رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عبد المنعم سعيد يكتب:لمصر وللسعودية مرة أخرى!

بوابة الوفد الإلكترونية

من الناحية السياسية والفعلية، فإن «الأزمة» بين مصر والسعودية قد انتهت، وأصبحت، كما قالت كثرة، كما لو كانت «زوبعة في فنجان»،

أي مجرد حدث عارض أثار ضجة كبيرة دون داع أو سبب لأن المسألة كلها لا تستحق، على ضوء العلاقات الوثيقة بين البلدين. ولكن هذه النقطة تحديدا هي التي تدفعنا إلى أخذ الموضوع بجدية أكبر؛ ليس فقط لمنع تكراره، كما ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي، حيث لا يجوز أن تكون العلاقة بهذه القوة ثم بعد ذلك تكثر أحداثها العارضة، بل حتى لا نجد فناجينها مزدحمة بالعواصف بطريقة متواترة وبعنفوان يفرج عن مخزون متراكم من التوتر يحتاج أنواعا من التنفيس ومراجعة الأحوال.
ومن الناحية الإجرائية البحتة، قد كانت لي مقترحات محددة على البلدين القيام بها حتى لا يتكرر ما جرى؛ ولكن ما هو أهم الآن هو التفكير المشترك في المستقبل. وربما يلهم كثيرا أن الوفد المصري الذي ذهب إلى السعودية للتأكيد على أهمية العلاقات بين البلدين كان وفدا واسعا وشاملا وممثلا لكل المصريين من أهل اليمين واليسار والفن والمسلمين والمسيحيين وبقيادة رئيس مجلس الشعب د. سعد الكتاتني. لم يكن الوفد رسميا، ولا يعبر مباشرة عن الدولة المصرية، ولكن عن حرص الشعب المصري على أن لا تختلط الأمور على الناحية الأخرى من البحر الأحمر، خاصة أن الأنباء من القاهرة تأتي دائما محملة بضجيج وصخب بعضه يأتي من الإعلام وبعضه الآخر ممن لا يحبون لهذه العلاقة الخاصة أن تستمر، خاصة في هذه المرحلة.
الرسالة إذن كانت شعبا لشعب، ودولة لدولة، ولم يكن فيها حرج في من ذهب أو قال ما هو جيد عن العلاقات بين القاهرة والرياض رغم أعمدة كرست نفسها لنقد الوفد المصري وتصويره كما لو كان ذاهبا إلى استسلام بعد معركة حربية. لم تكن الحال كذلك بالطبع، لأن مصر التي أتت لها القبائل العربية وجماعات الأشراف في أزمنة قديمة، وبعضها لا يزال على صلاته بالنسب والمصاهرة بالطرف الآخر، لا يمكن أن تجد حرجا في إعادة مياه إلى مجاريها كان تعكيرها جزءا مهمًّا من سياسات واستراتيجيات دول وجماعات سياسية.
القصة على الطرف المصري كان لا بد من فهمها، لأن مصر بعد أحداث ثورية عميقة تتغير كثيرا في الداخل، ولكنها من جانب آخر دولة لها جغرافيا، ولها تاريخ ممتد إلى آلاف الأعوام. مثل ذلك يخلق أوضاعا جيوسياسية وجيواستراتيجية لا تتغير بالثورات أو تغير النظم السياسية أو الاقتصادية. وفى كل الأحوال، ورغم ما تبدو عليه الأمور، وما تمر به مصر من مآزق من وقت إلى آخر، فإنها تسير في النهاية حثيثا نحو الاستقرار مع تعزيز الأمن، وعودة عجلة الاقتصاد إلى الدوران، وانتخاب رئيس الجمهورية، ووضع الدستور. كل ذلك ليس سهلا، ولا يجري عادة في مصر أو في دول أخرى بسلاسة، ولكن الأهم أن هناك توافقا مصريا عليه، ومن ثم، كما يقال، فإنه ربما سوف يأتي المصريون في قوارب متعددة، ولكنهم في النهاية سوف يحلون في سفينة واحدة. مثل ذلك مهم أن يكون مفهوما في السعودية بصفة خاصة، لأنها رفيق عقود من العمل المشترك بين القاهرة والرياض كان ضروريا ليس فقط لسلامة البلدين، ولكن أيضا لسلامة المنطقة كلها. لقد أخذت مصر تجربتها مع الربيع العربي، وكان بعض ما أخذت حلوا وسكَّرا، وبعضه الآخر مرا وعلقما؛ ولكن التجربة التي سوف تنضج في النهاية ستحافظ على علاقاتها الاستراتيجية لأنها عالقة بالمكان ومقتضياته وتحدياته.
مع شهر يوليو (تموز) المقبل سوف يكون لدى مصر رئيس جديد منتخب للجمهورية، وساعتها، فإن قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي سوف تأخذ حقها الذي تستحقه. ولن يختلف أحد على أن هناك قضايا لا تحتمل التأجيل، ولا يمكن أن تقف مصر والسعودية مكتوفة الأيدي أمامها. وأول القضايا هي ترتيب أمور «الربيع العربي» وحركته المستعرة في العديد من البلدان العربية التي إما تمر بفترة صعبة مثل سوريا؛ أو أنها تعدت فترة التغيير للسلطة ولكنها دخلت في مرحلة حادة من التوتر الداخلي المنذر بأخطار شديدة. الأمثلة هنا

اليمن وليبيا، وما قد يستجد في دول عربية أخرى عبرت عملية جراحية خطيرة، ولكنها تواجه مخاطر التلوث في مرحلة النقاهة. وباقي القضايا معظمها قديم، ولكن أعيد تعريفها وتحديد حدودها من جديد بعد الثورات العربية؛ فالقضية الفلسطينية لا تموت مع تغير العصور، ولكنها تعيد تكييف نفسها مع الواقع الجديد، وكذلك الحال مع القضية العراقية، والأخرى اللبنانية، بأبعادها المختلفة. وثالث محاور القضايا أن التغيرات الجارية في المنطقة تجعل الأطراف الخارجية تبحث دائما عن الفرص التي توسع خياراتها. وفى الوقت الحالي، فإن إيران ليست جزءا فقط من الإقليم الشرق أوسطى، بل إنها تريد أن تكون جزءا من النظام العربي بامتياز بتدخلها في العراق والبحرين ولبنان وفلسطين واليمن، وبالطبع في سوريا. هنا، فإن طهران تدير معركتين في وقت واحد؛ إحداهما مع الولايات المتحدة وإسرائيل في ما يخص محاولتها تنمية سلاح نووي، وهى معركة تجري الآن بالطرق الدبلوماسية والسياسية، ولكن لا يستبعد فيها أن تنقلب إلى استخدام السلاح. الإشكالية هنا أن إيران تعتبر المنطقة العربية جزءا من مسرحها الاستراتيجي؛ بمعنى أنها لكي ترد على الضربة الأميركية أو الإسرائيلية، فإن ذلك يكون من العملة العربية خاصة في الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر المتوسط والمشرق العربي عامة.
مثل هذا البعد للقضية الإيرانية ليس البعد الوحيد؛ فهناك البعد التقليدي التاريخي الإمبراطوري للدولة الإيرانية بعد أن لبس هذه المرة العباءة الإسلامية. المهم هنا أن طهران تحاول، بمهارة أحيانا، وبخشونة أحيانا أخرى، وبنعومة أحيانا ثالثة، أن تخلط البعدين؛ الدولي حيث توجد الولايات المتحدة وإسرائيل ومن ورائهما الغرب كله، والإقليمي حيث توجد محاولة توسيع النفوذ الإيراني اعتمادا على المناطق العربية الرخوة بفعل الثورة أو بفعل أمراض عربية أخرى معروفة.
هنا تأتي العلاقات السعودية - المصرية التي هي أكبر بكثير من حركة العمالة والاستثمارات والأخوة التاريخية بين بلدين؛ وإنما هي الجزء الأهم في عملية إعادة التوازن الإقليمي في المنطقة. هذا التوازن كان مختلا من قبل، ولكن العلاقات بين القاهرة والرياض كان فيها من الزخم ما يدفع هذا الخلل؛ ولكنه الآن أكثر اختلالا بفعل ما جرى من «ربيع» جاء في فصل الشتاء، و«ثورة» لا تزال تبحث عن قيادة وطريق وفكر وتجربة. صحيح أننا نعلم جميعا بأنه تستحيل عودة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن ما ليس مستحيلا هو التعلم من دروس الماضي حيث السعودية ومصر هما صمام الأمان الذي لا يمكن السماح بالعبث به. التحديات الواقفة أمام مصر والسعودية أكبر بكثير من حوادث فردية يجب حلها بعيدا عن صلب العلاقات بين البلدين. لذلك ذهب الوفد المصري إلى الرياض؛ وأرجو أن تكون قد وصلت الرسالة.
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط