عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نبيل فهمى يكتب :الدائرة المفرغة في مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

خيمت على مصر في معظم فترات العامين الماضيين سحابة من الكآبة والإحباط والقلق. واليوم يسود شعور قلق من الترقب أيضا نتيجة لتحفيز حركة الشباب المعارضة الشعبية للرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. وتعم المزاج العام حالة تناقض صارخ مع النشوة الكبيرة والتوقعات الهائلة التي سادت في بداية ثورة 25 يناير. فبعد عامين ونصف من سقوط الرئيس حسني مبارك، ومرور عام على انتخاب خليفته، محمد مرسي، لا تزال البلاد تبحث عن هويتها.

هناك العديد من الأخطاء، التي ارتكبها في الأساس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي قاد الفترة الانتقالية بين الرئيسين، والتي كانت مصدر الأزمة الوخيمة التي تعانيها مصر. ففي الوقت الذي يمر فيه عام على تولي مرسي منصبه، يتوقع أن تكتسب المظاهرات، نظرا لانضمام غالبية الشباب إلى حركة «تمرد» التي جمعت ملايين التوقيعات، زخما. وبعد جمع أكثر من 22 مليون توقيع تدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة - بأكثر من 65 في المائة من عدد أصوات المرشح الفائز في انتخابات عام 2012 - ينبغي الإصغاء للشباب، وأن يأخذوا خطوة للأمام ويساعدوا في قيادة مصر نحو مستقبل أفضل لجميع المصريين دون استثناء.
التحدي الذي يواجهنا هو أن نفهم ليس فقط ما حدث في مصر، بل السبب فيه، وإلى وضع إطار للتنمية المستقبلية للبلاد بدلا من مجرد تحديد الهدف النهائي. ففي عام 2011، كان المصريون يرفضون استمرار نظام سياسي ثقيل هيكليا ومستبد، سلب منهم من حقهم في المشاركة في تحديد مستقبلهم السياسي. لكن الكثيرين فشلوا في إدراك الشروط الأساسية لإقامة نظام بديل أفضل، نظام ديمقراطي سواء في مفاهيمه التمثيلية أو ممارسة سلطته التشريعية والقضائية، أو التنفيذية. وتمثلت جذور المشاكل السياسية في مصر في عدم فهم ماهية الديمقراطية.
ومنذ قيام الثورة، على الرغم من مقاومة الحكومة، مضت مصر في طريقها نحو إعلام أكثر انفتاحا، وهو المسار الذي رسمه مبارك في البداية. وشهدت البلاد أيضا زيادة في أعداد الأفراد المطالبين بحقوقهم، بشكل يفوق ما كان في الماضي. على الرغم من ذلك، لم تبدأ مصر بعد عملية مصالحة حقيقية، ولم تقترب من نهاية التحول الديمقراطي. وأصبحت كمجتمع، أكثر انقساما واستقطابا. والسبب في ذلك يرجع إلى أن كل فصيل من فصائل الطيف السياسي، بين المواقف المتعارضة للإسلاميين والمعارضة غير الإسلامية، يريد لمصر الحديثة أن تعكس رؤاهم المتباينة للمجتمع. وبشكل خاص، ولكن ليس صحيحا على وجه الحصر، بالنسبة للإسلاميين الذين لا يريدون ضم الآخرين في رؤيتهم الآيديولوجية من مصر.
لا يمكن إنشاء نظام ديمقراطي في مصر برؤية حصرية واحدة للمجتمع، فقبول الآخر هي الخطوة الحتمية الأولى نحو المصالحة. يجب أن يكون النظام السياسي الجديد شاملا لجميع

مناحي الحياة من دون تمييز أو تعصب، أو ميزة لا مبرر لها، بغض النظر عن المعتقدات الأخرى. وخلاف ذلك لا يمكن أن يعتبر تمثيلا ديمقراطيا. وعند مناقشة تجربة الدولة في المرحلة الانتقالية، لا سيما في أوروبا الشرقية، كان التركيز على تغيير الموظفين الحكوميين، وإعادة ضبط الخدمة المدنية أو البيروقراطية لتصبح متوافقة مع مبادئ الدولة الجديدة، وإعادة هيكلة النظام الأمني. لكن على الرغم من أهمية هذه الأمور، غابت في كثير من الأحيان التحديات الفريدة التي نواجهها في مختلف الظروف حتى قبل أن يحصل المجتمع على فرصة لإعادة تعريف نفسه. والقضايا التي تواجهها مصر وأجزاء من العالم العربي اليوم هي على عكس ما واجهته نظيراتها في غرب أوروبا، حيث كانت توجد رؤية بديلة واضحة المعالم للمجتمع على نطاق واسع. والواقع أن التحديات الأقرب شبها بتلك التي نواجهها في المجتمعات العربية هي التحديات التي واجهتها جنوب أفريقيا في إنهاء الفصل العنصري والهند في حربها من أجل الاستقلال. وما يزيد من تعقيد المسألة هو أنه لا يوجد مانديلا أو غاندي في مصر، على جانبي الطيف السياسي.
يجب على مصر الديمقراطية أن توفر بالأساس مساحة وتمثيلا للإسلاميين وغير الإسلاميين على حد سواء. وضم جميع الأطياف هي الركيزة الأساسية لكي تثمر الديمقراطية. ويجب على جميع الأطراف في مصر أن تدرك أن الفوز بتفويض عام للحكم إنما هو تمثيل فاعل لجميع المصريين بقدر ما هو تعزيز لبرامج تتفق وآيديولوجيا جمهورها الطبيعي. وحتى يفعلوا ذلك، فسوف تستمر مصر في حلقة مفرغة من الركود السياسي، وإحراز تقدم ضئيل نحو الاكتفاء الذاتي ونظام سياسي عادل.
* نبيل فهمي: سفير مصر السابق إلى اليابان والولايات المتحدة وعميد كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط