عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العفريت الذي علينا أن نصرفه من القاهرة!

بوابة الوفد الإلكترونية

الخلاف حول «جمعية تأسيس الدستور» في مصر، يشتد يوما بعد يوم، ويتأزم لحظة بعد أخرى، بين الإخوان والسلفيين من ناحية، وسائر القوى السياسية من ناحية أخرى، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالعاقبة التي يمكن أن يؤدي إليها خلاف من هذا النوع.. فالفريق الأول يستحوذ، منذ بدء تشكيل الجمعية، على نصف عدد أعضائها، الذين هم أعضاء منتخبون في البرلمان، بينما النصف الآخر جرى اختياره من خارج البرلمان، ولكن عن طريق البرلمان نفسه، بما سوف يجعل دستور مصر القادم معبرا عن لون سياسي معين، بحكم طبيعة انتماء نصف عدد أعضاء الجمعية، الذي هو انتماء إخواني سلفي واضح، ثم بحكم أن النصف الآخر قد جاء من خلال المزاج السياسي ذاته المسيطر على البرلمان، والذي صبغ النصف الأول، منذ الوهلة الأولى.

هناك كلام عن أن الإخوان والسلفيين أبدوا استعدادا، بعد تدخل المجلس العسكري الحاكم، لأن يتنازلوا عن عشرة مقاعد، من المقاعد الخمسين الأولى التي تخصهم، لأعضاء آخرين غير منتمين إلى تيارات سياسية إسلامية.. ولكن.. حتى هذا الحل، لا يبدو أنه يرضى به أحد، لأنه لا يتعرض لأصل المشكلة، الذي يتجسد في وضع مهمة التأسيس لدستور جديد للبلاد، بكاملها، بين يدي البرلمان، وهو الأمر الذي يرفضه بشكل قاطع، معظم أساتذة وفقهاء الدستور الكبار.. ولأن الأزمة تزداد استحكاما، مع مرور الوقت، ولأنه لا تبدو بادرة للحل في الأفق، فإن الاتهامات يرتفع صوتها ومداها بين الطرفين، كل ساعة، بما أدى في النهاية إلى انسحاب ممثل الأزهر من الجمعية، وبعده انسحب ممثل الكنيسة، وقبلهما كان ممثلو حزب الوفد قد انسحبوا.. وإزاء عدم اكتراث المهيمنين على الجمعية، بأعداد وأوزان المنسحبين، فإن لنا أن نتخيل شكل دستور جديد لمصر، تخلو جمعيته التأسيسية من ممثلي الوفد، والأزهر، والكنيسة، ومن ممثلين آخرين انسحبوا فرادى، حين قرأوا ملامح الخطر على الدستور الوليد، من بعيد.
كل هذا، يبدو منطقيا إلى الآن، ولكن الشيء غير المنطقي، وغير المعقول، أن المعترضين على استحواذ طيف سياسي بعينه، على الجمعية، مصممون - دون سبب مفهوم - على أن يتعاملوا مع الفرع في المسألة، لا الأصل.
أما الفرع، فهو الإخوان والسلفيون، الذين يمثلون - معا - أغلبية مطلقة في أعضاء البرلمان.. وأما الأصل فهو المجلس العسكري الحاكم، الذي كان قد أصدر إعلانا دستوريا في مارس (آذار) قبل الماضي، حدد فيه، بما لا يدع مجالا لأي لبس، الطريقة التي سوف يوضع بها دستور مصر في فترة ما بعد الثورة.
المادة 60 من الإعلان الدستوري إياه تقول الآتي: يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسي شعب وشورى، في اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال ستة أشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد، في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويُعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوما من إعداده، على الشعب، لاستفتائه في شأنه، ويُعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء.
هذه هي المادة التي تحدد بوضوح تام، طريقة وضع الدستور الجديد.. والحقيقة أن الإخوان والسلفيين تصرفوا - بحكم أغلبيتهم في البرلمان - كما تنص المادة بالضبط، وبالتالي، فلا لوم عليهم، ولا أحد في تقديري، له حق مؤاخذتهم، رغم أني، من جانبي، أشارك المعترضين اعتراضهم على استحواذ أي فئة

أو طائفة على الجمعية.. فليس هناك عاقل، ولا منصف، يقبل بأن تستحوذ طائفة من المصريين، دون غيرها، هكذا، على تأسيس الدستور الجديد، ولا أحد أيضا كان يقبل، منذ البداية، أن يتولى البرلمان صياغة الدستور الجديد.. إذ البرلمان في أي بلد متطور في العالم، يخضع للدستور، ولا يضعه، وإلا، فكيف يمكن - مثلا - للدكتور سعد الكتاتني، القيادي الإخواني، ورئيس البرلمان، أن يكون رئيسا للجمعية التأسيسية، التي سوف تضع الدستور، الذي سوف يحدد بدوره، طريقة أداء البرلمان لمهمته.. فالكتاتني، والحال هكذا، خصم وحكم، في الوقت ذاته، والمفترض أن الذي يرأس الجمعية، ليس هو الشخص نفسه الذي يرأس البرلمان، ولذلك، فهذا هو الوضع المقلوب تماما، الذي انتهينا إليه، بفضل المادة 60 من الإعلان الدستوري.
المشكلة، إذن، ليست في الإخوان والسلفيين، لأنهم يتصرفون على نحو ما جاء في الكتاب، كما يقال، والكتاب هنا، هو الإعلان الدستوري بطبيعة الحال، ولا يجوز أن نفترض في الإخوان ولا في السلفيين، درجة من المثالية ليست من طبائع البشر، وهي درجة من المثالية، لو توفرت فيهم، كأغلبية برلمانية، لكانوا قد أخروا مصلحتهم كتيار سياسي صاحب أغلبية مطلقة، وقدموا مصلحة الوطن عليها، وبما أن هذا لم يحدث، وبما أنه لن يحدث، لأن السياسة لا تعرفه، فإن علينا أن نعود إلى الأصل، وأن نتعامل معه.
الأصل أن هناك خطأ، وأكاد أقول خطيئة، تمثلت منذ عام، في المادة 60 من الإعلان الدستوري، وإذا كانت هذه المادة عفريتا، فإن الذي أحضره، عليه أن يصرفه، وقد كان المجلس العسكري هو صاحبه بامتياز، منذ لحظة مولده، وليس أمامه إلا أن يصرفه، إذا أردنا أن نتعامل مع الأصول في القضية كلها، ولا بد أن صرفه يتأتى بتعديل هذه المادة، بحيث يضع المصريون جميعا، من خلال ممثليهم، دستورهم، لا أن تضعه فئة منهم.. هذا هو الحل، ولا حل سواه، وإذا كان هناك مَنْ يرى أن تعديل المادة إياها، أو تغييرها، يتطلب استفتاء الشعب عليها، لأنها في الأصل جاءت باستفتاء، فليكن ذلك، ما دامت المصلحة العامة تحتم هذه الخطوة، حتى لا نظل نبني خطأ فوق خطأ.. فالمقدمات الخاطئة لا تؤدي إلى نتائج صائبة.
نقلا عن صجيفة الشرق الاوسط