رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسامة غريب يكتب : الإنسان والحلم

بوابة الوفد الإلكترونية

عندما أستعيد ذكريات زياراتي لبعض دول أوروبا الشرقية في زمن الشيوعية يلفت انتباهي أشياء جديرة بالتأمل ويجرفني الحنين لتلك الأيام..ليس لميلي للشيوعية وانما لأن مدناً مثل وارسو وبراج وبرلين وزغرب كانت نفس ما هي عليه الآن من نظافة وبهاء،

وثراء تاريخي وعظمة معمارية، لكن بدون مولات أو أسواق أو منافذ استهلاكية مما يستحوذ على الانسان في زياراته لبلاد العالم ويسلبه وقته وانتباهه وماله.نعم أشعر بأنني في زيارات زمان كنت أشعر بصفاء غريب وتجرد وميل نحو التفكير الفلسفي، وكانت تطول الانطلاقات في الشوارع وعلى ضفاف الأنهار وفي الغابات على أطراف المدن.. لم يكن هناك أوجه لصرف المال..المال الذي نراه عبئاً يتعين التخلص منه في أي رحلة للخارج، بعدما أصبحنا نقيس مدى استمتاعنا بالرحلة بكم الفلوس الذي أنفقناه!..لهذا كانت الأفكار تتدفق وتأتي صافية، والشاطر هو من كان يغتنمها ويصنع منها فناً وأدباً وشعراً.
لم أكن بطبيعة الحال جاهلاً بقسوة النظم الاستبدادية الحاكمة لتلك البلاد، ولا بالقبضة الأمنية الحديدية الممسكة بأعناق الناس، ولا بالغضب الذي يعتمل في النفوس هناك بسبب الحرمان من المنتجات الاستهلاكية..تلك التي كانت الدعاية الغربية تمعن في الاكثار منها، والتي كانت تثير حسرة الناس في مدن أوروبا الشرقية وتصيبهم باليأس من قلة بختهم في الحياة!..كل هذا كنت أعرفه، وربما لهذا كنت أملأ حقيبتي بعلب البيبسي والسجائر المارلبورو وعلكة الشكلتس، فهذا كله كنت أحصل في مقابله على خدمات من كل نوع!.. لكني كنت أغبط الناس هناك على أشياء عديدة منها أنني أستطيع تناول وجبة من الخضراوات والأرز واللحم والفواكه بقروش قليلة، ومنها اهتمام الدولة بالرياضة ووفرة المساحات الخضراء الفسيحة، ووجود التعليم المحترم والعلاج المجاني للجميع والمسارح والأوبرا والباليه.كانت الدولة تقدم الاحتياجات الأساسية للانسان وبأكثر مما

يحلم به الفقراء في بروكلين وهارلم في أمريكا..لكنها حرمتهم من عظمة وجنون الحلم الأمريكي في ان كلاً منهم يمكن ان يصبح في يوم من الأيام مليونيراً سواء بالاجتهاد أو بضربة حظ، فضلاً عن ان افتقاد الحرية، حتى لو كانت مجرد حرية النباح والصراخ من شأنه ان يعجل بموت الأرواح ويجعل الحياة تفقد معناها.
ومع هذا فانني عندما أزور هذه المدن في الوقت الحالي وأرى ماذا فعلت بها العولمة وكيف أنها تحولت بمحالها ومولاتها ومطاعمها الى نسخ رديئة من مدن أوروبا الغربية أشعر بحنين جارف لتلك الأيام عندما كانت أحلام الناس بسيطة واحتياجاتهم لا تذكر وعلاقاتهم غير معقدة، ومدنهم داعية لانطلاق الخيال بلا حدود.لا شك ان حلم الشيوعية قد فشل ليس فقط بسبب الحرب الشعواء التي خاضتها أمريكا ضد هذا الحلم خشية ان ينجح فيصبح ملهماً للناس في أمريكا ذاتها، ولكن لأنه غير قابل للتحقق في دنيا البشر حيث تحول الأنانية والأطماع الصغيرة بينه وبين النجاح، وحيث يمكن لبنطلونات الجينز وزجاجات البيبسي ان تهدم امبراطورية كبيرة وتجعل من عالمة في الكيمياء راقصة استربتيز في علبة ليل رخيصة!
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية