رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الفقي يكتب :لا تتركوا مصر

بوابة الوفد الإلكترونية

أشعر بقلق شديد تجاه ظاهرة متنامية وضحت لنا في العامين الأخيرين تتمثل في ذلك الحجم المتزايد من نزوح المصريين  أقباطاً ومسلمين  إلى خارج البلاد مدفوعين بعوامل غير واضحة ولكنها تدور في معظمها حول احتمالات المستقبل عندما يؤول الحكم بالكامل إلى الإخوان المسلمين والتيار السلفي، وهو أمرٌ وارد في ظل الظروف الحالية للبلاد .

وفي ظني أن هذه واحدة من أخطر الظواهر بعد ثورة 25 يناير ،2011 لأنها تعكس عملية استنزاف واضحة للموارد البشرية المصرية، بل وما هو أكثر من ذلك أن عدداً من النازحين هم أيضاً من رجال الأعمال أو الصناعة أو المستثمرين، ولذلك يصاحب عملية النزوح البشري عملية نزوح أخرى في الأموال المصرية والخبرات الوطنية، وهو ما يدعونا في هذه السطور إلى أن نتأمل النقاط الآتية:

* أولاً: إن مصر دولة غنية بالموارد البشرية حتى وإن لم تكن لديها وفرة في الموارد الطبيعية، وبالمناسبة فإن الموارد البشرية هي صانعة التقدم وقاطرة التنمية، ويكفي أن نتأمل دولتي اليابان في آسيا وسويسرا في أوروبا، وكيف أن ندرة الموارد الطبيعية لم تحل دون تحقيقهما قفزاتٍ هائلة إلى الأمام بسبب الاعتماد على العنصر البشري الكفء والمدرب الذي استطاع أن يخرج بهما إلى دائرة التفوق العالمي والتقدم الصناعي والتخصص الدقيق في مجالات معينة، وهل ننسى أن اليابان قد وضعت جدولاً زمنياً لعقود متتالية كل عشر سنوات أحدها للإلكترونيات والثاني للسيارات والثالث للطائرات؟ كما أن الدولة السويسرية قد استفادت من براعة شعبها في الصناعات الدقيقة مثل الساعات والأدوات القاطعة بكل درجاتها . وبلدنا مصر هو مستودع العقول البشرية في المنطقة ولا أقول مرة أخرى إنه هو الذي بنى وعلَّم وطبّب، ولكني أقول إنه قاد التنوير في المنطقة كلها في القرنين الأخيرين على الأقل، فهل يجوز لبلد هذه صفاته أن يفقدها الواحدة تلو الأخرى في وقت تحتاج فيه مصر إلى عقول كل أبنائها وسواعد كل شبابها من دون تمييز أو استثناء أو إقصاء .

* ثانيًا: إن العناصر التي تترك الوطن هي غالباً من أفضل العناصر فيه وأكثرها ندرة، فهم المتعلمون ورجال الأعمال وأصحاب الثروات الذين ينهض بهم المجتمع لا أن يتخلف بسبب غيابهم، ولقد لاحظنا في الشهور الأخيرة أن معدلات الحصول على تأشيرات الهجرة إلى الخارج قد تزايدت بشكل طردي، خصوصاً إلى دول مثل كندا والولايات المتحدة وأستراليا وبعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها جورجيا، رغم العقبات والمصاعب التي يتعرضون لها! وإذا سألت أحدهم عن سبب تركه الوطن في هذه الظروف، فسوف تكون الإجابة سلسلة طويلة من التبريرات تبدأ بالمخاوف من البيئة السياسية الحالية ومناخ الصراع على السلطة والقلق من احتمال التضييق على الحريات الشخصية أو الضغط على الأقباط خصوصاً بعد أحداث الفتن الطائفية المتعاقبة ثم حادث الكاتدرائية الفريد من نوعه الغريب في ملابساته، كما أن البعض يغادر الوطن تحت وطأة ما يشعر به من أزمة اقتصادية وما يقترن بها من انفلات أمني بل وانفلات أخلاقي أيضاً .

* ثالثاً: يراقب المهتمون بعنصر السكان في إقليم الشرق الأوسط النزوح المتزايد للمسيحيين من لبنان والعراق وأيضاً سوريا إضافة إلى أقباط مصر، وعندما تعرضت كنيسة سيدة النجاة في العراق منذ أعوام قليلة لعدوانٍ سافر فإن الأزهر الشريف وشيخه المستنير قد انتفضا، وكان ذلك هو السبب في خروج فكرة “بيت العائلة” لترى النور منذ ذلك الحين، ولذلك فإن الجو العام في الشرق الأوسط  خصوصاً بعد غزو العراق وثورات الربيع العربي ونزيف الدم في سوريا  أصبح غير مواتٍ لحديثٍ عن الانصهار البشري أو الاندماج السكاني أو الائتلاف الطائفي، فالشرق

الأوسط الذي عرف عبر تاريخه الطويل كل أسباب التوافق الكامل والتعايش المشترك، قد تغير في السنوات الأخيرة، فشاعت الفوضى وانتشرت الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب التوتر الديني والاحتقان الطائفي وتصنيف الناس وفقًا لمعتقداتهم الروحية بديلاً لانتماءاتهم الوطنية .

* رابعاً: إن ضبابية أجواء المستقبل والشعور بعدم الأمان والإحساس بأن السنوات المقبلة قد تحمل تغييرات مفاجئة أو أحداثاً طارئة، أدت إلى حالة الفزع التي سادت المنطقة ودفعت إلى النزوح الجماعي الذي أصبح ظاهرة سياسية، ولا شك في أن كم الشائعات المغرضة والاحتمالات المفتوحة تقف وراء الدوافع التي تؤدي إلى أن يترك الكثيرون أوطانهم  رغم عشقهم لها  لأنهم يشعرون بأنها قد ضاقت بهم ولم تعد لهم . ومازلت أتذكر لقاءً جمعني بسفير كندا في القاهرة وكان الرجل حريصاً على مصر وشعبها، وقد ذكر لي يومها أن بلاده تفكر في دعم مقاومة الطائفية بالمنطقة من خلال إنشاء مكتبٍ إقليمي للتوافق بين أهل الديانات السماوية ومواجهة الأحداث الطائفية ونتائجها المروعة، ولقد تحدث الرجل يومها عن الأعداد الكبيرة لطالبي الهجرة من المصريين وغيرهم من العرب .

* خامساً: إن مصر الحديثة قد شهدت موجات متنوعة من النزوح عن أرضها الطيبة منذ منتصف خمسينات القرن الماضي وفي أوائل ستيناته، كانت الأولى مرتبطة بالعدوان الثلاثي على مصر، بينما ارتبطت الثانية بقرارات التمصير والتأميم والمصادرة التي عرفتها مصر الناصرية في تلك الحقبة، ولكن الفارق أن النزوح في هاتين الفترتين كان من الجاليات الأجنبية والمتمصّرين ومنهم يونانيون وأرمن ويهود وإيطاليون وشوام، أما الحالة الراهنة فهي ترتبط بمصريين كاملي المواطنة ممن لا يجب أبدًا أن يتركوا بلادهم خصوصاً في الظروف العصيبة والأوقات الصعبة، وكما قلت من قبل فإن الطيور المهاجرة هي لأصحاب العقول المتميزة والثروات الكبيرة والخبرات النادرة، ولقد سعدت شخصياً بعودة المصري الوطني المهندس نجيب ساويرس وعائلته كلها إلى أحضان بلدهم مهما كان الثمن، فمصر أولى بأبنائها وأحق بخبراتهم الوطنية وثرواتهم المصرية .

. . لقد دفعني إلى كتابة هذه السطور نداءٌ أوجهه لكل المصريين الذين تركوا الوطن أو يفكرون في تركه قائلاً لهم إن مصر ليست لحزبٍ سياسي أو فصيلٍ وطني أو أتباع دينٍ معيّن أو فكر بذاته، إنها مصر المسلمين والمسيحيين، مصر الأغنياء والفقراء . . إنها مصر ذلك البلد العظيم الذي باركه الأنبياء وكرمته الديانات وانصهرت فيه الثقافات والحضارات!
نقلا عن صحيفة الخليج