصفه الأول فقط، باعتبار طلب العلم فريضة في المسلم، لكن لو تأمل أي مسلم حال العالم الإسلامي من شرق الصين إلى غرب الأطلنطي، ومن جنوب المتوسط إلى أواسط إفريقيا يستفزه هذا القدر الهائل من التخلف العلمي والمعرفي. فكيف تتسق "فريضة" العلم على كل مسلم مع التخلف الشائع؟

قد تحتد ملامح صاحب ذقن طويل أو داعية فضائي غضباً ويقول: خسئ كل من يسأل هذا السؤال الكاره للإسلام، فنحن متقدمون في علوم كثيرة، وهل هناك ما هو أهم من الفقه والشريعة وعلوم الحديث وتفسير القرآن، المطابع لا تكف عن الدوران، وملايين القراء لا يكفون عن شراء ما تطبعه حتى صارت الكتب الدينية هي الأكثر رواجاً في العالم الإسلامي.

إجابة تقليدية تستند إلى تفسير كلمة "العلم" في الحديث الشريف (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وأن المقصود بها هو "العلم الشرعي"، وقال الثوري: هو العلم الذي لا يُعذر العبد في الجهل به.

وهنا وبعد ١٤ قرناً يمكن أن نسأل: هل كانت توجد "علوم تطبيقية" في بادية العرب كالجبر والهندسة والطب والكيمياء ولها علماء منهم في زمن نزول الإسلام وانتشار دعوته؟ وهل كان المسلمون واقعين في حيرة الاختيار بينها وبين العلم الشرعي الذي هو فريضة عليهم؟

نفت كل المصادر التاريخية هذه الفرضية تماماً، إذ كانت المنطقة غارقة في شكل هين للغاية من الحياة والنظم والمعارف، وجاءت الحقائق العلمية الواردة في القرآن الكريم غامضة كلياً على أهل ذلك الزمان، ومتجاوزة معارفهم بمئات السنين، فإذا كان طلب العلم فريضة، فلماذا يقتصر على العلم الشرعي وهو لا يستطيع أن يفسر بمفرده حقائق علمية في مختلف المعارف واردة بالقرآن؟

والأهم أن العلوم الشرعية لم تتأسس علوماً لها مناهج وقواعد بحث وتفكير إلا بعد رحيل الرسول عليه الصلاة والسلم بأزمنة ليست قصيرة.

ولأكثر من ٣٠٠ سنة عمل المسلمون بأمر النبي في طلب العلم، ترجموا خلالها معارف الحضارات اليونانية والرومانية والفارسية، بما فيها من كتابات وفلسفات لا تتفق ومعتقداتهم الدينية، وبعضها لا يحترم الدين أساساً، ولم يشعروا أمامها بالخوف على دينهم أو بالضعف من التسلل إلى نفوس أبنائهم وتفسد عليهم إسلامهم، فقد كانوا واثقين في دينهم وإيمانهم به، كما اتصلوا بالعديد من نوابغ عصرهم في سائر الأمم، فسادوا العالم، وأسسوا واحدة من أعظم الحضارات في تاريخ البشرية..

ولا أريد أن أخوض في تفاصيل أصول المسلمين الذين أبدعوا في الطب والرياضيات والكيمياء والهندسة والفلك والفلسفة والموسيقى، فأغلبهم لم يكن عربياً إلا باللغة لا بالعرق، بينما العرب برعوا في كل ما يخص «علوم البيان» والفقه والشريعة والحديث. وهذا لا يعيب العرب، لكنه يكشف طبيعة العقل العربي «الذي» عاش في بيئة

صحراوية ممتدة تتسع لخيال الشعراء والرحالة، وأكثر ما برع فيه العرب من علوم الآخرين هو فن الإدارة الحكومية والدواوين الذي نقله الخليفة عمر بن الخطاب عن الفرس. وطورته الدولتان الأموية والعباسية. ومع تفكك الدولة العباسية تراجع المسلمون وأهملوا أمر طلب العلم، وصاروا يتحدثون عن الحديث الشريف كثيراً في مجالسهم ولا يعملون به، ثم حلت فيه معان غير التي قصدها الرسول عليه الصلاة والسلام.

وفى مصر ومع نشأة الدولة الحديثة على يد محمد علي باشا عاد الاهتمام بالعلوم الدنيوية وراحت البعثات تجوب أوروبا بحثاً عن الجديد في معارفها، فكادت مصر تقطع صلتها بمنظومة قيم متخلفة سادت قروناً وتتبنى بدلاً منها منظومة قيم عصرية دفعتها بقوة إلى الأمام، لكن عملية الانسلاخ والتجديد لم تكتمل، ومنظومة القيم ليست هي منظومة الأخلاق. القيم أشمل وتستوعب كل أنشطة الإنسان: كالمثابرة وإتقان العمل والجدية وتثمين الوقت والمساواة والعدالة وتقدير الكفاءة واحترام حقوق الآخرين والحريات الأساسية، وكلها قيم إسلامية هجرها المسلمون إلا قليلاً، حتى إن الشيخ محمد عبده قال حين زار أوروبا: وجدت إسلاماً دون مسلمين، وفى بلادنا مسلمون دون إسلام.

وقطعاً العبارة العظيمة التي قالها الإمام محمد عبده لا تعني أن المسلمين في بلاد الإسلام لا يصلّون ولا يرتادون مساجد الله ولا يصومون ولا يزكّون ولا يتصدقون ولا يتزوجون حسب شرع الله أو لا يربون لحاهم أو لا تحتشم نساؤهم.. الخ، قطعاً كانوا يفعلون ذلك في القرن التاسع عشر، فلماذا وصفهم الإمام محمد عبده بأنهم مسلمون بلا إسلام؟

قطعاً، لأنهم كانوا مسلمين في الشكل والمظهر وليس في الجوهر والعمل، والمظهر هو خداع ونفاق وجهل، والجوهر مصالح ومعاملات وعلم. ولن يخرج المسلمون من أزماتهم إلا بعد أن يصبح السؤال الصحيح هو مفتاح عقولهم إلى المعرفة لا التلقين والحفظ والنقل كما يفعلون الآن.

والسؤال الصحيح قاد سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء إلى معرفة الله.
نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية