رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شريف عبد الغنى يكتب :أفضال الفارس اليساري على «مرسي» الإسلامي!

بوابة الوفد الإلكترونية

وسط تجاهل تام من مؤسسات الدولة المصرية، وصل السياسي الكبير «خالد محيي الدين» إلى سن التسعين، متعه الله بالصحة والعافية. لا أقصد أن تحتفي الدولة بكل شخصية معروفة تصل إلى هذه السن، رغم أنه لا يعاب الاحتفاء بكل من قدم إنجازات لصالح الوطن حتى لو كان طفلا. لقد اعتادت الدولة أيام مبارك تكريم الرموز -المرضي عنهم فقط- بعد الانتقال إلى الدار الأخرى.

الأمر يجب أن يختلف مع الدولة المصرية في هذا العهد، فضلا عن أن هناك رابطا كبيرا وأساسيا ربما لم يلتفت إليه أحد بين مصر بعد ثورة 25 يناير وشخصية خالد محيي الدين تحديدا. باختصار ووضوح هذا الرجل هو من وضع اللبنة الأولى في وصول «محمد مرسي» إلى الحكم. ليس هذا فقط بل إنه دفع ثمنا باهظا لم يدفعه سياسي قبله في سبيل «الدولة المدنية» وإنهاء حكم العسكر لمصر.
قد يعتبر من لا يعرف خالد محيي الدين من القراء العرب، أن هذا أمر بديهي لأي سياسي، لا يرضى باحتكار العسكريين لكرسي السلطة. لكن هؤلاء سيغيرون وجهة نظرهم ويعطون الرجل حق قدره حينما يعرفون أنه في الأصل «عسكري»، بل أحد القادة المهمين لثورة 23 يوليو 1952 التي قادها «تنظيم الضباط الأحرار» بالجيش. غير أنه بعد نجاح الثورة في تأسيس النظام الجمهوري طالب بعودة الجيش إلى ثكناته، وإقامة حياة حزبية ديمقراطية سليمة، وليتنافس المتنافسون في صناديق الانتخابات التي لها الحق وحدها في الإتيان بالرئيس، وليس «الدبابة»!
فيما يعرف بـ «أزمة مارس 1954»، التي أحدثت انقساما في صفوف الثوار، كان سلاح الفرسان بالجيش يؤيد قائد السلاح خالد محيي الدين، ومنعا لشبح التناحر بين الأطراف، طرح البعض اسم «محيي الدين» ليتولى رئاسة مجلس الوزراء. لكن هذا الديمقراطي النقي ابن الـ32 عاما وقتها، رفض الجاه والسلطان وهو في عنفوان الشباب، وأصر على عودة «العسكر» إلى الثكنات والابتعاد عن شؤون السياسة والتفرغ للمهمة المقدسة الأعظم وهي حماية حدود وأمن البلاد. لكن زملاءه أجمعوا على رفض الفكرة وأصروا على البقاء لتنفيذ أهداف الثورة. دفعوه للاستقالة من مجلس قيادة الثورة، ونفوه إلى سويسرا حتى لا يتجمع حوله أنصار الدولة المدنية. ويقال إن صاحب فكرة إبعاده للخارج هو ابن عمه وزميله في مجلس القيادة زكريا محيي الدين، المعروف بلقب «رجل يوليو الصامت»، والذي رأى أن وجود «خالد» في مصر يشكل خطرا على الثورة.
قضى سنوات في المنفى، ثم عاد ليمارس السياسة ليس من القمة التي تركها ولكن من القاع. عمل صحافيا وانحاز إلى البسطاء ودافع عن حق الجميع في الحرية بمن فيهم المخالفون له في الرأي. قاد حركة اليسار المصري وأسس حزب «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» الذي عارض السلطة بشراسة وأحدث حراكا كبيرا في الشارع السياسي، وكانت جريدته «الأهالي» أقوى صحيفة معارضة.
في عام 1987 كنت ضمن الصبية في قريتنا على باب سرادق انتخابي لخالد محيي الدين. وبينما بدأ الموجودون بالخارج في الدخول نتيجة شدة الهتاف الذي تضمن شعارات براقة: «التجمع رمز الساعة.. ضد الفقر والمجاعة»، حتى راح أعضاء الحزب الوطني الحاكم يمنعون الناس من حضور المؤتمر، وفي حركة بهلوانية دسّ أحدهم يده في جيب «الصديري» ليخرج عددا من جريدة الأهالي، وقال مشيراً إلى المانشيت الأحمر: «بصوا.. شوفوا يا عالم اللون الأحمر.. ده لون علم الاتحاد السوفيتي.. يعني الراجل اللي جوّه ده شيوعي.. ما يعرفش ربنا».
وهكذا استمرت الحرب ضد محيي الدين في كل جولاته الانتخابية بهذا الأسلوب الذي يتوافق مع عقلية الناخبين الرافضين لكل ما يمس عقيدتهم، حيث شاعت وقتها حملة في الصحف القومية تتضمن اتهامات على هذه الشاكلة ضده، وكانت النتيجة أن خسر الرجل بكل تاريخه الناصع شديد الطهارة المقعد الفردي بدائرة شمال القليوبية وقتها، لصالح

من؟! ناظر مدرسة على المعاش، كل مؤهلاته انتماؤه لحزب الحكومة!!
هذه مجرد عينة لحرب السلطة على فارس اليسار المصري. لكنه واصل مشواره في الدفاع عن البسطاء والمهمشين. وكان له السبق وسط الحياة السياسية المصرية أن ترك منصبه في حياته، وأول من طبق تداول السلطة في حزب سياسي. ترك رئاسة الحزب إلى خليفته «رفعت السعيد». لكن الأخير خيب الآمال فكان أسوأ خلف لأحسن سلف، فأضعف «التجمع» وقضى على «الأهالي» بارتمائه في أحضان السلطة.
الرجل تعرض لظلم كبير في حياته. لكن المؤكد أنه أكثر الناس سعادة بتحقق حلمه بعد ستين سنة من النضال. أخيرا تولى أول مدني رئاسة مصر بعد انتخابات نزيهة. لا يهم مرجعية الرئيس الجديد، المهم أنه أتى عبر صناديق شفافة وبإرادة شعبية. من آمن بالديمقراطية وعلمنا إياها يحترم في النهاية الإرادة الشعبية. محبو خالد محيي الدين يطالبون الرئيس محمد مرسي بمنح الفارس النبيل الوسام الذي يستحقه. «قلادة النيل» التي تضمن له جنازة عسكرية بعدما يترجل عن الحصان.
السياسي الكبير حرم من قلادة النيل 3 مرات، الأولى في فترة خلافه مع الرئيس جمال عبدالناصر حول مدنية الدولة، والثانية أيام أنور السادات بسبب رفضه معاهدة «كامب ديفيد» والتطبيع مع إسرائيل، والثالثة في عهد مبارك بسبب محاربته فساد الحكم. والمعروف أن «عبد الناصر» عندما انتخب رئيسا للبلاد في 18 يونيو عام 1956 قام بحل مجلس قيادة الثورة، ومنح قلادة النيل لـ9 أعضاء هم من تبقوا في المجلس، وحرم منها آخرين، هم: خالد محيي الدين، وعبدالمنعم عبدالرؤوف، ويوسف صديق. وبحسب الكاتب الكبير صلاح عيسى أحد مؤسسي حزب التجمع، فإن البعض عرض على «مبارك» منح خالد محيي الدين قلادة النيل، لكنه قال: «إذا كان عبدالناصر والسادات لم يمنحاه القلادة.. لماذا أمنحه أنا»!!
رغم اختلاف مرجعية وأيديولوجية الرئيس محمد مرسي عن خالد محيي الدين، فإن الاثنين يتفقان في الإيمان بفكرة العدل الاجتماعي والعمل لصالح البسطاء والمهمشين، فضلا عن اللسان العف لكل منهما. فطوال عمره لم يصدر عن «محيي الدين» أي لفظ سيئ ضد من يختلفون معه سياسيا وبينهم «الإخوان المسلمون»، بل دافع عنهم باستمرار أيام تنكيل السلطة بهم. «مرسي» أيضا لم يُضبط متلبسا بالإساءة لأحد حتى لمن نهشوا لحمه وعائلته واختلقوا الأكاذيب حوله.
هل يفعلها الرئيس محمد مرسي الذي حصد ثمار نضال خالد محيي الدين من أجل الدولة المدنية؟.. هل يكون مختلفا عن «عبدالناصر» و «السادات» و «مبارك» ويرفع الظلم عن الفارس النبيل؟!
نقلا عن صحيفة العرب القطرية