رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الديمقراطية التشاركية.. الميدان والبرلمان والشاشة

بوابة الوفد الإلكترونية

مع أن الديمقراطية هي فكرة قديمة تم اختراعها في زمن الإغريق، فإنها ما زالت تشكّل عنواناً من عناوين التقدم الحضاري، بقدر ما تشكل صيغة صالحة وفعالة للحكم وممارسة السلطة السياسية، أو لإدارة الشأن العام وتنظيم العلاقة بين قوى المجتمع المتعددة والمختلفة.

ومع ذلك، لم تبقَ الديمقراطية على ما هي عليه، بل كانت تتطور وتتجدّد، في ضوء الأزمات وعلى وقع التحولات، سواء من حيث مفهومها أو من حيث مجالات ممارستها وآليات ترجمتها. ولذا لم تعد تقتصر على شكلها التمثيلي، كما ترمز إليه صندوقة الأصوات وآليات الاقتراع العام.
حيث يمارس الفعل الديمقراطي، بصورة موسمية، كمية، إحصائية، كل بضع سنوات. هذا مستوى من مستويات الديمقراطية ضروري ولا عودة عنه، ولكنه لم يعد يكفي، بل بات الاقتصار عليه من قبيل الخداع والتضليل.
من هنا جرى ابتكار أشكال جديدة، يتسع معها الإمكان أمام المواطنين، إن لجهة اختيار الحكام، أو لجهة المشاركة الفاعلة في صوغ السياسات والقرارات.
من أهم هذه الأشكال "الديمقراطية التشاركية". وهي تعني جملة أمور: الأول هو كسر المنطق المركزي، الفوقي، البيروقراطي، لصالح العلاقات الأفقية المفتوحة على التداول والتبادل والتحوّل. الثاني هو المشاركة اليومية، في مختلف دوائر المجتمع وأصعدته، في المناقشات العلنية والعمومية المتعلقة بتحسين الأحوال، أو تشخيص المشكلات وتقديم الاقتراحات بشأن معالجتها. الثالث هو توسيع عملية الدمقرطة (التحول الديمقراطي)، لكي تطال مختلف المجالات والحقول، بما فيها مجالات البحث العلمي التي يظن أنها بعيدة كل البعد، عما هو عمومي أو علني أو شعبي.
ففي مجال علم الحياة، مثلاً، يمكن لعشرات الألوف من الأشخاص استخدام التسهيلات التي يؤمنها انفجار المعلومات، عبر الشبكات والهواتف المحمولة، لتجميع المعطيات وتبادلها حول بنية الخلية ونشاطها، وهو عمل يستغرق منهم عدة أسابيع، بينما يحتاج إلى عدة سنوات لكي ينجز من قبل الباحثين المحترفين.
وهكذا نشهد اليوم، وكما جاء في الملحق العلمي لجريدة "لوموند" الفرنسية، نشوء "علوم تشاركية أو مواطنية"، تعمل على محو الحدود بين المحترفين من الباحثين، وبين الهواة والجمهور العريض. وهذا ينسف ثنائية العامة والخاصة القديمة، كما يكسر ثنائية النخبة والجمهور الحديثة.
بالطبع هناك الديمقراطية المباشرة، كما تتمثل في الاستفتاءات التي تجري في أوقات الأزمات، حيث يتاح لكل مواطن إبداء رأيه في القضايا الهامة أو الخيارات المصيرية، التي هي موضع خلاف أو جدال على المستوى الوطني.
وإذا كانت الديمقراطية هي في أصلها حكم الشعب، فلا شك أن التجمعات الشعبية الحاشدة في الساحات والميادين، هي أجلى وأعلى أشكال العمل الديمقراطي، وكما يجري ذلك، بنوع خاص، في اللحظات الثورية المتعلقة بتغيير الأنظمة السياسية وبناء أنظمة أخرى مكانها، كما جرى على امتداد العام الفائت في غير بلد عربي.
ولهذا، عندما تساءل البعض، في مصر، عن السبب الذي يدعو للعودة إلى "الميدان"، بعد تشكل "البرلمان" الذي بات يمثل الشرعية الديمقراطية، خاصةً وأن الانتخاب اتسم هذه المرة بقدر كبير من الشفافية والنزاهة.
كان جواب بعض الناشطين أنه ما زالت هناك حاجة ماسة إلى "الميدان"، إما لأن الثورة لم تكتمل ولم تحقق أهدافها، أو من أجل التصدي لمحاولات الالتفاف عليها، سواء من جهة البرلمان أو الحكومة أو السلطات القائمة أو القوى المضادة. ولكن الاستفتاءات والتجمعات في الميادين، هي لحظات استثنائية، ولا يمكن أن تتحول إلى عمل يومي دائم. وهناك أطر ومجالات أخرى، تمارس فيها الديمقراطية بصورة مباشرة حيّة ويومية.
ولا جدال في أن الإعلام هو المجال الأبرز لممارسة الديمقراطية التشاركية. وهذا ما تفعله القنوات الفضائية، عموماً، ببرامجها الحوارية، الحية واليومية، حيث تثار القضايا الملحّة والمشكلات الطارئة، لكي تناقش، وعلى نحو يشارك فيه المعنيون بها أو من يعانون منها، كما يشارك الخبراء وأهل الاختصاص، فضلاً عن المسؤولين في الحكومات والإدارات، الذين تجري استضافتهم لكي يشاركوا في المناقشة العلنية، أو يخضعوا للمساءلة العمومية.
وهكذا لم تعد الناس تنتظر موعد الانتخاب، كل أربع سنوات أو أكثر، لكي تحاسب النواب الذين انتخبتهم، سواء بالتجديد لمن كان ناجحاً ومخلصاً، أو بانتخاب ممثلين جدد، وإنما تنخرط في المراقبة والمحاسبة، على

سبيل الاعتراض والنقد، عبر وسائل الإعلام المرئي، الذي يفتح الإمكان لممارسة شكل من أشكال الديمقراطية المباشرة، هو "الديمقراطية الميديائية" التي تتيح للفاعلين الاجتماعيين، من مختلف الشرائح والقطاعات، التدخل لإثارة القضايا ومناقشتها، أو لاقتراح الحلول بشأنها.
أخلص من ذلك إلى تناول مسألة شغلت الرأي العام والأحزاب السياسية، في مصر، تتعلق بلجنة وضع الدستور الجديد، وكان النقاش يدور بين اتجاهين:
الأول يعطي مجلس الشعب الدور الأبرز في تشكيلها على مستويين؛ الأول أن يكون نصف أعضاء اللجنة المائة، أي 50 عضواً، من المجلس نفسه، والثاني أن يكون للمجلس الحق في انتخاب أعضاء اللجنة، والتصديق على قراراتها.
أما أصحاب الاتجاه الثاني، فإنهم يرون أن تتألف اللجنة من خارج المجلس، من مختلف الحقول والقطاعات والفاعليات، سيما وأن المجلس له الحق في انتخابها والموافقة عليها.
وما أراه في هذه المسألة، هو أننا إذا أعطينا للمجلس النيابي الدور الأول في عملية تأليف اللجنة ومراقبتها، نكون قد غلبنا الديمقراطية التمثيلية التي باتت أعجز من أن تعبر عما يدور أو يعتمل في المجتمع المصري، من القوى والاتجاهات أو الميول والخطوط.
ولكن في حال أردنا تغليب منطق العمل التشاركي، فإن اللجنة يمكن أن تتشكّل من خارج البرلمان، أو أن يُعطى هذا الأخير حصّة نسبتها إلى الأعضاء المائة، كنسبة الحقل السياسي إلى بقية الحقول. وعندها قد يسمي المجلس عدداً من أعضائه لا يتعدى الخمسة عشر عضواً، يتم اختيارهم من بين الكتل والاتجاهات السياسية المختلفة، فيما تتشكّل غالبية أعضاء اللجنة من خارجه.
إن وضع دستور جديد، في أي بلد كان، هو عمل تأسيسي يتعلق بهيكل الدولة وأطرها ومؤسساتها، وعلى النحو الذي ينظم العلاقة بين السلطات؛ البرلمان والحكومة والرئاسة والإعلام والقضاء، ثم بينها مجتمعة وبين المجتمع بمختلف قواه ومؤسساته وفاعلياته، فلا يجوز أن يترك هذا العمل للبرلمان بأكثريته السياسية، أو أن تكون للبرلمان الغلبة على نشاطاته وقراراته.
خلاصة القول، إن لجنة الدستور ليست مجرد لجنة سياسية، وإنما هي لجنة وطنية تتألف من "خبراء" يتداولون في أمرها، من جميع المجالات والاختصاصات، بحيث يتداخل فيها البعد السياسي مع الأبعاد الأخرى، الثقافي والعلمي، القانوني والحقوقي، الاقتصادي والمالي، المهني والنقابي، الأهلي والمدني، العسكري والأمني... هذا إذا أردنا أن نتعامل مع المشكلات والقضايا الخطيرة والمصيرية، بلغة البعد المتعدد والفكر المركّب والتداول المنتج. من غير ذلك نحسب المشكلة حلاً، وبالعكس.
يبقى الأهم، أياً كانت طبيعة اللجنة، هو أن يكون الأعضاء من أصحاب الخبرة والإنجاز كل في مجاله، بحيث يكون بمقدورهم صوغ دستور يستجيب لحاجات ومطالب الناس، كما عبّرت عنها الثورات القائمة، بقدر ما يتيح للمجتمع أن يصنع وحدته وتقدمه أو نموه وازدهاره.

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية