عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أسامة غريب يكتب :أبناء اللصوص والغواني

بوابة الوفد الإلكترونية

كانت سنوات الطفولة خالية من وسائل الترفيه ومن لعب الأطفال حيث كنا فقراء.. لم أكن وحدي.. كان زملاء الفصل والفصل المجاور، والبيت والبيت المجاور كلهم كذلك، لذلك لم نكن نعاني الشعور بالحرمان.. كنا كلنا في الهوا سوا، وقد ساعد التوافق الاجتماعي على التقارب والتلاحم بين الناس. وفي المدرسة كان التلميذ الذي يحظى بالاهتمام هو الأشطر والأكثر تفوقاً.. ولم تكن أحلامنا تتضمن اقتناء الأشياء لكنها كانت للغرابة تتعلق بأن يقرأ الواحد منا أكثر من زملائه وان يحصل على كتب غير الموجودة لدى الآخرين. أما عن المدرس فقد كان أقرب الى العلماء في سلوكه وعلمه وفضله. كانت سنوات جميلة بمعنى الكلمة سمحت لي ان أشعر بالزهو لكوني استطعت ان أظل رئيساً للفصل لعدة سنوات.. كانت معايير الاختيار ان يكون التلميذ جامعاً بين التفوق العلمي وثقة زملائه.

عندما أقارن بين هذا وما حدث من ابني وهو عائد من المدرسة مكتئباً ذات يوم رافضاً الحديث، فلما ألححت في معرفة سبب ضيقه اعترف لي بعد ضغط أنه يشعر في الفصل بأنه أقل من زملائه!.. لماذا يا حبيبي بالصلاة على النبي؟. لقد أدخلتك أغلى مدرسة لغات مسايرة للموضة التي لم أستطع مقاومتها، وأقوم عن طيب خاطر بدفع مصروفاتك الباهظة التي تحصل في مقابلها على تعليم هزيل وسخيف! واخترت لك مدرسة مجاورة للبيت تمضي اليها في دقيقتين، وأمنحك مصروفاً أخفيت عن أبي حجمه حتى لا يظن أنه لم يحسن تربيتي، ومن يوم ان أصبحت ابناً لي لم اسمح ان تركب أوتوبيساً أو حتى ميكروباص حيث جئت الى الدنيا ولدينا سيارة.. ناهيك عن الطعام والشراب والثياب والنزهات والسفر للخارج والسينما والمسرح. هذه الأشياء التي كانت تشغل بالي وتصاحبني في أحلام اليقظة طول الوقت وأنا في مثل سنك كلها بالنسبة لك مسلمات لا تستدعي أي توقف.. وعندما طلبت مني 200 جنيه لشراء رواية «هاري بوتر» بالانجليزي من عند فيرجين منحتك المبلغ وأنا أضحك. وقتها لم تفهم سبب ضحكي ولم تعرف التاريخ الذي استدعيته ولا المحطات التي مرت أمام عيني عندما كنت تلميذاً يحب القراءة ويضطر حتى يشتري كتباً مستعملة من سور

الازبكية الى بيع ما في حوزته من كتب.. مستعملة أيضاً. وبعد هذا كله تأتي الآن لتقول لي أنك تشعر بالحرمان!.
ذهلت عندما صارحني ابني بأن معهم بالفصل أولاد يأتون المدرسة وفي جيوب كل منهم آلاف الجنيهات!. صرخت ملتاعاً: ماذا؟ آلاف الجنيهات؟. قال: نعم. قلت: ماذا يعمل آباؤهم؟. قال: رجال أعمال.. وهم يقومون ببذر المال على السعاة والفراشين بل وبعض المدرسين!.. وكل يوم يطلبون بالتليفون الطعام دليفري من المطاعم المنتشرة بالحي وتأتي سيارات الخدمة من المطاعم محملة بالوجبات التي ينتظرها المدرسون حتى أنهم أصبحوا يلحون في طلبها اذا تأخرت، ولهذا كله فان المدرسين أصبحوا يتباسطون ويتضاحكون مع هؤلاء التلاميذ فقط ولا يهتمون بمن كان مثلي ممن لا يقدمون لهم شيئاً.. فليتك يا أبي تمنحني المال لأدعوهم على بيتزا كما يفعل بعض زملائي!
عند هذا الحد وجدتني لا أريد ان اسمع ولا ان أعرف المزيد.. وترحمت على أيام زمان عندما كنا لا نملك شيئاً، لكننا لم نشعر أبداً بأننا فقراء. كنا مرفوعي الرأس ولم نعرف أبداً القنوط أو نحس بالضآلة والهوان، على العكس كان الأمل والكبرياء والثقة في الغد عنوان أيامنا.. كنتُ الأ!لفة على الفصل دون ان يكون أبي وزيراً أو تكون خالتي رقاصة، وكان المدرس رجلاً بحق.. واليوم فان أبناء اللصوص والغواني جعلوا ابني يشعر بالاكتئاب وجعلوني أشعر بالخجل لأني أتيت للدنيا بأبناء وأسكنتهم في وطن العار!..
نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية