رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في مصر «مُولد وصاحبه غايب»

د. مغازي البدراوي
د. مغازي البدراوي

ما يحدث في مصر الآن، بعد فتح باب الترشح للرئاسة يوم السبت الماضي، ينطبق عليه المثل الشعبي المعروف مُولد وصاحبه غايب، ولا يمكن وصف عملية التقدم للترشح للرئاسة بأقل من كلمة مهزلة، ولا تمت للديمقراطية بأية صلة، عندما يتقدم في خلال يومين فقط أكثر من ثلاثمائة شخص بطلبات للترشح لمنصب رئيس مصر، فهذا لا يعني سوى الفوضى في المجتمع وانعدام الوعي السياسي لدى الجماهير،

ولا يمكن تبرير ذلك بالقول ان عمليات الفرز وجمع التوكيلات سوف تطيح بالغالبية العظمى من هؤلاء ولن يبقى منهم سوى المعروفين، لأن هذا لا يلغي وقوع المهزلة وتشويه سمعة مصر وصورة الثورة المصرية أمام العالم.
هذه الثورة التي اعتبرها الكثيرون في الخارج نموذجاً عالمياً يحتذى به من قبل الشعوب الأخرى، واعتقد العالم كله أن الشعب الذي صنع هذه الثورة على مستوى عالي جداً من التحضر والوعي السياسي الذي أهله لأن يصنع ثورة سلمية بيضاء جمعت كل أطياف الشعب وطوائفه الدينية والثقافية والاجتماعية، ثم يفاجأ بهذا الكم للمتقدمين بطلبات ترشح للرئاسة، والذي من المتوقع أن يتجاوز الألف مرشح قبل إغلاق الباب في الثامن من أبريل المقبل.
ظاهرة أعداد المترشحين للرئاسة هي نموذج مصغر لكل ما يحدث في مصر بعد خلع حسني مبارك من الحكم، حيث امتلأت مدن مصر بالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات من قبل جماعات تمثل العديد من فئات المجتمع الدينية والمهنية والسياسية، من مسيحيين ومسلمين وعمال وفلاحين وموظفي مصانع وشركات وإدارات وأجهزة أمن ونساء وفنانين ونقابات وغيرهم، كما امتلأت وسائل الإعلام المرئية والمقروءة بأعداد غفيرة من المفتيين والمنظرين والمحللين، وامتلأت مصر بعشرات الأحزاب والجماعات والتنظيمات السياسية، وكل جهة وفرد من هؤلاء يغني على ليلاه.
ويبحث عن مصالحه الشخصية أو الفئوية أو الطائفية، ولا يجمعهم سوى شيء واحد هو أنهم جميعاً يتحدثون باسم الثورة، ويدَّعون أنهم ثوار، وأنهم كانوا في ميدان التحرير، وغيره من ميادين الثورة، وبديهي أنه ليس كل من كان في الميدان ثوار، ولا كل من لم يذهب للميدان ليس من الثوار، ولكن ما يحدث في مصر هو بالضبط ما يحدث في موالد الأئمة والمشايخ والصالحين، حيث تجد في مولد

الحسين بن علي رضي الله عنهما في القاهرة كل مظاهر المرح والترف والرقص والمغنى والمسابقات والنصابين والنشالين وبائعي المخدرات والسكارى والمساطيل وكل ما يخطر ببالك، ما عدا الحسين بن علي وذكراه العطرة.
كذلك الآن في مصر مولد الثورة، تشاهد فيه الوصوليين والكذابين والمنافقين والمخادعين والمتآمرين والمتأسلمين والمتنصرين والعملاء.. وما شابههم، بينما الغائب الوحيد في هذا المولد هو الثورة نفسها، فالجميع يتشدق بشعارات الثورة ويدعي أنه أكثر المؤمنين بها، بينما ما نراه وما يحدث على الساحة أبعد ما يكون عن ثورة 25 يناير التي شهد لها العالم كله.
المرشحون النجوم للرئاسة أمثال موسى وشفيق والعوا وأبو إسماعيل والصباحي وأبو الفتوح وغيرهم معروفون وأسماؤهم متداولة منذ فترة، ولكن غيرهم المئات وربما يصبحوا آلاف تقدموا معهم للترشح للرئاسة، والسبب إما أنهم ليسوا مقتنعين بأحد من كل هؤلاء النجوم، أو أن الثورة المصرية بالفعل مازالت يتيمة تحتاج لأب أو آباء حقيقيين مؤمنين بهذه الثورة عن حق ومقنعين للآخرين، ويضعون الوطن والشعب فوق كل شيء وليسوا أصحاب مصالح فئوية أو شخصية أو حزبية ولا يعملون لحساب جهات خارجية أو داخلية، ولا محبي للسلطة والشهرة والنجومية، يوم أن يوجد هؤلاء الآباء الحقيقيين للثورة سوف ينفض هذا المولد وهذه الفوضى وتنفض كل جماعة وكل فرد إلى عمله، ولن نرى طوابير المئات من المرشحين للرئاسة، لأن كل فرد في المجتمع سيعرف قدره وحجمه ودوره.

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية