رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

معاني «الأرض»

حسام عيتاني
حسام عيتاني

في يوم الأرض، يشعر الفلسطينيون أنهم محرومون من الحد الأدنى من مواطئ الأقدام ليقفوا وليبنوا عليها بيوتهم ويربوا أطفالهم قبل أن يحلموا بإقامة دولتهم أو زراعة حقولهم.

وبعد حوالى تسعة عشر عاماً من اتفاق أوسلو، لم تظهر في الأفق نهاية المرحلة الانتقالية فيما لا يجازف أي مسؤول فلسطيني بالحديث عن «السلام» مع إسرائيل. وتبدو كل الأحلام الفلسطينية التي شهدت فترات ازدهار أثناء حقبات الكفاح المسلح والمفاوضات المباشرة، بعيدة جداً وقد علاها غبار الصراعات الداخلية والانقسامات الوطنية.
جرى ذلك في وقت كان يشهد تغيرات عميقة في الحقائق الاقتصادية والسكانية، وبالتالي السياسية، في المنطقة. وقت تبدل فيه معنى الأرض ووظيفتها ومكانتها. فمنذ ذلك اليوم من آذار (مارس) 1976 في الجليل، توجه ملايين العرب من الأرياف إلى المدن وتركوا العمل في الزراعة والارتباط المباشر بالأرض وتغيرت أدوات إنتاجهم. وبين السبعينات والثمانينات شهدت المدن العربية تدفق أعداد ضخمة من الوافدين من الأرياف بالتزامن مع انفجار في عدد الولادات (خصوصاً في سورية واليمن ومصر)، ما غيّر طبيعة المراكز السكانية والنشاط الإنتاجي. وليس بلا أساس القول إن نشوء الأحياء الجديدة والفقيرة حول دمشق، على سبيل المثال، غذّى التوتر الاجتماعي الذي انقلب تململاً ثم انتفاضة سياسية.
يقود ذلك إلى الاعتراف بتبدل موقع الأرض في الوعي الجمعي وفي الاقتصاد العربيين. فالحديث الرومانسي عن الانتماء والشرف المستمدين من العلاقة مع الأرض، بات أقرب إلى اللغو النوستالجي عند عرب اليوم. وحقول القطن التي تسيل دماء الفلاح المصري من أجل غلتها القليلة، بحسب ما صور يوسف شاهين في فيلمه «الأرض»، باتت تعني لشباب اليوم شيئاً شديد الاختلاف عما كانت تعنيه قبل أربعين عاماً. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأرض التي «بتتكلم عربي» بحسب الأغنية الشهيرة.
وتظهر في الأرياف العربية عملية شبيهة بتلك التي شهدتها أوروبا في القرن التاسع عشر عندما هجر السكان القرى والحقول واتجهوا إلى البلدات والمدن الصناعية، فتحولت الأرض إلى مجرد أداة اقتصادية عند قسم من رأس المال المحلي.

ولم يعد الانتساب إلى أرض بعينها يحمل أي دلالات قيمية. وبديهي أن تبقى بعض العلامات كاللهجة والعادات في الطعام والشراب، تشير إلى تحدر من جهة جغرافية ما، بيد أن ذلك سرعان ما يساهم في إضفاء الألوان على المدن التي تستقبل الآتين من القرى. وفي حين تسعى الدول الحديثة إلى التعامل مع مكوناتها كأفراد لا تمييز بين الأماكن التي يأتون منها، تصر «دول» أخرى، كلبنان مثلاً، على ترسيخ العلاقات الجهوية من خلال قوانين الانتخابات بهدف إعادة إنتاج النظام السياسي الجهوي- الطائفي.
ومقابل الحالة الشديدة التطرف التي يعانيها الشعب الفلسطيني المحروم من الحد الأدنى من مساحة وطنه الجغرافية ما يضفي على الأرض قيماً رمزية بل ميثولوجية، تنشأ في عديد من الدول العربية حالات لا قيمة للأرض فيها سوى كملكية عقارية معروضة للمضاربة والمساومة. وبين هاتين الحالتين القصويين، ثمة علاقات متنوعة مع الأرض بمعناها ورمزيتها وقيمتها، تتبدل من مجتمع إلى آخر ومن نظام سياسي –اقتصادي إلى آخر، وصولاً إلى حالات استغلال رمزية الأرض في المجالين السياسي والطائفي.
لكننا، مع ذلك، نقف بين نظرات عدة إلى علاقة الإنسان العربي بالأرض أهمها اثنتان: واحدة نوستالجية رومانسية، باتت أشد ارتباطاً بالصراعات السياسية الراهنة تخلو باستمرار من محتواها، والثانية، أداتية تقتصر على الانتفاع المباشر من هذه «السلعة».

نقلا عن صحيفة الحياة