رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الإسلاميون» بين التصعيد والتراجع

عبدالعاطي محمد
عبدالعاطي محمد

لا يمكن قراءة مواقف وسلوكيات قوى الإسلام السياسي فيما يسمى ببلدان الربيع العربي الا من خلال حصيلة التجارب التاريخية لما يمكن تسميته بالحركات الاجتماعية والسياسية، فالأخيرة هي الصيغة السياسية الأكثر تعبيراً عن طبيعة هذه القوى التي تسمى أحياناً بتيارات أو جماعات أو حركات دينية سياسية.

ومن ثم تصبح هذه القوى محكومة بمحددات بعينها تم استخلاصها من تاريخ الحركات السياسية ليس في المنطقة العربية وحسب وانما في الخبرة الانسانية بوجه عام. ولا علاقة لهذه المحددات بالمناخ الإعلامي المصاحب لصعود وهبوط هذه القوى وخلافاتها أو اتفاقاتها مع غيرها من خصومها أو منافسيها لأن هذا المناخ غالباً ما يقود إلى نتائج مضللة بالنسبة للسلوكيات الراهنة والمستقبلية لهذه القوى.

بالمعنى السابق، فإن ما يجرى من صدام بين قوى الإسلام السياسي من جهة وغيرها من القوى غير الإسلامية والأنظمة الحاكمة من جهة أخرى هو للاستهلاك الإعلامي أكثر منه شديد الصلة بحقيقة التوجهات والمواقف السياسية حيث تخضع تلك التوجهات والمواقف لأمور أخرى حاكمة تندرج ضمن ثلاث مجموعات من المحددات، الأولى تتعلق بما يسمى الفرصة - التهديد، والثانية هي الوفرة - الندرة، والثالثة هي الثورة - الاصلاح. تلك المجموعات من المحددات تشكل المعايير التي يقاس عليها سلوك قوى الإسلام السياسي الراهنة أخذاً في الاعتبار طبيعة الظروف السياسية المعاصرة التي تعمل من خلالها وتتصل بما أحدثته موجات التغيير من تداعيات خصوصاً على صعيد الثقافات السياسية وموازين القوى بين الجماعات المتنافسة. وغالباً ما يندهش المتابعون لهذه الظاهرة من تصريح هنا أو تحرك هناك تأتي به جماعة ما في لحظة زمنية ما يشكل تحدياً لجماعة أخرى ومؤشراً على اندلاع الصدام خصوصاً اذا ما جاء ذلك مخالفاً لمواقف شبه ثابتة سابقة. وغالباً أيضاً ما يبني بعض المراقبين والمحللين تقديراتهم للمواقف الراهنة بناء على مثل هذه الأحداث المفاجئة خصوصاً اذا اتسمت بالسخونة والاثارة، فيصلون إلى نتائج سرعان ما يتضح خطؤها مع تبدل التصريحات والتحركات.

وتقدم لنا الحالتان التونسية والمصرية أمثلة ذات دلالة مفيدة فيما يتعلق باجلاء ما يمكن وصفه أحياناً غموضاً في مواقف الحركات أو القوى الإسلامية السياسية أو كشفاً لما هو ثابت وما هو متغير في هذه المواقف، فقد أعلنت حركة النهضة في تونس على سبيل المثال وقت اندلاع ثورة الياسمين أنها لن تتجه إلى تغيير المادة الموجودة في الدستور القديم المتعلقة بالموقف من تطبيق الشريعة الإسلامية وذلك بأن تبقى المادة كما هي دون تغيير وتنص على أن دين الدولة هو الإسلام دون أي اشارة لمسألة الشريعة بأي شكل من الأشكال، ولكن عندما أصبحت الحركة جزءاً رئيسياً في السلطة (رئاسة الحكومة) بدأ بعض رموزها يتحدثون عن ضرورة تضمين الشريعة في الدستور الجديد الذي يجري اعداده، وهنا احتجت قوى سياسية منافسة وتحرك الشارع في اتجاه رفض هذا التوجه فباتت حركة النهضة موضع اتهام بأنها نكصت عن تعهداتها وسادت حالة من الفرقة والاحتقان السياسي في المشهد كله نتيجة تبديل الحركة لرؤيتها بخصوص مسألة الشريعة. وعندما استشعرت الحركة هذا الاعتراض عادت لتؤكد موقفها الأول أي تجنب الاشارة لمسألة الشريعة في الدستور الجديد.وفي تونس أيضاً كانت الحكومة بقيادة حركة النهضة قد قررت وقف التظاهرات في شارع بورقيبة تلبية لطلب من المواطنين المعنيين بالحركة التجارية والسياحية في الشارع المهم والتاريخي في البلاد اثر تعطل هذه الحركة نتيجة استمرار التظاهرات في الشارع بوصفه مركز الثورة على النظام السابق. ولم تمض بضعة أيام حتى عدلت الحكومة عن هذا القرار لاستشعارها الحرج أمام الانتقادات التي وجهت اليها من جانب القوى السياسية الثورية.

وفي مصر لدينا مثالان أيضاً للتدليل على الانتقال من موقف ما إلى نقيضه خلال وقت قصير بما يوحي بالغموض والارتباك في نظرة الحركات الإسلامية للأحداث، ولكن بالنظرة المدققة وفقاً للمعايير السالفة الاشارة اليها يمكن اجلاء هذا الغموض. المثال الأول يتعلق بتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور حيث أعلنت جماعة الأخوان المسلمين ممثلة في حزب الحرية والعدالة صاحب الأكثرية في برلمان ثورة 25 يناير أنها ترى تشكيل اللجنة بنسبة 30% من داخل البرلمان و70% من خارجه، ولكن مع اقتراب موعد اعلان التشكيل غيرت موقفها وقالت بأن يتم التشكيل مناصفة بنسبة 50%، وهنا تصاعدت شكوك القوى المنافسة سريعاً حيث كانت تتفهم الرؤية الأولى للجماعة فيما نظرت للرؤية الثانية على أنها دليل قوى على أن الجماعة تريد أن تهيمن على تشكيل اللجنة ومن ثم على الدستور الجديد المنتظر.

وعندما أصرت الجماعة على موقفها وتم اعلان التشكيل بنسبة المناصفة واتضح أنه يضم شخصيات تعبر على وجه العموم عن توجهات الجماعة حتى لو لم تكن من داخل البرلمان، قرر نحو 20 عضواً الانسحاب من تشكيل الجمعية وتقدم البعض بشكاوى لدى القضاء الاداري قرر هو على اثرها وقف هذا التشكيل لمخالفته القواعد مما وضع الجماعة وأنصارها في موقف بالغ السوء على الصعيد السياسي، وبناء عليه احترمت الجماعة الحكم وعلقت عمل الجمعية. والمثال الثاني يتعلق بالانتخابات الرئاسية حيث أعلنت الجماعة في بداية أحداث 25 يناير وقبل أن يتنحى مبارك أنها لن تقدم مرشحاً لها في الانتخابات الرئاسية، وظلت على هذا التأكيد مدة طويلة من الزمن إلى أن تم فتح باب الترشح وبدأت تظهر خريطة المرشحين، وهنا فاجأت الجماعة الجميع بطرح مرشح لها هو نائب المرشد خيرت الشاطر، ثم أضافت له بعد بضعة أيام مرشحاً آخر هو د.محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة ليصبح لها مرشحان اثنين في محاولة لضمان فوز أحدهما ان لم يوفق الآخر لأي سبب من الأسباب.

وفي نفس الوقت قرر السيد عمر سليمان رئيس المخابرات السابق الترشح وكان نائباً للرئيس مبارك في الأيام الأولى للثورة فيما فهمته الجماعة وأنصارها بأنه اعلان حرب من النظام القديم ضدها وخطوة تهدف إلى اعادة انتاج هذا النظام بكل ما سيترتب على ذلك من انتقام من الجماعة وحزبها وأنصارها في الشارع. ولكي توقف الجماعة هذا التهديد قرر ممثلها في البرلمان حزب الحرية والعدالة مدعوماً من حزب النور السلفي وأحزاب إسلامية أخرى العمل على منع عمر سليمان من الترشح. هنا قام النائب عصام سلطان نائب حزب الوسط بطرح مشروع قانون جديد عن العزل السياسي، ثم جرى العدول عن هذا المشروع لصالح مشروع قانون آخر تقدم به النائب الليبرالي د.عمرو حمزاوي يتعلق باجراء تعديل في قانون مباشرة الحقوق السياسية يحقق نفس الهدف ويتجنب التبعات الدستورية التي تعرض لها مشروع النائب عصام سلطان. وخلال أيام قليلة للغاية صدر القانون الجديد الذي كان واضحاً تماماً أنه جرى تفصيله على السيد عمر سليمان.

النظرة البسيطة القائمة على المعالجة من خلال

المواقف الاعلامية لهذه القوى السياسية الإسلامية يمكن أن تقود المراقبين إلى الاستنتاج بأن الصدام هو عنوان المرحلة بين هذه القوى ومنافسيها وخصوصاً مع السلطات الحاكمة، وينطبق هذا على الحالتين التونسية والمصرية. ولكن تطبيق المحددات أو المعايير السابقة يقودنا إلى تحليل مختلف هو استبعاد الصدام واحلاله بالتعاون والحوار حتى وان بدا هذا وذاك عسيراً ومحدوداً. ففي الحالة التونسية وبالنظر إلى المثالين المشار اليهما، فإن حركة النهضة كانت قبل الثورة لا ترى أي امكان في طرح موضوع الشريعة داخل الدستور بالنظر إلى سيطرة الاتجاهات العلمانية على الأوضاع عموماً في تونس اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، بما يعني أن الحركة ليس لديها فرص لتحقيق هذا الهدف، وعندما نجحت الثورة وأصبحت هي شريك مهم في السلطة أتيحت فرص جديدة أمام هذا الهدف انطلاقاً من التعددية السياسية التي جاءت بها هذه الثورة والتي تسمح بامكان التعايش ثم القبول به والا بدت التعددية مجرد ديكور. ولكن التهديد جاء من قطاع مهم في المجتمع وفي الشارع السياسي رداً على سلوكيات وآراء القوى السلفية المتشددة التي وجدت دعماً لها من جانب حركة النهضة وبدأت تصطدم بالمخالفين لتعاليمها، هنا اتضح أن الواقع التونسي - وبرغم وجود النهضة والسلفيين - لم يتغير على النحو الذي يسمح لهما بفرض العمل بالشريعة.

وينطبق الأمر على المثال الثاني المتعلق بوقف المظاهرات ثم السماح بها في شارع بورقيبة فقد تعرضت الحكومة بقيادة حركة النهضة إلى انتقادات من جانب مناوئي الحركة خصوصاً الاتحاد العام من أجل الشغل الذي اصطدمت به سياسياً دون مبررات قوية منذ فترة. وكان قرار وقف التظاهرات اشارة إلى أن النهضة تفتح على نفسها باباً للهجوم أو تسمح بعوامل التهديد لتقدمها السياسي من جانب خصومها بينما حققت قدراً لا بأس به من المكاسب لا تريد أن تفقده مع الزمن. ان هناك قاعدة مهمة حاكمة في مواقف الحركات السياسية وهي تقدير عوامل الوفرة والندرة جيداً، زادت عوامل الوفرة في الامكانات مادية كانت أو غير ذلك وتضمنت توسعاً في الانتشار بين الجماهير، تعاملت الحركة بمنطق الحلول الوسط أو ابتعدت عن التطرف في المواقف حفاظاً على هذه الامكانات واهتماماً بألا يجري استنفاد مقدرات الحركة في جهود تضعف قدرتها على البقاء، والعكس صحيح، فعندما تندر الامكانات تصبح الحركة أكثر استعداداً للتضحية بما لديها (لأنه قليل) ومن ثم تميل أكثر فأكثر إلى التشدد والعنف. وتطبيقاً لذلك فإن حركة النهضة بما أصبح لها من امكانيات وقدرات تراجعت عن الاستجابة لضغوط حلفائها من السلفيين بخصوص موضوع الشريعة في الدستور وعن الصدام مع منافسيها من العلمانيين واليساريين في موضوع المظاهرات خصوصاً أن الحركة كانت قد بدأت تتعرض لتهديدات حقيقية كحرق بعض مقارها مثلاً احتجاجاً على مواقفها. وأخيراً فإن الطابع الاصلاحي لحركة النهضة وليس الثوري يبعدها عن اتخاذ مواقف تصادمية مع السلطات الحاكمة ومع الخصوم والمنافسين من القوى السياسية.

وفيما يتعلق بالحالة المصرية، فإن جماعة الاخوان المسلمين ربطت تصعيد أو تحقيق مطالبها وفقاً للفرص المتاحة واختفاء مظاهر التهديد والعكس، فقد وجدت الطريق مفتوحاً أمامها في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بحكم ما لديها من أكثرية في البرلمان وتضامن السلفيين معها ثم تراجعت بظهور ما يهدد مواقفها داخل البرلمان وخارجه (الانسحابات المتزايدة ورفع الدعاوى القضائية ضدها). واللافت أيضاً أن التحول في موقف الجماعة بالنسبة للانتخابات الرئاسية ارتبط بتعرضها لتهديد صريح من جانب المجلس العسكري الحاكم بأنه يستطيع حل البرلمان اذا أصرت الجماعة على سحب الثقة من حكومة الجنزوري، وزاد الاحساس بالخطر عندما قرر السيد عمر سليمان نزول الانتخابات الرئاسية فيما اعتبرته الجماعة تهديداً قوياً ينذر بأن الرئيس المقبل (في حالة فوزه) سيتجه إلى اعادة الجماعة إلى ما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير! خصوصاً أن سليمان لم يخف صدامه مع الجماعة. ولكن برغم حدة التهديد فإن الجماعة مالت إلى التحفظ فيما يتعلق بالحرمان من مباشرة الحقوق السياسية لمن هم محسوبون على النظام السابق لكي لا تزيد العداوة ضدها على حد تعبير زعيم الأغلبية المعبرة عنها بالبرلمان. لقد حققت الجماعة مكاسب عديدة من خلال الثورة لا تريد أن تخسرها بتصعيد الصدام ليس فقط مع المجلس العسكري وانما أيضاً مع المنافسين من القوى السياسية الأخرى، كما أنها بطبيعتها اصلاحية الهوى وليست ثورية، ولهذا كله فإن تصعيدها للصراع مع الخصوم محسوب وخاضع للمراجعة.
نقلا عن صحيفة الوطن القطرية