عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ترف لا نملكه في القاهرة!

سليمان جودة
سليمان جودة

كنت قد كتبت في هذا المكان، صباح الأحد الماضي، مقالا تحت عنوان «دواء روسي في يد عمرو موسى!»، وكان القصد أن أقول، إن عمرو موسى، إذا كان قد طرح برنامجا مكتوبا في سباق انتخابات الرئاسة المنطلق في مصر هذه الأيام، وإذا كان قد وعد بتنفيذ ما جاء في البرنامج، حين يفوز بكرسي الرئاسة، فإن أهم ما لفت نظري في مضمون البرنامج إياه، بل في مجرد عنوانه، أنه يتكلم عن «إعادة بناء مصر».

وكنت قد أردت أن أؤكد، أن مصطلح «إعادة البناء» الذي جعله «موسى» عنوانا لبرنامج من 80 صفحة، ليس جديدا، حين يجري طرحه في مناسبة من هذا النوع، لا لشيء، إلا لأن غورباتشوف كان أسبق إلى استخدامه عندما أراد أن يعيد بعث بلاده، بعد أن كانت قد ماتت تقريبا.. وكنت، للمرة الثالثة، راغبا في أن أضع مائة خط، بكل ألوان الطيف، تحت العبارة ذاتها.. عبارة «إعادة بناء مصر».. لا لشيء مرة أخرى، إلا لأن الحالة التي نحن بصددها في القاهرة، خلال أيامنا هذه، لا تجدي في وصف علاجها كلمات من نوع «الإصلاح» أو «الترميم» أو «التقويم».. أو.. أو.. إلى آخر مثل هذه المعاني.. فنحن، والحال هكذا، أمام وضع عام في البلد، لا أمل في تجاوزه، إلا إذا صادف رجلا ذا عزيمة، ومع العزيمة برنامج محدد، لينخرط الرجل بعد ذلك في عملية «إعادة بناء» بالمعنى الشامل والحرفي للعبارة، وإلا، فإن الترقيع هنا مرة، وهناك مرات، لن يفيد في شيء!
أما مناسبة هذا كله، فهي أنني قرأت في بريد القراء في «الشرق الأوسط» صباح الثلاثاء، رسالة من القارئ الأستاذ فؤاد محمد، يقول فيها، إن بلدنا في حاجة إلى عملية إعادة بناء كاملة فعلا، وإن إعادة البناء هذه، لن تكون مجدية حقا، إلا إذا بدأناها بإزالة مبنى أقيم في «مصر الجديدة» بعد الثورة، لأنه مخالف لجميع مقاييس البناء، وهذا المبنى هو مبنى البرلمان، بمجلسيه، فهو، في تقدير القارئ العزيز، قد يكون مبنى شامخا، وقد يكون شكله جميلا، وقد يكون مضمونه بديعا.. وقد يكون.. وقد يكون.. نقول قد.. ولكنه، في الأصل، قام على غير أساس، بما يجعله مهيأ للسقوط فوق رؤوسنا، في أي لحظة.
قرأت رسالة القارئ الكريم، أكثر من مرة، وتوقفت أمامها طويلا، وتأملت معناها، فأدركت أنه، كقارئ، قد توصل لأول وهلة، إلى ما ندور نحن، ثم نلف حوله، على مدى شهور، دون أن نقولها صراحة، بمثل ما قيلت في رسالة البريد.
إن البرلمان في أي بلد، ينشأ ليعبر، أولا، عن المزاج السياسي العام للأمة، كلها، ثم ليتولى، ثانيا، أعمال الرقابة على أداء الحكومة، بالإضافة إلى التشريع القانوني الذي ييسر حياة الناس، ويجعلها أقل مشقة.
شيء من هذا، لمن يتأمل مسيرة البرلمان، على مدى شهور مضت، لم يحدث، لأنه نشأ، كبرلمان، في الأصل، كما تنشأ المباني المخالفة، في المناطق العشوائية، فالمباني من هذه النوعية، تقام في العادة، ليلا، وبعيدا عن الأعين، ويحدث كثيرا أن ينام الناس في منطقة ما، ثم يستيقظون، فإذا مبنى من عدة طوابق، قد ارتفع في السماء، فجأة، ودون مقدمات، ولا يكون الحل، عندئذ، في استخراج رخصة للمبنى، ولا في إصلاح ما فات على مقيميه أن يحرصوا عليه، في ظلام الليل، ولا في تقويم أشياء كثيرة تكون منحرفة بالضرورة فيه.. ولا.. ولا.. وإنما يكون العلاج السليم، في حالات كهذه، أن تتم إزالة المبنى، من أساسه، وأن

يقام «على نظافة» كما يقال.. أما كل ما عدا ذلك، فهو تضييع للوقت، وتبديد للطاقة، واستهلاك عبثي لما يجب أن ننفقه في مكانه!
كنت هذا الأسبوع، أسجل حلقة من برنامج «ضوء أحمر» على فضائية «دريم» المصرية، مع الدكتور صبري الشبراوي، رائد التنمية البشرية في مصر، وكنت أسأله عما إذا كان الوقت المتبقي بيننا وبين موعد انتخابات الرئاسة في 23 مايو (أيار) المقبل، يكفي لأن ننجز دستورا حقيقيا، لمصر ما بعد الثورة، أم أن التمسك بوضع الدستور، قبل الرئاسة، يمكن أن يؤدي إلى تأجيل الانتخابات.. كنت أسأل الرجل، وفي ذهني السؤال الذي يشغل 80 مليون مصري في الوقت الحالي، حول جدلية «الدستور أولا» أم «الرئاسة أولا» على طريقة «البيضة أم الفرخة».. وكانت إجابة الدكتور صبري، قاطعة، وموجعة في الوقت ذاته، ولا تزال عبارته التي أجاب بها عن السؤال، ترن في أذني، إلى لحظة كتابة هذه السطور.. قال الرجل: نؤجل انتخابات الرئاسة، أم نؤجل حياتنا نفسها؟!
وكان المعنى الذي أراده، من وراء عبارته، واضحا وضوح الشمس في أغسطس (آب)، وهو أن البدء بالبرلمان، في العام الماضي، قبل الدستور، قد أدى إلى انقضاء 15 شهرا، حتى اليوم، على قيام ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 دون تحقيق أي شيء على الأرض، في حياة المصريين، بما يعني أن حياتنا كلها، منذ قامت الثورة، إلى الآن، لا تزال مؤجلة، ولا تكاد تبدأ، حتى يجري تأجيلها، لأن الخطوات التي كان علينا أن نقطعها، في أعقاب الثورة، قد جاءت مختلطة ومضطربة، بحيث جاءت الخطوة الثالثة، قبل الأولى، فأصبح مبنى البرلمان خير تجسيد لحالة الاختلاط والاضطراب التي عشناها ونعيشها، فالدستور هو الأساس في مثل هذا المبنى، وليس الطابق الأخير فيه، ولأننا عكسنا الوضع، فإن البرلمان، كمبنى، يبدو في كل وقت، وكأنه يتأرجح في الهواء، ولا حل بالتالي، إلا أن يعاد بناؤه، إذا كنا جادين فعلا، في أن نصل إلى الهدف، من أقصر طريق.
نؤجل «الرئاسة» أم نؤجل حياتنا ذاتها؟!.. هذا هو السؤال الذي يجب أن يؤرقنا، وأن نستقر على جوابه الصحيح، في ضوء تجربة «مبنى البرلمان»، ثم في ضوء شيء آخر أهم، هو أننا لا نملك ترف التعامل مع السؤال، بمنطق «التجربة والخطأ»، فلا وقت عندنا نضيعه!
نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط