رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مصطفى الغزاوي يكتب :وما خفي !!

بوابة الوفد الإلكترونية

توصيف ما يجري في مصر الآن، وطبيعة المرحلة، والقوى المشتبكة فيما بينها، وطبيعة الاشتباك، وافق هذا الاشتباك، بقدر إلحاحه على العقل، فقد صار نوعا من الاجترار ويثير من الفرقة والارتباك أكثر منه ينير الطريق، والارتباك يؤدي إلى خلق بيئة خصبة للإشاعات وانعدام قدرة الفصل بين الوهم والحقيقة، وبين المهام الواجبة وأحلام اليقظة.

ما ينظر إليه البعض أنه نقطة الصدام، هو في حقيقته ما يظهر للعيان وما يتسرب من شقوق بين أطراف الفعل ورد الفعل الذي يتدنى في أغلبه إلى الأنين وليس الصراخ أكثر منه رد فعل بعمق وقوة الفعل وفي مواجهته.
كل محاولات رصد فعل الانقلاب على ثورة يناير 2011، وإن ادعى أنه في ذاته الثورة وغيره الحركة المضادة للثورة، تتكسر على صخرة عدم امتلاك قدرة تجاوز سطح الوقائع المباشرة الظاهرة للعيان، والتأرجح والتردد في الإمساك بحقائق الانقلاب مهما كانت مرارتها.
والانغماس في حسابات الفعل في كونه داخليا، أو هو مجرد رؤية لكيان وطني قد تختلف معه أو تتفق، وأن اختلاف الرؤى يفرض الحوار سبيلا بين الأطراف لعلها تجد بينها هوامش مشتركة، هو تجاهل آخر لعمق الفعل الذي تواجهه حركة الشعب في مصر، ويفرض وجوب الوعي بالقوى الخارجية من منها معاديا ومن منها صديقا، وليس في عالم الصراع معيار للخصومة أو الاتفاق سوى مدى تناقض المصالح أو اتفاقها، وأن الركون إلى أوهام أن العلاقات بين الدول ــ حتى تلك الشقيقة ــ تقوم على الخواطر أو تتجاهل المصالح هو نوع من الهذيان في العلاقات الدولية.
يثير في غالب الأحيان إحساس عدم القدرة على مواجهة الفعل إلى البحث عمن نكيل له الاتهام، وهي سقطة أخرى ولكنها سقطة إستراتيجية، وانحراف مزدوج التأثير، فمن حين إلى آخر يجري توجيه الاتهام إلى الشعب أنه تواكل ولزم بيته وأنه يقبل بما يطيح بحقه في الحياة، وهذا في ذاته أحد أوجه الانحراف، فالشعوب لا تقاتل كل الوقت، ولا تتحدث في الصراع وتخوضه كل الحياة، ولكن الشعوب بصبرها وألمها تفتح كتاب الألم والآمال لمن يملك البصر والبصيرة، أما الذين يكتفون بالرصد بصرا ويفتقدون البصيرة، فهم فوق الانحراف يصيرون عبئا على نضالات الأمم ولا يصلحون لصناعة مستقبلها ولا يملكون شجاعة وأدوات صناعته. ويكمن الوجه الآخر للانحراف في خشية من يتصدى للفعل أن ينفض عنه الشعب وكتله الاجتماعية، وبديلا من تحمل مسؤولية التعبير عن الشعب وفق ما يفرضه واقع المواجهة، تتحول هذه الخشية إلى سلاسل قيد يعيق الإبداع في الحركة، وينحرف بالقرار بعيدا عن متطلبات الواقع، وعمق المواجهة.
في زمن مضى ــ وليس من اليسير أن ينقضي أثره ــ كان هناك تصوير لبعض ممن يكتبون أو يقررون أمر مواقفهم في مواجهة التردي، إن الخشية من مخبر الأمن السياسي يعشش في الرؤوس والأقلام، وأضيف إلى ذلك التوصيف مقولة "ثقافة الهزيمة"، وهي التي تحاصر الإبداع وتعدم المبادرة، ويقبع سجين الخوف والتردد، وهو نقيض ما حققته ثورة يناير عندما كسرت حاجزي الخوف والتردد.
الفارق الجوهري بين الفعل المضاد للثورة وبين فعل الثورة في مصر، هو الفارق بين وضوح الهدف وضبابيته، فهدف القوى المضادة للثورة كان واضحا منذ اللحظة الأولى وتجسد في أمرين داخليين، أولهما ألا يتحقق بالفعل الشعبي أيا من الأهداف التي يريدها ويحتاجها، والثاني إجهاض إمكانية حدوث هذا الفعل، فقد مثلت حركة الشعب وصحوته رعبا للأطراف الخارجية بالأساس، وتمثل أمامها أن انطلاق الإرادة الشعبية لن يمكن كبح أثرها على تنمية إمكانات الدولة وبالتالي الدور الإقليمي، وكان البحث عن بديل لنظام سقط يملك خبرة ومخططا وأدوات للتنفيذ.
تمثلت الخبرة في الرؤية البريطانية التاريخية لطبيعة المنطقة ودور الدين فيها، وكما كانت تبحث قبيل إنشاء إسرائيل عن زعامة دينية للمنطقة تقودها وتعمل من داخل عباءة بريطانيا، فهي أيضاً فتحت الباب لذات الرؤية أن تعمل أثرها في إنشاء تنظيم القاعدة، كما أن ذات التصور اعمله السادات في مصر لمواجهة الوجود الناصري واليساري في الداخل بإنشاء الجماعات الإسلامية.
وكان المخطط الأمريكي في إزكاء الصراع المذهبي السني الشيعي حسب خطة "ديك تشيني، ابرامز، زلماي خليل زادة وبندر بن سلطان"، يلتقي وجملة الخطط الأمريكية للمنطقة، وأسلمة الصراع في المنطقة، ووجد ضالته في جماعة الإخوان، والتقت الغايات، وكان الثمن هو تحقيق الأهداف الداخلية بإنهاء الإرادة الوطنية وإجهاض أهدافها، وتحقيق أمن إسرائيل.
هكذا التقت الخبرة البريطانية، وتاريخ علاقتها مع جماعة الإخوان، وتركيا أيضا، مع المخطط الأمريكي وصارت الأداة طيعة وتتستر بالعباءة الدينية.
إن طبيعة هذا الصراع الذي دخله الشعب تفرض عليه أن يعمل مشرط الجراح في المجتمع وأن يملك تحليلا سياسيا يدرك أبعاد الصراع.
وهذا التحليل السياسي يجب أن يتصدى لموجات الحرب النفسية الدائرة رحاها في المجتمع المصري، والتي تحاول أن تؤكد أن الشعب قد خسر ثورته، فحسابات الخسارة والمكسب في تاريخ الشعوب ليست عمليات رياضية بحته، ولكنها معادلة اجتماعية وسلوكية، معادلة وعي وانتماء، تراكم التجارب عبر تاريخه، وصل

إلى ذروة تغير نوعي في محصلة الإدراك الشعبي، وهذا التغير في السلوك تكشف عنه المواقف وأساليب التفكير وتقييم القوى، ونظرة أمينة إلى الوضع في مصر الآن تؤكد أن "الشعب قد حضر ودخل معادلة الصراع ولن ينصرف"، وتزيد قدرة الشعب بكسر حاجز الخوف، ويبقى أن من يعرض نفسه على الشعب المصري عليه أن يحذر من حضوره، ومن قدرته على تمييز المواقف، وقدرته على أن يكشف الصدق من الكذب، وأنه يملك جسارة القبول بالتضحية أن صدقت قيادته ولم تخادعه، ويستطيع الصبر ويقبل التحدي، وهدم كل هذه القدرات هي غاية الحرب النفسية.

الرفض الشعبي لجماعة الإخوان المسلمين هو خسارة للجماعة، فبعد أن كانت المطاردات لهذه الجماعة تتم عبر الأجهزة الأمنية فالرفض اليوم شعبي، ووصل الأمر أن الرفض يكاد يصمهم بالخروج عن الدين، وليس الإخوان وحدهم ولكن العديد من الجماعات الإسلامية.
وكشفت الجماعة عن طبيعة محتواها الاجتماعي والاقتصادي، وكلاهما يناقض طبيعة الأفراد من أعضائها، فقبل وصولهم إلى الحكم كانت نقاط تواصلهم مع الشعب تتمثل في الأفراد من أعضائها، ولكن عندما انكشف موقف التنظيم قبيل ثورة يناير وحتى اليوم، لم تعد الجماعة ذلك الوهم الكبير، ولكنها الحقيقة المفزعة للشعب، والقصور في الإمكانات البشرية، والتصورات والانتماء، حتى أن الجماعة قد أضرت بانتمائها الوطني وهو أخطر ما يمكن أن يصيب جماعة أو تنظيما في أي مجتمع أن يصبح انتماؤها للوطن محل نقاش وليس الشك.
إن حصاد الشهداء والمصابين منذ وصول مرسي إلى الحكم تضعه في دائرة المسؤولية القانونية عن القتلى والمصابين، كما هي المسؤولية التي جرى محاكمة مبارك بشأنها.
إن تكالب الجماعة وسلطة الحكم التابعة لها كشفت عن وجهها الخارج عن تاريخ الوطن وهويته الحضارية واحتياجاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
البحث الجاري في مصر الآن ليس مفاضلة بين المشاركة في الانتخابات النيابية أو مقاطعتها، ولكن الدم والثأر في حياة الشعوب نقط انقلاب على الأنظمة، حتى وإن طال زمن الإعداد للانقلاب عليها.
الأمر في مصر الآن هو كيف يمكن إيقاف الانتخابات والحيلولة دون إتمامها. وفي مواجهة ذلك تستدعي سلطة الإخوان المواجهات الأمنية وليس السياسية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، ولا تعرض على الشعب سوى حالة من العناد والإفراط في الإرهاق الاقتصادي، ودوامات القوانين السيئة السمعة.
مرسي يمضي وجماعته على ذات طريق مبارك، وإذا كانت نهاية مبارك في مستشفى عسكري، فالتاريخ لن يعيد نفسه، خاصة لمن لا يعي دروس الشعوب وقدراتها.
وإذا كانت نهاية الحزب الوطني سبقت الحكم على مبارك، فغطرسة الجماعة أنهتها شعبيا.
ولعل حسابات المكسب والخسارة تطال الجماعة وهي تتجاوز قدرها مع عبد الناصر الذي حاولوا اغتياله عام 1954، وليبقى يطاردهم بعد رحيله بثلاثة وأربعين عاما من قبره، فالشعب يستدعي موقفه منهم، والشعب يستدعيه نداء من أجل العدالة الاجتماعية، فمن هو الخاسر الحقيقي.
ويتطاول أحد عناصرهم بأن القومية العربية وهم، ويخسرون حتى احتمال احترام وعيهم، فدلالات الجهل تفرض المواجهة، وتخصم من وجودهم زمنا يتجاوز عمر اسمهم. وسيبقى النضال الوطني من أجل الاستقلال والوحدة والعدالة الاجتماعية غاية الشعب.
المواجهة الآن بين الشعب وكل الإرادات المعادية له وأداتهم جماعة الإخوان.
وليحذروا مفاجآت الشعب المصري، فالشعب من الصبية حتى النساء في المنازل، تراهم أدوات للسيطرة الأجنبية، وتراهم يتخذون من مصر موطئ قدم ولا يرونها وطنا لهم.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية