فؤاد مطر يكتب :تصنيفات وتراجعات مصرية
تأثُّرا منه بقاموس الرئيس محمود أحمدي نجاد الحافل بمفردات ضد إسرائيل والشعب اليهودي، أو تعبيرا عن رؤيته كإخواني عريق للأوضاع والديانات والمذاهب.
فإن الدكتور محمد مرسي، القيادي في حركة الإخوان المسلمين الرئيس المصري الأول لمرحلة ما بعد إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، قال خلال مؤتمر انتخابي برلماني عام 2010 أمام جمْع حاشد «أرضعوا أطفالكم على كراهية الصهاينة الذين هم أحفاد القردة والخنازير وأنهم مصاصو دماء ومثيرو حروب ومعتدون على الشعب الفلسطيني». ولقد أراد في توصيفه هذا وقوله أيضا أمام الجمع الانتخابي «مَن عدونا؟ إنهم الصهاينة وإنها أميركا وفرنسا وأوروبا» النيْل من انفتاح الرئيس السادات على إسرائيل ومن مواصلة الرئيس الخلَف حسني مبارك السير على النهج الساداتي نفسه، مع ملاحظة أن الرئيس مبارك حاول جاهدا الإبقاء على مسافة محسوبة بينه وبين إسرائيل. وفي إطار هذه المسافة لم يتلفظ بكلام يستغله الإسرائيليون كما أنه حصر استقباله للمسؤولين الآتين من تل أبيب في حدود البروتوكول. وإلى ذلك فإنه لم يحجب مواقف منشورة على صفحات الصحف أو من خلال الفضائيات والإذاعات تصدر عن مفكرين ورجال دين ودبلوماسيين أو وزراء سابقين ويرمي هؤلاء السياسات الإسرائيلية بالنقد وأحيانا بالهجوم الحاد وبالذات عندما تُقْدم إسرائيل على اعتداءات من نوع العدوان على لبنان والعدوان تلو العدوان على الفلسطينيين.
بطبيعة الحال كانت الجهات المختصة في إسرائيل وكذلك «اللوبي» اليهودي في الولايات المتحدة ترصد كل المواقف التي يسجلها مسؤولون أو شخصيات سياسية في العالم العربي وبالذات في الدول التي انفتحت على إسرائيل «هديا» بما ارتآه ومن دون التشاور مع الأشقاء العرب الرئيس أنور السادات. وهذا الرصد له تبعاته حيث إن إسرائيل توظّف ما يقال ضدها وترفع الصوت الاستغاثي عاليا أمام الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية كي تبقى هذه داعمة لها سياسيا وماليا وعسكريا. وهي تفعل ذلك لأنها بدأت ترى في الأفق الدولي ملامح ضجر منها وبعض الاستعداد لإيجاد تسوية للشعب الفلسطيني وهذا ما حدث بشكل أولي في حصول فلسطين مع نهاية اليوم الأخير من العام 2012، الجمعة 31 ديسمبر (كانون الأول)، على صفة «دولة مراقب» في الأمم المتحدة وبتصويت شكَّل ما يشبه الصدمة لها لأن معظم الدول الأوروبية اقترعت لمصلحة الطلب الفلسطيني. ورغم أن بريطانيا ومعها أستراليا وألمانيا وهولندا امتنعت عن التصويت، والولايات المتحدة ومعها كندا وإسرائيل وست دول بالكاد محفوظة الاسم عارضت، فإن القرار شق طريقه وأحدث الصدمة القوية في النفس الإسرائيلية بعد تصويت 138 دولة مع قرار القبول بالعضوية غير المكتملة من بينها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ونيوزيلندا وسويسرا والسويد وآيرلندا والهند والبرازيل، إضافة إلى دول آسيوية وأفريقية وأميركية لاتينية.
بعد هذه الصدمة التي أعقبتْها صدمة فوز باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية وإسناده حقيبة الدفاع إلى تشاك هافل صاحب المواقف المناهضة لإسرائيل رغم أنه من الجمهوريين، فضلا عن سعي إخواني ملحوظ لتوحيد الصف الفلسطيني تولاه شخصيا الرئيس محمد مرسي، بدأت إسرائيل نتنياهو تُخرج من إضبارات تحتفظ بها لساعة الشدة ولجولات الابتزاز أوراق ضغط تعود بالنفع، خصوصا أن الصراع الذي يخوضه نتنياهو للفوز بولاية رئاسية كتلك التي فاز بها باراك أوباما يستوجب في نظره وضْع الكثير من تلك الأوراق على طاولة الميسر السياسي، خصوصا أيضا أن نتنياهو استنتج من كلام قاله أوباما حديثا، وخلاصته أن نتنياهو يقود إسرائيل إلى الهاوية، أن الرئيس الأميركي يميل إلى مؤازرة «حزب العمل» من أجل استعادته إلى ترؤس الحكومة الإسرائيلية سعيا منه إلى تحقيق مشروع الدولتين. ولأنه استنتج ما نشير إليه فإنه أطلق وفي اليوم الذي كان السيناتور جون ماكين ينتزع من الرئيس محمد مرسي في القاهرة تراجعا هو أكثر من توضيح وأقل من اعتذار لما سبق أن قاله، وكان لم يترأس بعد، من أنهم «أحفاد القردة والخنازير» طالبا من أمهات مصر «إرضاع أطفالهن على كراهية الصهاينة...». وعلى هذا الأساس فإن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين الجمهوري الخاسر الأمل بترؤس أميركا قام وبالنيابة عن نتنياهو بتوظيف ورقة ضغط من شأنها أن تغيظ الرئيس أوباما من دون إلحاق الضرر الفادح بمشروع الدولتين. وفحوى التوظيف أن الرئيس مرسي وتحت وطأة الوضع الاقتصادي الخانق وما يمكن أن تلعبه أوساط المال والاقتصاد الأميركية التي لليهود وبالتالي للصهاينة من تأثير على قراراتها، طمأن السيناتور ماكين فخرج الأخير بتسليفة لإسرائيل ربما تفيده في حال كان ينوي رئاسة بعد أربع سنوات. أما كيف جاء التطمين فمن خلال
ومن مظاهر الحيرة أن «جمهورية الإخوان» مع المعاهدة وضدها في الوقت نفسه وأن ما يقال من تصريحات تستفز الطرف الآخر وتخدش «حياء» الانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل من نوع تصريح الدكتور محمد مرسي إنما قيلت لضرورة انتخابية وأن التراجع عنها هو لضرورة اقتصادية في الدرجة الأولى وعملا بقاعدة للضرورات الانتخابية تصنيفات تليها للضرورات الرئاسية تراجعات على طاولة «الميسر» السياسي في كازينو المجتمع الدولي. ونقول ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن تراجعا من نوع آخر سنسمع عنه ذات يوم من الرئيس مرسي الذي وفي التصريحات إياها حول «أحفاد القردة والخنازير» قال عن الرئيس أوباما تعليقا على خطابه الشهير الذي ألقاه من فوق منبر جامعة القاهرة عام 2009 خلال الزيارة الأولى له إلى المنطقة كرئيس وحفِل بمفردات ذات نكهة تراثية إسلامية «إن أوباما قال كذبا كثيرا». وكما طيَّب الخاطر اليهودي فإنه سيُطيِّب الخاطر الأوبامي... خصوصا أن أوباما جاثم على الصدر المصري وغيره في المنطقة أربع سنوات وأن أزمات مصر الاقتصادية من تفاقُم إلى أفقم. والله المعين.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط