رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خالد عبدالرحيم السيد يكتب:لافروف والأزمة السورية

خالد عبدالرحيم السيد
خالد عبدالرحيم السيد

منذ بداية انتفاضة الربيع العربي في سوريا، وروسيا تؤيد بشدة نظام بشار الأسد رغم إدانة واستهجان المجتمع الدولي. وكانت روسيا قد عرقلت، إلى جانب الصين، تمرير ثلاثة قرارات تهدف إلى الضغط على النظام السوري عبر التلويح بفرض عقوبات دولية بحق سوريا من خلال إدانة النظام السوري وأعمال القمع التي تمارسها قوات الأمن السوري ضد المحتجين من المدنيين، مستخدمة بذلك حق النقض في مجلس الأمن.

ويوم السبت الماضي، اكتشفنا السبب الحقيقي وراء إصرار روسيا على دعمها لسوريا، فلقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عقب مباحثاته مع نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون(على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، والتي انعقدت في فلاديفوستوك الروسية، "أن العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب على سوريا وإيران، والتي فرضت دون تشاور مع بلاده أو حتى إبلاغها بها، باتت تمس المصالح المباشرة لقطاع الأعمال الروسي خاصة البنوك الروسية"، ولفت لافروف إلى أن بلاده ترفض العقوبات المفروضة على سوريا لأنها لن تأتي بأي نتيجة، وليس بسبب أن روسيا لديها مصالح اقتصادية في سوريا، مشيراً إلى أن حجم التعاون الاقتصادي التجاري وكذلك العسكري بين موسكو ودمشق لا يمكن أن يقارن بالمصالح الاقتصادية الغربية لدى سوريا.
ورغم دفاع لافروف عن معارضة روسيا للعقوبات المفروضة ضد سوريا والتيليست لأسباب تجارية بحتة، فإن تصريحاته تلك تعزز الاعتقاد بأن روسيا هي في الواقع أكثر قلقا بشأن حماية مصالحها التجارية ليس مع سوريا، بل مع إيران، حيث إن روسيا تعارض أيضا فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي. وبدلا من أن تبدي قلقها وتظهر أحزانها على آلاف من الأرواح التي أزهقت ومئات الآلاف الذين تم تشريدهم في الحرب الجارية في سوريا، يبدو أن روسيا على استعداد للتضحية بكل الاعتبارات الإنسانية من أجل مصالحها الخاصة مع كلٍ من سوريا وإيران.
وكانت روسيا قد أعلنت مؤخرا أنها ستدفع مجلس الأمن الدولي إلى المصادقة على اتفاق جنيف حول مبادئ انتقال سياسي في سوريا يوقف نزيف الدم. وحيث دعت خطة اجتماع جنيف حول سوريا إلى وضع حد لإراقة الدماء وضرورة سرعة التوصل إلى تسوية سياسية في البلاد من خلال تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية وتضم أعضاء في الحكومة الحالية والمعارضة، ويتم تشكيلها على قاعدة صلبة من التفاهم المتبادل بين الأطراف دون مزيد من إراقة الدماء والعنف، وتمكين جميع مجموعات وأطياف المجتمع السوري من المشاركة في عملية الحوار الوطني. كذلك دعت أبرز النقاط الرئيسية لخطة جنيف إلى البدء بمراجعة الدستور السوري والقيام بإجراء إصلاحات دستورية وقانونية، بحيث تخضع التعديلات الدستورية المفترضة لموافقة الشعب، ومن ثم الإعداد لانتخابات حرة ومفتوحة أمام الأحزاب كافة.
والملاحظ أن بعض بنود خطة جنيف قد تمت تجربتها واختبارها من قبل، فلقد قام النظام السوري بعمل استفتاء دستوري في فبراير من هذا العام ووعد بإجراء انتخابات ديمقراطية وتحديد إطار زمني لفترة الرئاسة، ومع ذلك، فإنه وحتى الآن ما تزال القوات الحكومية تقوم بقصف المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة، مما يؤدي بالتالي إلى مزيد من سفك الدماء، ولهذا السبب فإن الثوار المسلحين وجماعات المعارضة السورية لم يعودوا يصدقون وعود الحكومة المتكررة بإبداء حسن النية عبر إطلاق مزيد من الحريات وإضفاء أجواء التعددية السياسية، وهم يرون شعبهم يذبح وتقطع أوصاله في البلدات والمدن السورية، لا لسبب سوى أنهم فقط عبروا عن وجهة نظر معارضة لنظامهم السوري القمعي.
وتشير تصريحات كل من لافروف وكلينتون حول سوريا، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، إلى أن هناك عمليات شد وجذب بين قطبي هذين المعسكرين المتنافرين، فهناك دول تقف إلى جانب الولايات المتحدة في سياستها الرامية لفرض مزيد من العقوبات ضد سوريا، وهناك أيضا دول تساند المعسكر الروسي وترى أن حل الأزمة السورية يفترض أن يأتي فقط عبر طاولة المفاوضات.
قد يبدو للبعض أن موقف الدعم الروسي لنظام الأسد محير وملتبس، ولكن الأمر ليس كذلك، فالموقف الروسي تجاه الثورات العربية التي انتشرت في عدد من دول المنطقة قد اختلطت فيه قوة المصالح مع المخاوف من فقدان ما تبقى لروسيا من مواطئ قدم موروثة من

العهد السوفييتي في منطقة الشرق الأوسط. وتنطلق تخوفات روسيا من الثورات العربية من واقع تنافسها القديم مع الولايات المتحدة الأمريكية على مناطق النفوذ الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، حيث يبقى الصراع أو التنافس على المصالح واضحا وصريحا لا لبس فيه، خاصة أن موسكو تعتبر الربيع العربي صناعة أمريكية غربية تهدف إلى إعادة تغيير خريطة العالم والشرق الأوسط، وبالتالي بناء نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.
ورغم أن الربيع العربي كان قد فاجأ الولايات المتحدة في البداية وأخذها على حين غرة، إلا أنها سرعان ما استعادت وعيها التنافسي، وبدأت السير مرة أخرى في مسار مصالحها، فنشطت في تكثيف اتصالاتها مع الحكومات الجديدة التي أطاحت بالأنظمة القديمة في المنطقة، وزار العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين وكبار المبعوثين مثل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان مختلف بلدان الربيع العربي من أجل التأكيد على دعم الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي، ذكرت التقارير أن الولايات المتحدة على وشك التوصل إلى اتفاق مع مصر يفيد بخصم مبلغ مليار دولار من الديون المصرية لدى أمريكا كجزء من حزمة مساعدات تعين مصر على عملية التحول الديمقراطي، مما يشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة تشارك بصورة نشطة في عملية التحول السياسي لدول الربيع العربي، وربما في الغالب سيكون لها اليد الطولى في تشكيل سياسات هذه الدول في المستقبل، والتي من الواضح أن روسيا قد فقدت فيها البوصلة.
ومع الموقف العنيد لدفاع روسيا المستميت عن نظام الأسد، فإنها بذلك تصب المزيد من الوقود على نار الصراع الدائر في بلدان الربيع العربي المتقدة أصلا والمعقدة بالفعل، مما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التوترات الطائفية بين بعض الدول ذات الأغلبية الشيعية التي تدعمها روسيا، كسوريا وإيران، وتلك الدول ذات الأغلبية السنية والتي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، مثل تونس ومصر وليبيا ودول مجلس التعاون الخليجي، مما يثير المخاوف حقيقة من تحول المنطقة إلى مزيد من الانقسام الطائفي والانزلاق إلى منحدر الصراعات العرقية والمذهبية.
وحتى الآن، فإن الإجراءات التي اتخذتها كل من الولايات المتحدة وروسيا لم تفلح في إنهاء العنف في سوريا، ومع استمرار آلة النظام القمعي في قتل المدنيين وسقوط أعداد كبيرة من القتلى بصورة يومية، ومع استمرار نزوح الآلاف من السوريين هربا من الجحيم المخيم على مناطقهم التي مزقتها الحرب، فإن التوصل إلى حل سلمي للصراع الدائر في سوريا يبدو هدفا صعب المنال. لذلك يجب على روسيا والولايات المتحدة أن يضعا جانبا أجنداتهما الخاصة ومصالحهما، وأن يبدآ بالمقابل في اتخاذ إجراءات عملية مشتركة ضد نظام الأسد، وإلا فإن الصراع في سوريا سيحتدم ويتصاعد وسيهدد الاستقرار والأمن ليس فقط للدول المجاورة لسوريا، بل كامل منطقة الشرق الأوسط. 
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية