رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فهمي هويدي يكتب:انكسر حصار غزة

فهمي هويدي
فهمي هويدي

قل ما شئت في حق قطر وسياساتها، أو في حق قناة الجزيرة وأدائها، إلا أنك لا تستطيع أن تنكر أن زيارة أمير قطر لقطاع غزة تعد خطوة شجاعة ونبيلة، تستحق الحفاوة والتقدير. ذلك أن الرجل فعل ما لم يفعله غيره من القادة أو حتى المسؤولين العرب.

سواء في إقدامه على كسر حصار القطاع، أو في قراراته المساهمة في تعمير ما دمرته أو خربته الغارات الإسرائيلية. فالرسالة السياسية غاية في الأهمية، والمساندة العملية والمادية لا تقل أهمية. صحيح أن مدة الزيارة ست ساعات فقط، إلا أنها كافية في توصيل الرسالة وإعلانها على الملأ. وعلى قصرها فإنها لم تخل من لفتة جديرة بالملاحظة، تمثلت في اصطحاب الأمير لقرينته الشيخة موزا، التي ترعى مدرستين أقامتهما في القطاع، إحداهما لذوي الاحتياجات الخاصة من ضحايا الاجتياح الإسرائيلي والغارات اللاحقة.
لعلي لا أبالغ إذا قلت إن الدلالة السياسية للزيارة تتجاوز حدود غزة، لأنها بمثابة دعوة للدول والمنظمات العربية لكي تتحرك وتسهم في إعمار القطاع، إلى جانب أنها تنبه الدول النفطية والخليجية منها بوجه أخص إلى أن ثمة نموذجا مشرفا يتعين احتذاؤه وأن عليها واجبا ينبغي أن تبادر إلى أدائه، وليس لها عذر إن هي تقاعست عن ذلك.
وإذا كان التقدير واجبا للمبادرة التي قام بها أمير قطر، فإن ذلك التقدير ينبغي أن ينسحب أيضا على السلطة صاحبة القرار في مصر، من ناحية لأنها رعت الزيارة وتحمست لها ومن ناحية أخرى حين فهم أنها ستفتح معبر رفح لكي يستقبل مواد البناء اللازمة لخطة الإعمار التي قيل إنها ستتكلف مليارا ونصف المليار دولار. ومعروف أن مثل تلك الاحتياجات لم يكن يسمح بتوصيلها عبر المعبر، وكانت السلطات المصرية تصر في السابق على توجيهها إلى معبر كرم أبو سالم الخاضع للسلطة الإسرائيلية، في حين كان معبر رفح مفتوحا (إذا فتح) لمرور الأفراد والبضائع فقط.
تبرز أهمية ترتيب زيارة أمير قطر لقطاع غزة من خلال معبر رفح، الذي يمثل نقطة الاتصال الوحيدة المباشرة مع فلسطين. حين نعلم أن السلطات المصرية لم تتحمس لمثل تلك الزيارات في السابق. وكانت تبلغ الأطراف المعنية باعتذارها عن عدم القيام بتلك الخطوة. وفي حدود علمي فإن ذلك حدث مرتين على الأقل مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. مرة حين زار مصر في عهد الرئيس السابق (سنة 2000) ومرة ثانية حين جاء إلى القاهرة في شهر سبتمبر من العام الماضي. أثناء تولي المجلس العسكري للسلطة. وكان الذهاب إلى غزة مقترحا ضمن جدول زيارة القاهرة. ولكن الرد السلبي وعدم الترحيب من السلطات المصرية أدى إلى إلغائها. وإذ علمت أن رئيس الوزراء التركي سيزور القاهرة يوم 17 نوفمبر القادم. فإنني سألت السفير التركي في القاهرة ومن أعرف في مكتب رئيس الوزراء بأنقرة عما إذا كان اقتراح زيارة غزة سيكون ضمن برنامج الزيارة القادمة، فقيل لي إن ذلك لم يتقرر بعد.
لا ينسى أن أمير قطر كان قد دعا في شهر يناير عام 2009

إلى عقد قمة عربية طارئة أثناء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، ولكن دولا عربية أخرى قاومت الدعوة وأجهضتها. ولا ينسى أيضا أنه تعهد بإعمار القرى اللبنانية الجنوبية التي دمرها العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. وكانت تلك خطوة شجاعة وفريدة في بابها. لأنه القائد العربي الوحيد الذي كان له إسهامه الكبير في ذلك المضمار، ولذلك فإنه حين زار الجنوب في عام 2010، بعد انتهاء عملية الإعمار، فإنه استقبل هناك من الجماهير استقبالا غير مسبوق لأي ضيف آخر في تاريخ لبنان. ولا أستطيع أن أنسى ما قاله لي أحد المثقفين اللبنانيين آنذاك، حين أخبرني بأن دولا عربية أخرى ضخت آنذاك أموالا طائلة في لبنان، لكنها لم تخصص لإعمار ما دمرته الحرب، وإنما خصصت لشراء ولاءات بعض القوى السياسية. استطرادا ـ وللتاريخ ـ أشير إلى أن أمير قطر قام بزيارة سرية إلى دمشق بعد أشهر قليلة من بداية الأحداث التي كان المتظاهرون فيها يطالبون بالإصلاحات الداخلية، وقبل أن ينفجر غضبهم ويطالبوا بإسقاط النظام، وقتذاك ـ في ربيع عام 2011 ـ حاول إقناع الرئيس بشار الأسد بالإقدام على الإصلاحات المطلوبة، متعهدا بأن يقدم إلى سوريا ما تحتاجه من تمويل واستثمارات لإنعاش اقتصادها، ولكن الرئيس السوري لم يتجاوب معه، رغم ما كان بينهما من علاقات شخصية قوية.
أعرف أن البعض لهم ملاحظات يحسبونها على قطر. وهي ملاحظات تستوي فيها مع غيرها من دول منطقة الخليج المسكوت على ما يجري فيها. لكنني أعرف أيضا أنه من الإنصاف أن نقول للمحسن أحسنت، ومن المروءة أن تسلط الأضواء على كل فعل شجاع وشريف يصدر من أي مسؤول عربي، اتفقنا معه أم اختلفنا. وما فعله أمير قطر في غزة ينطبق عليه ما قلت، وليته يكون بداية لربيع آخر بين الحكام العرب يلحق بربيع المحكومين.
أدري أن ذلك حلم بعيد المنال. لكنني أفهم أن حق الحلم لا يزال مكفولا، وقد فشلت حتى الآن كل محاولات حظره.
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية