رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جورج سمعان يكتب:مصر تدفع ثمن الطلاق بين العسكر و«الإخوان»؟

جورج سمعان
جورج سمعان

تقف مصر اليوم أمام منعطفين مفصليين: الانتخابات الرئاسية التي تبدأ دورتها الأولى في الثالث والعشرين من الجاري، والمصير المعلق للجنة التأسيسية التي سيناط بها وضع دستور جديد للبلاد.

وأحداث ميدان العباسية وتداعياتها جزء من صراع الأحزاب والقوى السياسية والعسكرية على التحكم بمسار هذين الاستحقاقين. لكن ثمة طرفين أساسيين يحملان برنامجين محكومين بصدام حتمي، استناداً إلى المحطات السابقة التي شهدتها الثورة المصرية منذ مطلع العام الماضي. هناك المجلس العسكري للقوات المسلحة والقوى الإسلامية وفي مقدمها «جماعة الإخوان المسلمين». كلاهما يتحرك منذ سقوط الرئيس حسني مبارك على وقع أجندة خاصة تجاهلت وتتجاهل القوى الأخرى. يتجاهلان الشباب الذين أشعلوا الساحات وقوى أخرى تمثل أقليات وتيارات ليست ذات وزن شعبي مؤثر في تغيير وجهة الأحداث. بل يجازفان أيضاً بمصير البلاد واستقرارها وأمنها.
تصرف الطرفان القويان منذ إطاحة رأس النظام بواقعية وبراغماتية: لم يتأخر الإسلاميون والسلفيون في ركوب قطار الثورة التي أمدوها فعلاً بموجات ملأت الساحات والميادين، وعجلت في دفع العسكر إلى المبادرة. ولم يتأخر في الانحياز إلى ميدان التحرير. وساهم في إخراج الرئيس من القصر ورسم خريطة طريق لمرحلة انتقالية شارفت على الانتهاء. ولكن ما تلى سقوط الرئيس حسني مبارك ومجموعته السياسية وقياداته الحزبية بدل الكثير في الصورة الأولى للميادين والساحات. ولا حاجة إلى سرد المحطات التي التقى فيها الطرفان، العسكر و «الإخوان»، أو افترقا من أجل رسم ملامح المرحلة الانتقالية، بما يخدم مصالحهما من دون مراعاة الآخرين.
ولكن، مع اقتراب موعد التحول الجذري والحقيقي، كان واضحاً أن زواج الطرفين، لن يدوم. بل ما إن اقترب استحقاق الدستور واختيار الرئيس، حتى اندلع الصراع. وقع الطلاق وغابت البراغماتية التي طبعت تحركهما في البدايات. وقع الطلاق عندما أطاح العسكر اللجنة التأسيسية التي ألّفها مجلس الشعب بأكثريته «الإخوانية»، وعندما قال القضاء كلمته في بعض المرشحين. وعندما ردت بعض القوى بالاقتراب من «عرين» القوات المسلحة. لا يريد الجيش أن ينتقل أحد إلى ميدانه. لم يقتنع حتى الآن بوجوب التنازل عن بعض امتيازاته فكيف يمكن أن يرضى بتحويل الشباب ثورتهم من ميدان التحرير إلى ميدان الوزارة لإسقاط دوره التاريخي الذي بناه على مدى سنين، من أيام ثورة عرابي وجددته ثورة 23 يوليو وإجباره على العودة إلى الثكن؟!
لم يتورع الطرفان عن استخدام «البلطجة» في الشارع وفي السياسة. هادن الجيش قوى إسلامية ليتقي مواجهة مباشرة مع شباب الميادين. واستخدم هؤلاء أو بعضهم لمنع «الجماعة» من إكمال مسيرة سيطرتها على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها. ولم تتورع قوى إسلامية عن مساندة العسكر في محطات كثيرة لكسر شوكة المعتصمين في ميدان التحرير وغيره. بل سيروا تظاهرات مناوئة للشباب. لذلك، لم تخرج «موقعة» العباسية عن سياق ما سبقها، من «موقعة الجمل» إلى أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود. وإذا كانت الأخيرة هدفت كما رأى بعضهم إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية في حينه، فإن أخداث وزراة الدفاع قد لا تخرج عن سياق السعي إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية.
حتمية الصدام في ظل ارتباك يسود صفوف معظم القوى، خصوصاً الطرفين القويين، تنذر بأيام صعبة واحتمال بانزلاق الوضع إلى ما هو أخطر. صحيح أن المجلس العسكري جدد تأكيد أن الانتخابات الرئاسية ستتم في موعدها، وأنه سيسلم السلطة ويعود إلى ثكنه، لكن الصحيح أيضاً أن ما جرى في ميدان العباسية يبدو كأنه عود على بدء. كان بعضهم يتوقع مع اندلاع الثورة أن يتدخل الجيش لإخمادها، فحصل خلاف ذلك. واتضح في المحطات اللاحقة أن تدخل الجيش كان هدفه ولا يزال احتواء التداعيات، مثلما كان انخراط القوى الإسلامية بعد تردد السعي إلى قطف الثمار والتمكن والاستئثار. فهل ينذر الصدام الحالي بين البرنامجين باستحضار مشاهد الصراع الدموي الذي عصف بالحراك في ليبيا واليمن بالأمس، ويعصف بسورية اليوم... بمفاعيل رجعية؟
صورة ما حصل في ميدان العباسية لا يختلف كثيراً عن مشاهد الشبيحة في بعض المدن والقرى السورية. تريد القوى العسكرية التي أعطت الثوار بيد أن تأخذ مقابلاً في اليد الأخرى. تريد أن تقف الثورة عند هذا الحد. «طار» رأس النظام ولم تعد حاجة لإكمال المسيرة! بالطبع لم يجاف الناطقون باسم المجلس العسكري الصواب، عندما عزوا «الارتباك في المرحلة الانتقالية» إلى «خلافات القوى السياسية». فالخلاقات لا تحتاج إلى دليل. بل كانت هذه وراء كل المماطلة التي أصابت مسيرة تحقيق مطالب الثورة وشعاراتها. وكانت أيضاً وراء موقعات قاتلة كثيرة.
لكن الناطقين هؤلاء الذين يبعدون المسؤولية في كل مرة عن الجيش يجافون الحقيقة. فإما أن المجلس مسؤول عن أرواح الناس وأمنهم واستقرارهم، وإما أنه ليس أهلاً ويجب أن يرحل. إن معزوفة «فلول النظام» لم تعد سلعة يمكن تسويقها بعد اليوم. تلطى المجلس وراء الشرطة والمباحث طويلاً، و يحاول الآن التلطي وراء «البلطجية» الذين كانوا يعتدون على المتظاهرين أمام «جحافل» العسكر الذين هبوا للدفاع عن «العرين» عندما اقترب المتظارون أو حاولوا التقدم نحو وزارة الدفاع. أليس من مسؤولية العسكر حماية الناس ورد الاعتداء عنهم؟ من

يصدق أن المجلس لا يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية فيما كانت عناصره تراقب «المعتدين» وهم يتحركون بمختلف الأسلحة لقمع المتظاهرين؟
لم يحسن المجلس العسكري إدارة الانتخابات البرلمانية ومارس القوة في مواجهة المعتصمين والمعترضين في أكثر من مناسبة. كأنه لم يتعلم أو يعتبر من تجربة إطاحة مبارك؟ ألم يبادر هو نفسه إلى الضغط للتخلص من الرجل قبل أن تبلغ الأمور مبلغاً لا تحمد عقباه؟ إن أحداث العباسية وتداعياتها لن تخمد الثورة بمقدار ما قد تدخلها مرحلة جديدة إذا عرفت القوى السياسية كلها التي التقت في الأيام الأولى للحراك، كيف تستعيد وحدتها بعيداً من أجنداتها الخاصة التي غلبت وتغلب مصالحها على مصالح الوطن، وسهلت ولا تزال تسهل على العسكر اللعب على التناقضات.
وتقع المسؤولية هنا على الإسلاميين، الطرف القوي الآخر. فقد أثبتوا عدم فاعلية في مجلس الشعب. ولا يفيدهم في تبرير الفشل تعليق الجلسات احتجاجاً على بقاء وزارة الجنزوري التي كان «الإخوان» أيدوها عندما احتجت قوى شبابية على وجودها. ولا يخفى قلق «الجماعة» من تدني حظوظ مرشحها محمد مرسي الذي لم يحظَ بتأييد قوى سلفية وإسلامية أخرى. إضافة إلى بدء الشارع المصري بالتعبير عن مخاوفه من وصول «إخواني» إلى الرئاسة. لقد فقدت «الجماعة» الكثير من التأييد الذي نالته في الماضي خصوصاً أثناء الانتخابات البرلمانية بسبب سياستها المتسرعة للسيطرة والاستئثار... والتمكين. ومعروف أن أكثرية الشعب المصري لا تنتمي إلى الأحزاب، بمعنى أنها ليست ملتزمة أيديولوجياً، حتى يمكن سوقها وراء مرشح بعينه. وحين يتهم «الإخوان» المجلس بالفشل في إدارة شؤون البلاد يجب أن يتذكروا دورهم في هذا المجال. فهم إلى أيام كانوا على تنسيق دائم مع المجلس لإدارة المرحلة. ولا يفيدهم التنصل من المسؤولية. فهم كالمجلس حين يبرئ الجيش من المسؤولية عما حدث في ميدان العباسيين... وقبله.
أما السلفيون والقوى الشبابية التي انضمت إلى تحركهم فأخطأوا بالتوجه نحو وزارة الدفاع في هذا التوقيت بالذات. كان يمكن أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل أن يعبروا عن غضبهم ومواقفهم في أي ميدان آخر بعيداً من التحدي والاستفزاز. مثلما كان بإمكان العسكر بالطبع أن يرد على الذين تجرأوا على التقدم نحو «عرينه» بطرق شتى غير دفع «البلطجية» إلى تأديبهم... بالقتل. لقد ارتضت كل قوى الثورة وعلى رأسها السلفيون منذ اليوم الأول لرحيل مبارك دور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية. بل كان أنصار أبو إسماعيل في طليعة المدافعين عن المجلس العسكري في كثير من المحطات. لذلك، لم يكن عليهم المجازفة بمصير البلاد والثورة لمجرد حرمان مرشحهم من التقدم إلى الانتخابات الرئاسية. نسي هؤلاء عراضاتهم للدفاع عن المجلس في وجه شباب ميدان التحرير. وتشبه حالهم حال «الإخوان» الذين «تفاهموا في كثير من المحطات والاستحقاقات مع الجيش لقطع الطريق على شباب الثورة. وباتوا أخيراً يعلقون إخفاقاتهم على بقاء حكومة الجنزوري».
إن تكرار موقعة ميدان العباسية لترسيخ فكرة انهيار الأمن قد يدفع بشرائح واسعة إلى المطالبة بإطالة أمد الفترة الانتقالية وبقاء العسكر في السلطة بحجة توفير الأمن وإعادة الاستقرار. وإذا كانت ثمة مصلحة للعسكر في ذلك، أليس للإسلاميين مصلحة مماثلة في ظل ارتباكهم وفشلهم وتراجع وهجهم عشية الانتخابات، وفي ظل عجزهم عن تمرير ما كانوا يصبون إليه من وراء اللجنة التأسيسية التي لم ترَ النور؟
نقلا عن صحيفة الحياة